الشْفَاعَة في الأصل مأخوذة من الشّفْعِ الذي هو خلاف الوَتْرِ ومن التعريفات الكثيرةِ التي ذكرها العلماءُ للشفاعةِ نستخلصُ مِنْها أنها هي: التوسط بالقول لوصول منْفَعَة إلي شخص يرجوها. أو تخليصه مِنْ مَضَرة يخشي الوقوع فيها. أو لتخليص مَنْ وَقَعَ في مَضَرة حتي يَخْرجَ مِنْها. وكما تكون الشّفَاعة لشَخْصي تكون كذلك لجماعة. وكما تكون حسنة تكون كذلك سيئة. وكما تكون في الدنيا تكون في الآخرة. والشفاعَة في الآخرة جائزة عَقلا. ثابتة نَقلا. يأثم مُنكرها. وهي ليست من قَبيل الوَسَاطَة في الدنيا كما يظن بعضُ الناس. وذلك لعدة أمور هي: 1- أنها تَفَضّل مِنْ الله. ولا حَرَج علي فضل الله. ولا حد له. فقد أعطي سبحانه المؤمن علي الحسنة عشر أمثالها قال تعالي: ¢من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها¢ آية رقم : 160 من سورة الأنعام وقد يزيد الله تعالي المؤمن علي العشر : قال تعالي: ¢مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء¢ آية رقم :261 من سورة البقرة كما أن الذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان. ولكن ذريتهم لم يلحقوا بهم. ولم يبلغوا درجتهم في الجنة أعطاهم الله تعالي درجة آبائهم من غير أن ينقص من أجر الآباء شيئا. قال تعالي: ¢والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء¢ آية رقم :21 من سورة الطور ففضل الله واسع ومن هذا الفضل : أنه أخبرنا سبحانه في محكم تنزيله بأنه فضّل بعض الرسل علي بعض :فقال تعالي:¢ تلك الرسل فضلنا بعضهم علي بعض ¢ آية رقم :253 من سورة البقرة ومن هذا التفضيل تفضيل الرسول-صلي الله عليه وسلم-علي سائر الرسل بالشفاعة العظمي يوم القيامة وكيف لا يكون الرسول -صلي الله عليه وسلم- صاحب الشفاعة العظمي في الآخرة وقد جعل الله له شفاعة في الدنيا في العاصين من أمته. قال تعالي: ¢ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ¢آية رقم :64 من سورة النساء فإذا كان الله تعالي قد منح الرسول-صلي الله عليه وسلم- شفاعة في الدنيا. فكيف يبخل عليه سبحانه بمثل هذه الشفاعة في الآخرة؟ 2- أن الشفاعة في الدنيا بين الخلق بعضهم مع بعض قد يترتب عليها ضياع الحق ممن يستحقه. أو إعطاء من لا يستحق حق غيره ولذ ا نُعَبّر عن هذه الشفاعة غالبا - بالوساطة - بخلاف الشفاعة في الآخرة فهي محكومة بقوانين الله : فلا شفاعة إلا بإذن الله ورضاه قال تعالي: ¢يومئذي لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا¢ آية رقم : 109 من سورة طه ولابد من أهلية الشافع لهذه الشفاعة. فلا شفاعة للكافرين قال تعالي: ¢ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع¢ آية رقم : 18 من سورة غافر. 3- لو كانت الشفاعَة في الآخرة من قَبِيل الوساطة في الدنيا لكان أقارب النبي-صلي الله عليه وسلم- هم أولي الناس بها. إلا أن الحقيقة أن النبي صلي الله عليه وسلم- أخبر أخص أقاربه أنه لا يملك لهم من الله شيئا :روي البخاري في صحيحه في كتاب : الوصايا باب : هل يدخل النساء والولد في الأقارب : أن الرسول -صلي الله عليه وسلم- حين أنزل الله عليه ¢وأنذر عشيرتك الأقربين¢ آية رقم214 من سورة الشعراء قال: يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا. يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا. يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا. يا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا.