من علامات صحة الاقتصاد وقوته في أي دولةٍ اتساع الطبقة المتوسطة، فكلما تراجعت هذه الطبقة وقلت نسبتها كان ذلك دليلا على تهاوي اقتصاد هذه الدولة وهشاشة نظامها. أبناء الطبقة المتوسطة- بحسب رجال الاقتصاد والدراسات الاقتصادية - هم من يجدون قوت يومهم، أى أن دخلهم يكفيهم من الطعام والشراب والتعليم والصحة، أى يكفي أساسيات الحياة. وبعد ارتفاع الأسعار بصورة جنونية، عقب قرارات 3 نوفمبر الكارثية بتحرير سعر صرف الجنيه ورفع أسعار الوقود 3 مرات منذ انقلاب 3 يوليو، وبالأرقام أو بالدخول يشير خبراء الاقتصاد إلى أن أبناء الطبقة المتوسطة حاليا هم من تزيد رواتبهم على 5 آلاف جنيه وتقل عن 20 ألف جنيه. وهذا ما يؤكد أن من كان يتقاضى راتب 3 آلاف أو 4 آلاف أصبح الآن من أبناء الطبقة الفقيرة. وعلى هذا المعيار، فقد ترتب على قرارات رئيس الانقلاب الكارثية، هبوط نسبة كبيرة من أبناء الطبقة المتوسطة إلى الطبقة الفقيرة، بعد أن أصبحوا تحت خط الفقر. وقال بنك الاستثمار "برايم" في مصر، في دراسة بحثية له يوم 4 يوليو الجاري، إن الطبقة الوسطى في البلاد هي الأكثر تأثرا بقرار رفع أسعار الوقود، وباقي قرارات "الإصلاح الاقتصادي". ورفعت مصر أسعار الوقود، نهاية الأسبوع الماضي، والتي تشمل البنزين والسولار وغاز البوتاجاز (غاز الطهي)، بنسب متفاوتة تتراوح بين 5.6% و100%، للمرة الثانية، بعد تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2016. وفي مذكرة بحثية، دعا "برايم" إلى إعادة النظر في هيكلة شرائح ضريبة الدخل، لتخفيف عبء تلك القرارات عن الطبقة المتوسطة، عبر رفع الضرائب على الشرائح الأعلى دخلا وخفضها على الشرائح متوسطة الدخل. وفي 8 نوفمبر 2016م، نشرت صحيفة التايمز البريطانية تقريرا لها بعنوان "الطبقة المتوسطة في مصر تجبر على العيش بالمساعدات الغذائية". وحذرت الصحيفة من أن قطاعات من الطبقة المتوسطة المصرية تنحدر الآن نحو الطبقة الفقيرة؛ بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد. وتضيف أن الطبقة المتوسطة ليست فقط التي تعاني من الأزمة، بل يوجد- بحسب التايمز- 23 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر. 40% نزلوا للطبقة الفقيرة وأجمع خبراء اقتصاد على تراجع الطبقة المتوسطة فى مصر بعد سلسلة الزيادة فى رفع الأسعار، وأكدوا أن نسبة كبيرة من أبناء الطبقة المتوسطة التى كانت تمثل 60% من الشعب المصرى انزلقوا إلى طبقة الفقراء. وينتقد هؤلاء تلك القرارات التي تزعم حكومة الانقلاب أنها حتمية لإنقاذ الاقتصاد، مؤكدين أن ما ترتب عليها من تآكل الطبقة المتوسطة التى تعد العمود الفقرى لأى مجتمع سوى علامة على خطأ المسار وانعدام الرؤية. ويوضح الدكتور محمد عبدالحليم، الأستاذ المساعد بكلية التجارة جامعة الأزهر، أن الأسر المتوسطة والتى تمثل الأغلبية العظمى من شرائح المجتمعات السوية، تصل نسبتها إلى 60% من إجمالى سكانه، وأن الأثرياء جدا تصل نسبتهم 10% والأغنياء 10% والفقراء 20% على الأكثر، مشيرا إلى أن تلك هى التقسيمة التى تجعل أى مجتمع يعيش فى تكافؤ. وأضاف: «الأسر المتوسطة فى تقدير عدد الأفراد تتراوح بين 4 و5 أفراد، ويصل متوسط دخلهم إلى 3000 جنيه، وهو الحد الأدنى فى ظل الأحوال الاقتصادية الراهنة لتلبية الاحتياجات الأساسية جدا لحياتهم». وبعد الموجة الأخيرة فى زيادة الأسعار التى تعاقبت بعد رفع أسعار البنزين، يرى عبدالحليم- وفقا لتصريحاته اليوم لصحيفة "المصري اليوم"- أن الأسر المتوسطة الآن ذابت فى المجتمع، ولم تعد تزيد نسبتها على 30%، أى بمقدار نصف المعدل الطبيعى، وهى دائما تتجه للأسوأ، ودائما ما تنحدر بها الأوضاع الاقتصادية لمستوى الأسر الفقيرة. وتابع: «كل من تحدد دخله فى تلك التغيرات الاقتصادية هو الأكثر عرضة للتأثر بها؛ لأن أصحاب الأعمال الحرة يبادرون على الفور بزيادة قيمة خدماتهم فور زيادة الأسعار، وبالتالى يعوض من خلال خدماته عبء الزيادة فى الأسعار، ولا يشعر بها، ليظل ذوو الدخل الثابت فى صراع مواجهة الغلاء، سواء كانوا موظفين حاليين أو سابقين أو ملاك عقارات لها قيمة إيجارية ثابتة». عمود الثورات الشعبية وأوضحت الدكتورة علياء المهدى، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية سابقا، أن السنوات الست الأخيرة شهدت زيادة فى الأسعار، جعلت الأسر المتوسطة تتراجع لأقل من 40%، بعد أن انزلقت أسر كثيرة منها لمستوى الأسر الفقيرة، مؤكدة أن هذا يعد مؤشرا خطيرا جدا على أى مجتمع، مضيفة: «الطبقة المتوسطة هى دائما ما تكون نبض المجتمع، لما تحصل عليه من قدر كاف من التعليم والثقافة، تستطيع من خلاله التعبير عن نفسها، وتوازن به المجتمع، ومن الملاحظ أن كافة الثورات الأخيرة قامت بها الأسر المتوسطة مع الأغنياء، وأبرزها ثورة 25 يناير، فلم تكن ثورة للفقراء». وتحذر «المهدى»- في تصريحات صحفية اليوم السبت- من أن «تراجع الطبقة المتوسطة مردوده الاقتصادى والاجتماعى الذى يظهر فى الكساد التضخمى، وهى أسوأ درجة قد يصل إليها الاقتصاد، فالكساد راجع لتراجع حركة البيع والشراء بعد ارتفاع الأسعار، يقابله زيادة لا تنقص فى أسعار السلع، وعلى المستوى الاجتماعى تسود حالة من القلق فى العلاقات، خاصة إذا كانت الأسرة المتوسطة خارج منظومة الدعم، بمعنى أن لا تكون لديها على سبيل المثال بطاقة تموين، فيكون حالها أشد وطأة".