يقف التيار السلفي علي عمومه في مصر في مفترق طرق ويعيش حالة من المراجعة العامة والشاملة للمواقف في العملية السياسية برمتها هذه الأيام خاصة منذ حدثت حالة الاستقطاب في المشهد السياسي المصري والانقسام الحاد بين مختلف القوي حول طريقة إدارة الرئيس السابق الدكتور محمد مرسي للبلاد ثم موقفها من ثورة 30 يونيو وتباين مواقفها بين مؤيد ومعارض ومتحفظ. ففي حزب النور الحزب السياسي الرئيس في التيار السلفي ظهر منذ عدة أشهر وبالتحديد عقب ما شهد حالات الانشقاقات بين صفوفه والتي انتهت بإعلان تشكيل "حزب الوطن" كحزب سياسي جديد من داخل صفوفه وبذات المرجعية.. صنع قادة الحزب الجدد بمجلسهم الرئاسي ورئيس الحزب يونس مخيون لنفسه حسبة خاصة وملتبسة جدا في المشهد السياسي كله. علي مستوي المواقف السياسية نجد حالة غريبة يمثلها حزب النور فهو يكاد يكون الحزب الاسلامي الوحيد الذي رفض مواقف الاخوان صراحة ونبه الي خطورة المشهد وطرح مبادرة علنية صريحة وواضحة المعالم ليقدم من خلالها الرئيس مرسي مجموعة من التنازلات تثبت صدق النوايا لاستيعاب قوي المعارضة. ولعل ابرز خطوات هذه المبادرة كان تغيير الحكومة. ووقتها استطاع الحزب ان يلعب دور ثاني أكبر حزب سياسي في مصر بعد الاخوان وغزت هذه الفكره لديه قيادات جبهة الاخوان واستطاعوا ان يقنعوا قيادات الحزب بأنهم يملكون الحق الكامل . وان من بيده السلطة هو المقصر . وخاطب "النور" الرئاسة في اكثر من موقف يدعوها للتجاوب مع مبادراته للخروج من الازمة . ووعد الرئيس وقتها الحزب بتبني مبادرته في أولي جلسات المصالحة لكن المكابرة السياسية التي تعامل بها الاخوان مع بقية القوي السياسية بما فيها الاسلاميون سيطرت علي قرار الرئيس . لكن النور لم يصمت واخذ يتحدث للاعلام ويذكر الرئيس بوعده بل وصل الصدام الي درجة أن رئيس الحزب الدكتور مخيون هدد في جلسة للحوار الوطني "الاسلامي الاسلامي" الذي عقد لتحديد الضوابط اللازمة للانتخابات البرلمانية القادمة والمطلوب توافرها في قانون الانتخابات وأحرج الرئيس علي الهواء وهدد بالانسحاب من الاجتماع ووقتها اعتبرت بقية القوي الاسلامية المهادنة ان "النور" مرق عن ربقة القوي الاسلامية. بل اتهموه بتبني اجندة وطلبات جبهة الانقاذ. وان الرئيس لا يجب ان يتنازل في مواقفه تجاههم بمبرر أم قائمة التنازلات حين تبدأ لن تنتهي. لم يقف الامر عند هذا الحد بل لقن النور درسا قاسيا بطرد مساعد الرئيس لشئون البيئة شر طرده وتلاحقه اتهامات بالتربح واستغلال منصبه ليرد النور باستقالات جماعيه لبقية مستشاريه في معركة أديرت في مؤتمرات صحفية علي الهواء بين النور والرئاسة والاخوان. لعب النور فيما بعد دور المعارضه الحقيقية داخل القوي الاسلامية فيما تدخلت الجماعة الاسلامية لرأب الصدع في العلاقة بين الاخوان والنور لكن دون جدوي . بل لاحق النور الاتهامات التي وصلت الي حد اتهامهم بأنهم خاطبوا الامريكان عبر سعد الدين ابراهيم بأنهم البديل الجاهز لحكم مصر اذا ما احترقت ورقة الاخوان وخرجوا لينفوا كل هذا الكلام. وفي المعركة الاخيرة نبه النور كثيرا لخطورة الموقف وضرورة التجاوب معه دون جدوي . وأعلن من اللحظة الأولي عدم مشاركته في أية مظاهرات لا المناهضة للرئيس مرسي ولا المؤيدة له وأنه ضد اسلوب ادارة الرئيس للبلاد لكنه في ذات الوقت مع الشرعية الدستورية التي منحت له وفق الاجراء الديمقراطي. ومع استكماله مدته ومع كل هذه المواقف رشح بقوة ليكن أحد الاحزاب الاسلامية الي جانب مصر القوية التي استخدمت الي جانب الازهر والكنيسة وجبهة الانقاذ كظهير سياسي وشعبي لمناصرة الجيش لرغبات متظاهري 30 يونيو. لم يدم الامر طويلا وانقلب النور علي الجيش لكنه ظل رافضا لاعتصامات رابعة ورفض المشاركة فيها كما رفض ايضا المشاركة في مظاهرات ¢دعم السيسي في مواجهة الارهاب المحتمل "الجمعه الماضية تحسبا لإراقة الدماء. بل وأدان الحزب سقوط ضحايا ابرياء ودعا المسئولين عن ادارة البلاد لتحمل مسئولياتهم تجاه ما حدث وحفظ دماء المصريين. لعبة المعارضة ويري المحلل السياسي ومدير مركز ستا التركي للدراسات السياسية مصطفي زهران أن موقف النور هو الاقرب لعقيدة الدعوة السلفية التي تؤمن بالسياسة كوسيلة لتطبيق الشريعة وليست كغاية في السيطرة والاستحواذ . وأن النور نجح في لعب دور المعارضة داخل التيار الاسلامي في الوقت الذي انساقت بقية القوي خلف الاخوان حتي اصبحت وقودا وواجهة للصراع القائم. أضاف: النور كان يحلم بأن يصبح البديل الجاهز للإخوان بحق معتبراً أن القضية ترتبط بالغطاء الشعبي والخلفية المرتبطة بقواعد المناصرين في الشارع وفقط. متناسيا أن خبرات الحزب في العمل السياسي بكامله بدأت بعد ثورة يناير فقط. وهو ما يجعلهم غير مؤهلين للعب هذا الدور الآن.. مشيرا الي حزب النور الآن اصبح في موقف لا يحسد عليه فلا هو بقي في علاقته القوية بجبهة الانقاذ والرئاسة والمجلس العسكري. ولا هو انضم للاسلاميين في اعتصامهم. وأبرز عضو الهيئة العليا للحزب الدكتور محمد عماره أن الحزب بمواقفه السابقة والحالية يتحرك بايمان شديد بأن الحزب يوظف السياسة لخدمة الشريعة وليس العكس كما يفعل البعض الآخر. وبالتالي حين رفض المشاركة في التظاهرات كان تأكيدا علي حرمة الدماء في الاسلام. وحين طرح مبادرات المصالحة في السابق كان وأدا للفتنة ولم شمل الامة . وحين شارك الجيش تجاوب مع الرغبة العارمة لجموع كبيرة من الشعب المصري بعد استنفاد كل الوسائل البديلة . وحين انحرف الامر عن مشاركة الجميع وعدم الاقصاء والعودة لزمن الملاحقات الامنية رفض فورا واعلن موقفه. وعرض الي بيان الحزب الاخير عقب خطاب ودعوة السيسي من أن تفويض السيسي قائم بحكم وظيفته لمواجهة اي عنف واي ارهاب في اطار القانون وأن نزول جمع الجماهير للشارع سيتسبب في اراقة المزيد من الدماء في وقت ملتهب بالاحداث .. مبينا النور هو الاقدر علي الاستمرار في المشهد السياسي حفظا لدين الله واعلاء شرعه في الارض وليس بحثا عن مطمع او مغنم سياسي او غير ذلك. نفق الاخوان الجماعة الاسلامية والبناء والتنمية والعمل الجديد والاصالة والفضيلة وغيرها من الأحزاب الاسلامية دخلت في نفق خطير للغاية برفقة الاخوان الذين يصممون علي استمرار الاعتصامات في رابعة والنهضة والنهضة وغيرها من الميادين ولذا فهي لم تعد تبقي علي شئ وتقود حاليا جموع الاسلاميين في الميادين التي يحتشدون فيها. ولو توقفنا أمام الجماعة الاسلامية وقياداتها ورموزها الحالية التي تشارك وتتصدر بقوة المشهد في رابعة نجد ان في الامر دلالة خطيرة للغاية يركز عليها الاعلام الغربي والاعلام المنتمي للمعسكر المقابل وهو ما يرتبط بتاريخ الجماعة في العنف المسلح ومستقبل المعركة في وجودهم بخلفيتهم القائمة والمعروفه للجميع وهل يمكن ان تثاورهم نزعاتهم التاريخية لهذا العنف مرة اخري . ولماذا ان لم يكن الامر كذلك نجدهم هم المتصدرون. ولعل هذا الامر تسبب في لحاق اسم رئيس حزب البناء والتنمية الدكتور طارق الزمر بقائمة المطلوب ضبطهم واحضارهم والتحفظ علي اموالهم الي جانب رموز وقيادات اخوانية وصفوت حجازي. ولم يسلم كذلك الدكتور صفوت عبدالغني القيادي البارز بالجماعة والحزب من الامر مما اضطر بعضهم للاستمرار في رابعة احتماء بالحشود الموجودة هناك هربا من أوامر ضبطهم واحضارهم. يقول الرئيس السابق لحزب البناء والتنمية الدكتور نصر عبدالسلام: الحزب والجماعة قدما أكثر من مرة مبادرات لرأب الصدع ومعالجة المواقف الساخنة وبخاصة في الوساطة بين النور والرئاسة والاخوان. ولم نألوا جهدا في تحركاتنا لرأب الصدع وأنه مع الاعتراف بوجود أخطاء وقع فيها الدكتور محمد مرسي لكن التعامل معه كان لا يجب ان يتم بهذه الطريقة التي تمثل انقلابا لا علي الرئيس مرسي فحسب بل علي كل مكتسبات ثورة يناير . وعلي الشرعية الدستورية وعلي الرئيس المنتخب بانتخابات ديمقراطية ونزيهة أبهرت العالم. اضاف: الموقف الآن يمثل نصرة الحق والعدل في مواجهة الظلم والجور. واتمني ان ينتهي الامر بالحوار الذي يجمع الجميع علي طاولة واحدة . خاصة وان مبادرة كمبادرة العوا ومفكري الامة يمكن ان تضمن الخروج من المأزق الحالي الي حل ممكن وقائم. .. ويري المهندس ايهاب شيحه .رئيس حزب الاصالة. أن موقف الحزب الآن في مناصرة الشرعية ضد الانقلاب عليها وعلي الدستور والقانون والديمقراطية أمر لا رجعة عنه . وانه يتوافق مع رغبة قواعد كافة القوي الاسلامية. وان مصر بهذه الطريقة تعود لأزمان سحيقه تفقد معها الكثير علي الارض ويفتح المجال مجددا لاقصاء من نوع جديد ظهرت تباشيره القوية بعودة امن الدولة صراحة لممارسة اعمالها بكل قوة . داعيا كل المصريين لتأمل المشهد ومصير الرئيس القادم وعلاقته بشعبه وكيف ستدار البلاد في ظل كل هذه الملابسات القائمة.