كان العنوان الرئيسي للدورة الرابعة لمؤتمر باكو الدولي للمسرح بأزربيجان، هو ( المسرح والتعدد الثقافى ). ومن بين الأوراق العديدة المشاركة من مختلف دول العالم التي تم قراءتها على مدى يومي 7 و8 نوفمبر من هذا العام فى العاصمة باكو اخترت أن أشارككم سؤالاً جوهرياً طرحه فى ورقته الأستاذ ساڤاس پاتساليدس Savvas Patsalidis بجامعة أرسطو، ورئيس تحرير مجلة (مسارح نقدية) Critical Stages الإلكترونية، والتي يصدرها الاتحاد الدولي لنقاد المسرح. بالطبع لم تكن وحدها التي استوقفتني بين المساهمات القيمة، لكني أصطفيها فى هذه المساحة الصغيرة القيمة أيضاً، ذلك أن الورقة طرحت سؤالاً منزهاً عن الغرض، وعلمياً فى موضوعيته الجديرة بأستاذ نقد مسرحي يصيب دلالة طرح مفهوم التعدد الثقافى فى عالمنا المعاصر، ويتوجه لضمير القائمين والمشاركين فى المؤتمر بسؤال النية والجدوى فى ظل عالم يعج باللاجئين وقضايا النزوح ومآسيه فى مأساة لاتقل كما شبهها بكارثة الحرب العالمية الثانية. إليكم سؤال الأستاذ اليوناني الذي مس كبد الحقيقة كما نقول فى عربيتنا، ومما ليس بغريب عن ابن الفلسفة والدراما الإغريقية التي مازالت عقولنا إلى الآن تنهل من أسئلتها الجوهرية الإنسانية الأبدية، والتي عبرت عن كوارث بشرية أزلية مشابهة. " شهد الربع الأخير من القرن العشرين، كما ربعه الأول، طفرة فى التجدد الثقافى كتابًا جددًا وفنانين جددًا وجماعات مسرحية جديدة ومجتمعات إثنية بدأت تثبت حضورها بقوة حتى أنهم يمثلون اليوم أحجار زوايا للثقافة المعاصرة. وهو أمر طيب جداً ومشجع. لكن السؤال الذي يبحث عن إجابة: هل مثل هذا التضخم العولمي للحراك الثقافى يدل على مزيد من الديمقراطية، ويدل على رغبة حقيقية لدى المجتمعات المعاصرة أن تضع تصوراً مغايراً للعالم وتعيد موضع كتلاته، شعوبه وأفكاره، والنظر إلى فنونه بطريقة أقل مركزية، وأقل اعتماداً على التحجر العقائدي أم أن هذا التضخم العولمي للحراك الثقافى مجرد جزء من خريطة جوجل لمشروع العولمة الاقتصادي الذي يميل إلى احتضان وترويج كل ما هو ‘جديد' من أجل تسليعه واستثماره؟ هدف ورقتي أن أتفحص ما إذا كان التعدد الثقافي، كما يُمارس اليوم فى المسرح ويُدرَّس فى الأكاديميات، قادراً بالفعل على تحفيز المساهمة فى خلق منطقة مهجنة مشتركة وسليمة لتطوير خزينة ذاكرة جديدة بعيداً عن الثنائية التقليدية: شمال/جنوب، شرق/غرب، وحداثة أو ما بعد حداثة غربية/لا غربية، وبعيداً عن بِنى السلطة واستراتيجيات الهيمنة أم أن التعدد الثقافى ببساطة مجرد فكرة تسويقية واتجاه يحظى بشعبية الموضة للممارسين المسرحيين ومشروع بحثي للمتقدمين لدرجات التعيين بالأكاديمية ؟".