لم لا نجرب ونحتفل بانتصاراتنا الصغيرة فى هذا البلد المنشغل عن ثقافته وهمومه. فمنذ ثورة يناير 2011 مروراً ب30 يونيو 2013 نشط تيار يسعى لإلغاء مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، ويتحايل مرة بتغيير الاسم ومرة بالتلويح ببدء المهرجان بدورة أولى مما يمحو أكثر من عقدين من الفكر المسرحي على أرض المحروسة. تيار أصولي فى الثقافة ربما، تصفية حسابات جائز، قناعة حقيقية وارد. لكن غريب أن ينشط مثل هذا التيار بعد انتفاض شعب رغبةً فى التقدم، وفى ظل تحد لأفكار رجعية كادت تعصف بالوطن كله. وعليه فقد تحركت جماعة شعبية مسرحية بحملة : لا لإلغاء مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وجمعت توقيعات يدوية والكترونية على صفحتها، وألقى ممثلوها بياناً فى لجنة المسرح مما أسفر عن الالتزام برقم الدورة الثالثة والعشرين وإضافة كلمة ‘المعاصر' للتجريبي كمفهوم مُحدَث. وأحب أن أُطلع القارئ الكريم على بعض من البيان وما أراد أن يرسخه من قيم ثقافية وبعض تاريخ شهدنا عليه : " إلغاء التجريبى / إهدار 23 عاما من تاريخ المسرح تنص توصيات المؤتمر القومي للمسرح فى دورته الرابعة، والمنعقد فى المدة من 27 إلى 29 مايو عام 2013 تحت عنوان ( المسرح ضرورة)، وفى توصيته التاسعة تحديداً على: " ضرورة إعادة فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي فى موعده تأكيداً على الدور الثقافى لمصر على المستوى الإقليمي والدولي ... ". ويؤكد مثقفو مصر فى مؤتمر( ثقافة مصر فى المواجهة )، والمنعقد فى الفترة من 1 إلى 3 أكتوبر عام 2013، فى توصيته الحادية عشرة على " دعمه الكامل لتوصيات المؤتمر القومي للمسرح ... ". ونجدنا كمسرحيين مصممين على عودة فعاليات هذا المهرجان، وبعد فرحة غامرة بقرار عودته فى 2015 فى دورته الثالثة والعشرين،مضطرين للدفاع عن بديهيات. نقول بأن اسم المهرجان هو هويته، فلسفته، وتاريخه، وأن أي محاولة لتغيير الاسم من مثل الاكتفاء بكلمة ‘ الدولي ‘ مع بتر ‘ التجريبي ‘ هي بمثابة تمزيق لهويته، وعرقلة لمساره، وتزييف لطبيعته. ونضيف : أولا : أن ليس من المعقول إهدار 23 عاماً من تاريخ العمل الثقافى المسرحي فى مهرجان استمر محققاً 22 دورة دون انقطاع إلا عام حرب، حافراً اسماً بعيد التأثير محلياًوعربياًوعالمياً، مما جعل من توقفه لمدة أربع سنوات مثار حسرة وتلهف مريديه ممن سبق وشاركوا فى دوراته. وأن شأنه شأن أي تجربة ممتدة وغزيرة، فقد تحولت ملكيته المعنوية إلى من ساهم فى تشكيل وعيهم وذائقتهم كرافد مهم وجوهري. وقد تجاوزنا، فنانون ومتلقون، مرحلة الصدمة والتأثر السطحي الساذج أو التقليد الشكلي إلى مرحلة النضج. ويكفى أن ننظر إلى العرض الفائز فى المهرجان القومي للمسرح هذا العام، وبشروط الدولة التنافسية، لندرك أثر تراكم الخبرة الابداعية فى إطلاق الخيال وتجاوز المألوف. ( كان العرض هو ‘المحاكمة' لطارق الدويري والذي حصد خمسة جوائز عام 2014 ) ولا أظننا نتزيَّد إذا شهدنا بأن المهرجان أوحى، إن لم يكن ساهم فى التمهيد لعدد من فنون العرض التي لم تكن متداولة ومنتظمة فى الإبداع المسرحي المصري. كما امتد تأثيره، على قاهريته، إلى ربوع مصر تأسيساً لنوادي مسرح تابعة للثقافة الجماهيرية، وورش تدريبية، وفرق مستقلة. وهي أفكار وطرائق فى الإنتاج والتعلُّم لم تكن مطروقة من قبل. ثانيا : أن ليس من المقبول بأية حال الصمت عن اقتلاع أكثر من عقدين من الزمان شكَّلا وعي المبدع المسرحي فى تلك المرحلة. فروح الابتكار والتحدي التي بثها مفهوم التجريب ومشاهداته قد أثرت وأثَّرت على نحو جذري فى بصريات وصوتيات المسرح المصري وفكره، ونقلت المتفاعلين معه إلى منطقة معاصرة، غير تلك التي كان يترنح فيها فى نهاية الثمانينيات حين صدر قرار بإنشاء المهرجان، وواكب ذلك تطور فى ذائقة التلقي عند المعاصرين لفعالياته، وطفرة فى الحركة النقدية تعلماً واطّلاعاً ومتابعة. وعليه فقد آن الأوان أن ننأى بأنفسنا عن هذا البعد المخرِّب من بقايا تقاليد إدارية بالية تمحو كل منجز سابق كأنه تجسيد للفرعون،الحاكم،الرئيس، الوزير، صاحب السلطة أو الولاية السابق، أيا من كان، وننكر التاريخ لنظل فى كل مرة نبدأ من جديد، ونخسر كل فرصة لتراكم عراقة مُحدَثة أو مشروع فكري متصل...." مبروك علينا الدورة الثالثة والعشرين لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر، وإن لم تكن 2015 وإنما 20 سبتمبر 2016 بعد خمس سنوات من الغياب.