عقب أزمة غلق القنوات الدينية في أعقاب ثورة 30 يونيو طالب كثيرون بحلها وإعادة بثها من جديد. تحت شعار حرية الرأي والتعبير مكفولة للجميع.. إلا أن علماء الدين وخبراء الإعلام والاجتماع كانت لهم آراء أخري لعودة بث تلك القنوات بعد أن رآوا أن تلك القنوات أسهمت في الفترة الماضية في بث الفتن وتأجيج العنف بما يهدد السلم المجتمعي وأجمعوا علي أن عودة تلك القنوات للعمل من جديد لابد أن يكون بشروط منها أن تخضع لمظلة الأزهر الشريف وكذا نقل تبعيتها من وزارة الاستثمار إلي وزارة الإعلام أو المجلس الوطني للإعلام المزمع إنشاؤه حتي لا يتم التعامل مع ما تقدمه كمنتج إعلامي يخضع للمعايير الإعلامية لا كمشروع استثماري. "عقيدتي" التقت مع العلماء والخبراء والجماهير.. فماذا قالوا؟! د. آمنة نصير. أستاذ العقيدة والفلسفة والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية بفرع جامعة الأزهر بالإسكندرية قالت إنها لا تتمني أن تري إعادة بث تلك القنوات مرة أخري لأنها بكل أسف لم تضف شيئاً إلي الإعلام ولم تهدف يوماً للارتقاء بالثقافة الدينية والعامة لدي المصريين وابتعدت كثيراً عن الوسطية واتجهت نحو التطرف والتشدد. تضيف نصير أن هذه القنوات شوهت كثيراً في صورة الدين الحنيف بدلاً من أن تقدم الإسلام في صورته السمحة الكريمة ولم تقدم فكراً أو علماً يرتقي بالمجتمع بل بالعكس انزلقت إلي الخوض في الاعراض والتركيز علي بعض رموز المجتمع المعروفين لتشويه صورهم وإلصاق التهم بهم حتي أنه عندما يجتمعوا علي شخصية بعينها فإنهم يجهزون عليه بمنتهي القوة والقسوة لتمزيقه وتشويهه بل لا توجد مبالغة إن تحدثنا عن إعدامه معنوياً دون أي مراعاة لآداب الدين ومنعه لمثل تلك التصرفات المشينة. قالت نصير إن ما شاهدته في هذه القنوات حول المرأة أمر لا يمكن وصفه مما وصلوا فيه من استخفاف بقيمة المرأة والاستهانة بحقوقها التي كفلها لها الدين الإسلامي الحنيف وإنكار الكثير والكثير من الحقوق التي منحها لها الخالق دون أي إحساس منهم بأنهم يعتدوا علي حقوق كفلها الله عز وجل للمرأة وعادوا بقضية المرأة إلي الخلف وكأنها لم تكن موجودة في المجتمع منذ سنوات طويلة وأنكروا عليها دورها التاريخي وعن الفتاوي والانتهاكات في شأن المرأة فحدث ولا حرج فقالوا إن المرأة إذا ركبت الأسانسير مع رجل فهو خلوة شرعية ولا نريد أن نكرر في هذا الحديث كثير من الفتاوي التي يشمئز منها كل متابع لها. تري آمنة نصير أن عودة تلك القنوات لا يمكن أن يكون دون إعداد مقدمي برامجها علمياً بشكل يتناسب مع أصول الدين الحنيف لأن العلم تفني فيه الأعمار ولأن كل من شاهدناهم خلال الفترة الماضية لم تتم تربيتهم علي أصول العلم الديني السليم فقدموا كل ما هو كاذب ويحض علي الفتن وكأنهم يخاطبون أميون بل أن كل من كان يستمع إليهم فلابد أن يكون كذلك لأنهم كانوا يبثون السموم ليلاً نهاراً دون أن يملكوا علماً حتي يقدموه ففاقد الشيء لا يعطيه. قنوات الفتنة فيما رفض الدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر إعادة بث تلك القنوات من جديد لأنها كلها قنوات للفتنة. وكان من الضروري غلقها طالما أردنا صحيح الإسلام. فهي قنوات مذهبية تخدم توجهات دينية بذاتها فمنها ما يخدم الدعوة السلفية ومنها ما يطلق الدعوات الجهادية وغيرها يدعو لحكم الإخوان القطبيين الذين يكفرون المجتمع ويريدون الانقلاب عليه. وغيرها من القنوات التي تدعو للشيعة وغيرها من الفرق فنحن أمام دعوات مذهبية تقدم مذهباً في الدين سواء صح المذهب أم لا وتقدم العنف الفكري الذي يفرخ العنف المسلح. وطالب كريمة بعدم إقحام الدين والمقدسات الإسلامية في السياسة لأن ذلك يضر بصحيح الدين وأمن الوطن بعد أن أصبحت الدعوة إلي الله مهنة من لا مهنة له. أضاف كريمة أنه إذا كانت هناك نية لعودة تلك القنوات فلابد من أن تبتعد عن المذهبية ويجب أن تعمل تحت مظلة الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية وكذلك لابد من وجود جهة علمية دينية أكاديمية مثل كلية أصول الدين والشريعة بجامعة الأزهر تشرف علي عمل تلك القنوات وتتعاون معها لإعداد مقدمي برامجها وإكسابهم الخبرات الدينية المتعلقة بأصول الدين السليم. آثار سلبية ولم تختلف رؤية خبراء الإعلام في أزمة غلق القنوات الدينية كثيراً عن رأي رجال الدين فمن جانبه يري د. سامي الشريف عميد كلية الإعلام بالجامعة الحديثة والرئيس السابق لاتحاد الإذاعة والتليفزيون أن هناك خللاً قانونياً في عملية إنشاء القنوات الفضائية فمن دواعي الأسف أن الدولة تتعامل مع الفضائيات علي أنها مشروع استثماري متجاهلة ما تلعبه تلك القنوات من دور تنويري في تكوين الوعي لدي الجماهير بما قد يعكس أثار سلبية علي توجهات من الملايين من فئات المجتمع غير المثقفة تؤدي إلي خداعهم وتزييف الحقائق عليهم. يؤكد الشريف علي ضرورة إجراء تعديل تشريعي علي القانون الخاص بمنح تصاريح إنشاء القنوات الفضائية لوزارة الاستثمار ويري أنه لابد أن تخرج تلك التصاريح من وزارة الإعلام. ولحين إقرار المشاريع القانونية الخاصة بإنشاء المجلس الوطني للإعلام فإنه ينبغي علي وزارة الاستثمار أن تتعامل مع القنوات الفضائية وفقاً للتصاريح الممنوحة لها فالقناة الدينية وظيفتها الأساسية الدعوة والقناة الرياضية مهمتها بث الأخبار الرياضية وحين تخرج أي منها عن النص فلابد من التعامل بحزم لوقف التجاوزات. يضيف سامي أن الدولة أعطت كثيراً من التصاريح للقنوات الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية بهدف بث طبيعة الدين الوسطي بعيداً عن التشدد بل أن استجابة الدولة لطلب إنشاء تلك القنوات كان سريعاً من أجل بث القواعد الدينية الإيجابية التي تهدم أهداف المجتمع إلا أن تلك القنوات خرجت عن الهدف المنشود من إنشائها بكونها لعبت دوراً سياسياً كانت له خطورته علي المشاهد المسلم العربي والمصري إذ تم خلط الدين بالسياسة وبدأنا نستمع لفتاوي دينية تهدف لخدمة مصالح فصيل سياسي بعينه مما ساعد علي بث أجواء التوتر وإثارة الفتن والقلائل الدينية وحرضت تلك القنوات ضد الأقليات الدينية فكان من الضروري وقفها في ظل ما تشهده البلاد من توترات سياسية. العمل الدعوي يؤيد الشريف عودة جميع القنوات التي تم غلقها مع التنبيه عليها بضرورة الالتزام بطبيعة التصريح الممنوح وإن كانت دينية فلابد أن يقتصر دورها علي العمل الدعوي دون الدخول في المهاترات السياسية. فيما رأت د. إنشاد عز الدين أستاذ علم الاجتماع بكلية آداب جامعة المنوفية أن هناك خطورة بالغة تقع علي المجتمع حال عودة تلك القنوات للبث بنفس الأسلوب القديم وإذا أراد البعض عودة بثها بدعوي حرية الإعلام وعدم إخراص أي منبر إعلامي فيجب التأكد حينها من أن تلك القنوات لا تهدف إلي الربحية وأن يكون هدفها الدعوة وصحيح الدعوة فقط خروجاً من عبارة التجارة مع الله فهي لابد أن يتعامل أصحابها بمبدأ الصدقة الجارية التي تبث الخير وليس السموم وأنهم لا يبغون منها مصالح سياسية أو أهداف اجتماعية. قالت د. إنشاد إن خلط الدين بالسياسة يضر بالغ الضرر بالسلم المجتمعي فعندما يتحدث الجميع في الدين دون دراية ويكون لهم اتباع يتفرق المجتمع كل طبقاً لشيعته مما يؤدي إلي انقسام المجتمع وتفتته وانتشار العنف بين جميع أفراد المجتمع بما يهدد سقوطه وإنحلاله. والإعلام الديني لابد أن يكون تحت إشراف الأزهر الشريف وأن يتم التأهيل من خلاله لما عرف عنه تاريخياً بأنه حصن الإسلام بوسطيته المعهودة. فيما يطالب د. جمال جبريل أستاذ القانون الدستوري بعودة القنوات المغلقة للبث لأنه يؤمن بحرية الرأي والتعبير ويرفض تكميم الأفواه علي حد قوله ويؤكد أن مصر لابد أن تكون دولة قانون وهو ما ينظم حرية الرأي والتعبير بعيداً عن القرارات الحكومية وأضاف أنه لابد أن يتم تفعيل ميثاق الشرف الإعلامي والالتزام بالحيادية والشفافية وأنه حال غلق أي وسيلة إعلامية فلابد من أن يكون ذلك مترتباً علي أحكاماً قضائية. يتفق د. فتحي النادي أستاذ الإدارة وتنمية الموارد البشرية بكلية إدارة الأعمال بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا مع جبريل في أن غلق أي قناة فضائية سواء دينية أو غيرها مرفوض شكلاً وموضوعاً وأكد علي تفعيل ميثاق الشرف مع ضرورة عودة تلك القنوات للبث مع ترشيد المادة الإعلامية حتي لا يتأثر بها كثير من الأميين المتابعين لبرامجها حيث أنهم يصدقون ما يقال دون إعمال العقل. ولابد من حصول مقدمي برامج الدين علي المؤهلات التي تؤهلهم لخوض تلك التجربة وأن تهدف برامجهم إلي تنظيم المعاملات الحياتية تحت مبدأ الدين المعاملة. الشارع منقسم بين مؤيد لغلقها ومطالب بعودتها اختلفت آراء الجمهور في الشارع فتري يسرا أحمد إسماعيل "حاصلة علي ليسانس حقوق" أن غلق تلك القنوات كان ضرورياً لأنها تضلل الرأي العام ولأن أهدافها السياسية طغت علي صورتها الدينية. فيما يري محمد أبوضيف "موظف بإحدي شركات البترول" أن القنوات الدينية كانت لها دوراً في زيادة الوعي الديني لدي البعض وأن كثير من الدعاة كانوا يلتزمون بالنواحي الدينية بعيداً عن السياسية وإن أخطأ البعض في إدخال الدين في السياسة فإنه لا يجب أن يتم تعميم الأمر وإغلاق القناة ووقف بثها. يقول حسن عبدالباري وحيد "مدير سابق بالشهر العقاري" أن القنوات التي تم غلقها لا تختلف كثيراً عن قناة الجزيرة التي تبث الفتنة بين صفوف المجتمع وأنها قنوات ساهمت في رفع نسبة التعصب الأعمي تحت غطاء الدين. يرفض أحمد عبدالعظيم "محاسب بوزارة الإنتاج الحربي" أن عودة تلك القنوات لا يمكن أن يقبله أي عاقل والمتابع لها يري مدي الكذب والتضليل الذي كانت تبثه بما يضر المجتمع بأكمله. يؤيد محمد ناجح "عامل" غلق تلك القنوات بسبب أنها كانت تبث الشائعات ولا تتحدث عن الدين بل كانت تتحدث عن السياسة فلم تعد تقدم ما يفيد وإنما كانت تقدم سموم سياسية تهدف الإخوان والتيار الإسلامي بعيداً عن أي دعوات دينية سليمة تفيد المهمومين بشئون الدين.