مثل كل اختراع جديد يحرص المسلمون البسطاء علي معرفة رأي الدين فيه ومن جانبهم لا يتأخر رجال الدين أبدا ونحن من خلال السطور التالية نرصد أهم الفتاوي التي أصدرها علماء الدين في وسائل التكنولوجيا الحديثة. البداية البدايات كانت مع الفيس بوك كوسيلة من وسائل التواصل الإجتماعي حيث فاجأتنا صحيفة الراية القطرية في شهر ديسمبر 2012 بخير جاء فيه أن لجنة الفتوي في الأزهر أصدرت فتوي شرعية غريبة و عجيبة تقضي بتحريم الدخول إلي موقع "الفيس بوك" الشهير واعتبرت زائريه آثمين شرعاً. ولم يمر وقت طويل إلا وأصدر الدكتور محمد أحمد حسن عضو هيئة علماء السودان قال فيها أن الدخول علي الواتس أب او الفايبر أو غيرها من تطبيقات تكنولوجيا الإتصالات الحديثة حرام شرعا لأنها تطبيقات تقود للمعاصي. وتعليقا علي تلك الفتاوي تقول الدكتورة أمنة نصير أستاذ الفقه بجامعة الأزهر انه لا يمكن الجزم مطلقا بتحريم الفيس بوك او تحريم التواصل عبر شبكة الانترنت أو الفايبر أو الواتس أب طالما أن التواصل من خلالها يتم في إطار المشروعية الإسلامية بمعني أن تكون النية حسنة وبهدف تحقيق أمر ايجابي وخلاق وبناء, وان يكون موضوع هذه المحادثات مما لا تحرمه الشريعة الإسلامية, ومما تحرمه الشريعة مثل المحادثات من أجل التعاقد علي بيع صفقات محرمة او صفقات تنطوي علي غش أو ربا او صفقات التسويق الالكتروني المحرم مما يعد ذلك كله من قبيل الحرام. وكذا إجراء المحادثات غير المشروعة بين الشاب والفتاة فكل تلك الأفعال تحكمها القاعدة الشرعية: لا ضرر ولا ضرار وألا تتضمن محظورا شرعيا. وألا تكون علي حساب الفروض الشرعية لان هناك من يضيع وقته علي الانترنت ويترك الصلاة او يؤخرها مما يعد إدمانا, فالطالب الذي ينشغل عن دروسه. والموظف الذي ينشغل عن عمله بحجة الانترنت. فهذا يعد إهدارا للوقت وكما يقول الرسول الكريم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ بمعني أن المسلم ينبغي أن يقضي وقت فراغه في عمل نافع ايجابي وليس في مجرد عمل يستهدف إضاعة الوقت فيه دون فائدة. المرجعيات الدينية في خارج العالم الإسلامي دخلت علي الخط هي الاخري ففي 9 يناير 2014 خرجت علينا فتوي دينية تمنع استخدام النساء ل"تويتر" و"فيسبوك" لأنه حرام شرعاً. وجاءت الفتوي من رجل دين سني في الهند تحرم علي النساء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كتويتر وفيسبوك. وأثارت القضية دهشة الكثيرين. دار الافتاء وما قاله المرجع السني الهندي رددته دار الإفتاء المصرية ولكن بتفصيلات أكثر حيث قالت دار الإفتاء المصرية في فتوي لها إنه لا تجوز المحادثة الإلكترونية بين رجل وامرأة كل منهما أجنبي عن الآخر إلا في حدود الضرورة, لما فيها من فتح أبواب العبث والشر ومدخل من مداخل الشيطان وذريعة للفتنة والفساد, ولقد امتدح الله المؤمنين بإعراضهم عن هذا فقال تعالي "والذين هم عن اللغو معرضون"وكذلك لا ينبغي أن ترسل المرأة صورتها لمن لا تعرف صيانة لنفسها. وأوضحت دار الإفتاء انه إذا كانت هذه المحادثة الإلكترونية بين رجل وامرأة كل منهما أجنبي عن الآخر. فإنها تكون ممنوعة ولا تجوز إلا في حدود الضرورة. وذلك لما أثبتته التجارب المتكررة خاصة في عصرنا أن هذا النوع من المحادثات مع ما فيها من مضيعة الوقت واستهلاك له بلا طائل أو فائدة صحيحة باب من أبواب العبث والشر ومدخل من مداخل الشيطان وذريعة للفتنة والفساد. ونهي سبحانه عن التعاون علي الشر فقال "وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب". كما أمر بسد الذريعة المؤدية إلي الفتنة فقال سبحانه "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلي ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون". وأكدت دار الإفتاء أنه لا ينبغي أن ترسل المرأة صورتها لمن لا تعرف صيانة لنفسها وحفظا لكرامتها وعرضها خاصة وقد كثرت الاستعمالات الفاسدة لهذه الصورة من قبل المنحرفين العابثين. يعلق الدكتور محمد الشحات الجندي, عضو مجمع البحوث الإسلامية علي هذا قائلا: إن التطور الحديث الذي نعيش فيه افرز أنماطا جديدة من العلاقات عبر شبكة المعلومات الدولية من خلال التواصل الاجتماعي عن طريق المحادثات بين البشر سواء داخل الدولة او خارجها او بين المواطنين فيها وعبر شبكات التواصل الاجتماعي وعبر الأثير أو البريد الالكتروني من خلال لقاءات للتعارف وتبادل حوارات فكرية والتباحث حول مسائل اجتماعية وعلمية وغيرها, ومثل هذه العلاقات التي تتم حول عالم متسم بالانفتاح لأفراد لا يعرفون بعضهم البعض الأمر الذي يدعو إلي انفتاح المجال عبر شبكات التواصل إلي سلوكيات بعضها في نطاق المشروعية والبعض الآخر يخرج عن إطار المشروعية. ويؤكد الدكتور الشحات الجندي أنه إذا كان استخدام الفيس بوك أو الشات للتواصل مع الإخوة أو الأخوات ممن داخل الدولة أو خارجها, فمثل هذه المحادثات مفيدة وجادة وبناءة وتندرج تحت صلة الرحم والاطمئنان علي الأحوال ومتابعة ظروف الأهل. وهذا يعد من قبيل صلة الرحم لمن تتباعد أوطانهم. لكان ليست هذه الصورة الوحيدة للعلاقات عن طريق الفيس بوك بل هناك علاقات بين شباب وشابات تدخل في نطاق السرية وتندرج ضمن الخصوصيات ويتم فيها التطرق لموضوعات تدخل في نطاق المحرمات الشرعية خاصة إذا ما اقترنت بإرسال صور من جانب الشابة لمن تتحدث معه. وهذا التبادل يعد من قبيل الخلوة الشرعية من حيث التحريم لأنهم غرباء عن بعضهم البعض حيث لا يطلع عليهما أحد ويتبادلان أمورا تتعارض مع الحياء ومثل هذا يعد حراما وخلوة شرعية لا تجوز بين شخصين لا تربطهما علاقة زواج أو مصاهرة. أما الصور التي يتم تبادلها في بعض الحالات مثل طالبة تقوم بتحضير دراسة علمية قائمة علي عمل علمي وتقوم بتبادل المعلومات مع أساتذتها فإن هذا من قبيل اكتساب المعرفة العلمية والخبرة المعرفية فهذا يعد من قبيل المباح شرعا. لأن القاعدة الشرعية تقرر "الأصل في الأشياء الإباحة". وان التحريم هو الاستثناء وان هذه المعاملات من خلال شبكة الانترنت هدفها اكتساب علم أو اكتساب ثقافات وهذا يعد من العلم المطلوب شرعا. فالعلم فريضة شريطة أن تقف عند هذه الحدود التي تخرجها من دائرة الإباحة إلي دائرة الحظر وعدم المشروعية لو كان هناك اختلاط. ظاهرة تكفير الاختراعات وفي هذا الإطار يهمنا الإشارة لمقال مهم ناقش ظاهرة تكفير الاختراعات الجديدة وهي للكاتب السعودي هشام الكعكي قال فيها: أيام حرب الخليج قبل عقدين كان والدي رحمه الله حريصاً علي متابعة الأخبار. وعندما بدأت القنوات الفضائية تدخل إلي المنازل علي استحياء. كان من يقوم بتركيب "الدش الفضائي" يتخفي مثل "الجاسوس". حتي الحديث حول الصفقة في الهاتف كان بالألغاز وكانت الأسعار مرتفعة وتصل لمئة ألف ريال لبعض أنواع "الدشات". وعندما قمنا بتركيب أول "دش" في الحي كان الأهالي والأصدقاء "الملتزمين" يناصحوننا في المسجد بوجوب تكسير "الدش" القابع فوق سطح منزلنا ولم يكن أمامنا سوي أن نتقبل نصيحتهم ونخبرهم عن رغبتنا في متابعة الأخبار في تلك الفترة "الحرجة" علي قناتي "سي إن إن" و"إم بي سي" وكانوا يتقبلون رأينا علي مضض. دارت الأيام يستطرد الكعكي وأصبحت الفضائيات في كل مكان وبات بعض إخواننا وجيراننا "الملتزمين" الذين كانوا يحاربون "التلفزيون" لديهم فضائيات ناجحة ويملؤون القنوات والبرامج ظهوراً وضجيجاً. اكتشف الجميع بعد زمن أن التلفزيون "وسيلة إعلامية". والوسيلة عبارة عن "وعاء" يحمل "رسالة". قد تكون "منحلة" وغير أخلاقية وممكن أيضاً أن تكون "ملتزمة" ومحترمة. واكتشف الجميع بعد سنوات أنه من الممكن أن يُستخدم "التلفزيون" في بث رسائل وأعمال الخير. وبعد تحريم "التلفزيون" ومن ثم تحريم "الفضائيات" و"السينما" شاءت الأقدار أن يقتنع البعض بإمكانية الاستفادة من "التلفزيون والفضائيات" ولكن بقيت "السينما" في دائرة العيب والحرام وحدها. ولا أدري لماذا تُحارب السينما في السعودية ولا يُحارب الآن "التلفزيون" الذي يدخل كل بيت وتشاهده كل فئات المجتمع؟ أسئلة تدور في ذهني حول وضع "السينما" في السعودية ولا إجابات مقنعة تذكر. والحقيقة أن منع "مهرجان جدة السينمائي الرابع" قبل انعقاده بيوم واحد فقط منذ عدة أعوام كان له أثر كبير جداً في ارتداد هذا الفن إلي الوراء في المملكة بعد أن كان الجميع متفائلا بقرب انفراجه لهذا الفن القوي. ولكن حدث ما لم يكن متوقعا ولكنه لم يكن مستغرباً علي من يعتبر "السينما" حراماً في المجتمع. وللأسف صودرت أحلام السينمائيين الهواة في السعودية بهذا المنع الذي كان قاطعاً ونهائياً في ذلك الوقت وعاش بعدها السينمائيون السعوديون علي أمل أن يعود مهرجان "السينما" مرة أخري ولكن دون جدوي تذكر. وينهي الكعكي مقاله المهم قائلا: للأسف إن نظرة سريعة علي بعض القنوات الفضائية "المنحرفة" تؤكد أن هذه التي يُسمح لها بدخول كل بيت في المجتمع هي من يستحق أن يراقب وربما يمنع نهائياً وليس "السينما" المحترمة التي تؤدي دورها الثقافي والتنويري بأدب وأخلاق. هذه المفارقة بين السينما وبعض القنوات الفضائية الخارجة عن الذوق العام تجعلني أضع يدي علي رأسي وأقول باللهجة المحلية "السينما أرحم من بعض الفضائيات يا جماعة الخير" ولكن يبقي الأمل في أن يحدث للسينما ما حدث للتلفزيون الذي كان حراماً عند البعض وأصبح حلالاً بعد سنوات ويتسابق إليه الجميع. فهل يأتي اليوم الذي تُصبح فيه "السينما" في السعودية حلالاً ونستفيد منها لعرض ثقافتنا وقضايانا وفننا أمام العالم؟