كتب حسن عبد البر: أثارت القرارات الأخيرة للحكومة، برفع الدعم بنسبة تصل إلى 45% عن المنتجات البترولية والغاز الطبيعي، حالة غليان فى المجتمع المصري، ولعل أبرز من تخوفوا من القرار هم من ينتمون إلى الطبقة المتوسطة المصرية الذين يكافحون لعدم السقوط إلى الطبقة الأقل ومن أجل الصعود إلى الطبقة الأعلى. وتحدث جميع الخبراء، محذرين من انحدار هذه الطبقة لأنها تعتبر فى أي مجتمع هي صمام الأمان وعامل الاستقرار، وكلما اتسعت قاعدة هذه الطبقة دل ذلك على عافية المجتمع وصحة بنيانه، وهي تمثل العمود الفقري لأي مجتمع متقدم حضارياً واقتصادياً وذلك لأنها محور الحياة الاقتصادية والثقافية وأفرادها يكسبون رزقهم من مهن تعتمد بصورة رئيسية على إنتاجهم الفكري أو المهني أو العلمي. وتعتبر الطبقة المتوسطة مقراً أو محطة يتم الارتقاء منها أو من خلالها إلى طبقة الأغنياء، ولها أهمية اقتصادية كبيرة فى كونها المحرك الاقتصادي الأساسي فى الإنتاج والاستهلاك، خاصة أن الفئة الدنيا من الطبقة المتوسطة قريبة من خط الفقر، وتؤثر بها القرارات الاقتصادية كإزالة الدعم أو رفع الرسوم والضرائب والأسعار فتنتقل وبكل سهولة وبشكل مؤلم من الطبقة الوسطى إلى الفقيرة، وهو أمر له مردودات خطيرة خاصة فى ظل ما تشهده المنطقة من تحولات صعبة. وبحسب بيانات بنك كريدي سويس، المتخصص فى تقدير الثروات، تقلصت الطبقة المتوسطة فى مصر نحو 48% عام 2015، إذ انخفض عددها من 5.7 مليون شخص عام 2000 إلى 2.9 مليون عام 2015، كما كشف الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وهو جهاز تابع للحكومة المصرية، فى آخر دراسة له، أن 27.8% من السكان فى مصر يعيشون تحت خط الفقر ولا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغيره. وكانت نسبة الفقر عام 2013 تبلغ 26.3%، ثم ارتفعت إلى 27.8% عام 2015. وأشار التقرير، الصادر فى يوليو 2016 إلى أن أكثر من 11.8 مليون مواطن، فى أدنى فئة إنفاق فى مصر، حيث يبلغ معدل إنفاق الفرد منهم سنوياً أقل من 4 آلاف جنيه "أي أقل من 333 جنيهًا شهريا"ً. قاطرة النمو قال رضا عيسى الخبير الاقتصادي، إن الطبقة المتوسطة قاطرة نمو أي بلد فى العالم وهي التي تقوده إلى التقدم وتحافظ على توازنه، ومن المفترض أن تكون نسبتها فى المجتمعات من 70% إلى80%، ولكن فى مصر الآية معكوسة حتى أن نسبتها لا تتجاوز 8% من سكان مصر، الطبقة المتوسطة هي الطبقة صاحبة العلم وما تملكه من بعض الأصول يحافظ على التوازن، مشيراً إلى أن الأمر أصبح فى منتهى الخطورة لأن الطبقة التي يخرج منها الأدباء والعلماء أصبحت على حافة الانهيار. وتساءل عيسى فى تصريحات خاصة ل«الأهالي» قائلاً: لماذا اختفت كروت البنزين التي كان هدفها ترشيد الدعم، وكانت توزع الثروة بشكل عادل؟، ولماذا تم صرف النظر عنها فى إطار التحول للدعم النقدي؟، مؤكداً أن الحكومة تعطي المواطن قرشين وتأخذ مكانهم عشرة، ورفعت يدها عن الشعب، ولا يفرق معها الناس تموت أو تعيش، وأن المصائب لا تأتي فرادى وهناك إجراءات أخرى كالقيمة المضافة ورفع أسعار المياه والكهرباء. وجهة نظر أخرى قال الدكتور رائد سلامة الخبير الاقتصادي، إن الطبقة المالكة أو التي تتحصل على دخلها من توظيف المال فقط فهي لن تتأثر بالتأكيد لأنها ستقوم بتعويض ما كانت تتمتع به من دعم من خلال بيع منتجاتها بأسعار أعلي ومن خلال أسعار الفوائد التي تتزايد باستمرار و باضطراد، لكن الطبقة العاملة بكل شرائحها ستتأثر دون شك بإجراءات رفع الدعم حيث تتركها الدولة فى مهب الريح نهباً لآليات السوق دون تدخل أي أن تحديد الأسعار سيكون محكوماً فقط بالعرض والطلب دون الأخذ بالاعتبار قدر الدخل أو حجم العمل ومستويات البطالة العالية. وأكد، أن الشرائح العليا من الطبقة العاملة وهي لا تزيد فى تعدادها على 5 ملايين مصري تقريباً أغلبهم من كبار الموظفين فى القطاع الخاص و الدولة يمكنها أن تعيد ترتيب أولوياتها بحيث توجه دخولهم التي تنخفض بسبب التضخم ورفع الدعم للإنفاق على الاحتياجات الأساسية لكنها ستستطيع البقاء على قيد الحياة، أما الشرائح الاجتماعية الدنيا من هذه الطبقة وهي النسبة الأكبر التى ستتأثر تأثراً بالغاً بإجراءات رفع الدعم والضرائب الباهظة فى ضوء الوضعين السياسي والاقتصادي البائس الذي تمر به مصر بما سيترتب عليه كوارث اجتماعية نحذر منها منذ فترة طويلة جداً. ونوه «سلامة» إلى أنه حسب الإحصاءات الرسمية قبل تطبيق الإجراءات التي أسمتها الحكومة زوراً و بهتاناً بالإصلاحات الاقتصادية فإن نحو 40 مليون مصري تحت خط الفقر، وهذا العدد هو بالتأكيد سيزداد بعد الإجراءات المؤسفة بما ينذر بكوارث اجتماعية وأنهى سلامة، حديثه بأن الأزمة بالأساس ناتجة من الإذعان لتعليمات صندوق النقد الذي أطلق عليه "صندوق الخراب الدولي".