نكمل حديثنا عن شبهة النسخ عند اليهود. فنقول وبالله التوفيق أولاً: بأن حصر الحكم المنسوخ في هذين الوجهين اللذين ذكرهما المانع. غير صحيح. لأن الحكم المنسوخ يجوز ألا يكون مؤقتاً ولا مؤبداً. بل يجيء مطلقاً عن التأقيت وعن التأبيد كليهما. وعليه فلا يستلزم طرو "خلط" النسخ عليه شيئاً من المحالات التي ذكروها. وإطلاق هذا الحكم كافي في صحة نسخه. لأنه يدل علي الاستمرار بحسب الظاهر. وإن لم يعرض له النص. ثانياً: أن ما ذكروه من امتناع نسخ الحكم المؤبد غير صحيح أيضاً. وما استندوا إليه منقوض بوجوه ثلاثة: "أولها" أن استدلالهم بأنه يؤدي إلي التناقض. مدفوع بأن الخطابات الشرعية مقيدة من أول الأمر بألا يرد ناسخ. كما أنها مقيدة بأهلية المكلف للتكليف وألا يطرأ عليه جنون أو غفلة أو موت. وإذن فمجيء الناسخ لا يفضي إلي تناقض بينه وبين المنسوخ بحال. "ثانيها" أن استدلالهم بأنه يؤدي إلي أن يتعذر علي الله بيان التأبيد لعباده. مدفوع بأن التأبيد يفهمه الناس بسهولة من مجرد خطابات الله الشرعية المشتملة علي التأبيد. وهو ما يشعر به كل واحد منا. وذلك لأن الأصل بقاء الحكم الأول وما اتصل به من تأقيت أو تأبيد. وطرو "خلط" الناسخ احتمال مرجوح. واستصحاب الأصل أمر يميل إليه الطبع. كما يؤيده العقل والشرع. "ثالثها" أن جواز نسخ الشريعة الإسلامية إن لزمنا- معاشر القائلين بالنسخ - فإنه يلزمنا علي اعتبار أنه احتمال عقلي لا شرعي. بدليل أننا نتكلم في الجواز العقلي لا الشرعي. أما نسخ الشريعة الإسلامية بغيرها من الناحية الشرعية فهو من المحالات الظاهرة. لتضافر الأدلة علي أن الإسلام دين عام خالد. ولا يضير المحال في حكم الشرع. أن يكون من قبيل الجائز في حكم العقل. وللحديث بقية.