احتدم الجدل داخل الجمعية التأسيسية للدستور وخارجها حول المواد الدستورية الخاصة بجسم الإنسان وتجارة الأعضاء والاتجار في الجنس والمرأة والأطفال. فقد اعترض ممثلو حزب النور والدعوة السلفية في الجمعية التأسيسية. علي المادة الحادية والثلاثين من باب الحقوق والحريات. والتي تنص علي أنه لا يجوز أن يخضع أي شخص للعبودية أو الرق أو السخرة. وتجرم الدولة العمل القسري والعبودية والاتجار بالنساء والأطفال. وتجارة الجنس بحجة أن مصر ليس بها اتجار بالبشر. بينما تمسك أنصار التيار المدني والليبرالي بضرورة وجود المادة واعتبروا أن رفضها يضرب حقوق المرأة ويهدر مكتسباتها ويتجاهل حقائق الواقع التي تؤكد أن في مصر اتجار بالنساء والأطفال بصور مختلفة. وأن هناك تخوفات من وضع مصر في قائمة الدول الأكثر خطورة في الاتجار بالبشر. وشهدت جلسة مناقشة المسودة الأولية لباب الحقوق والحريات التي انتهت منها لجنة الصياغة في الجمعية التأسسية جدلاً ساخناً انتهي بتعليق منال الطيبي. الناشطة الحقوقية والمقرر المساعد للجنة الحريات والحقوق العامة. عضويتها باللجنة بعد رفض أعضاء اللجنة من التيار الإسلامي وجود مادة تجرم الرق والعبودية والسخرة وتجريم الاتجار بالنساء والأطفال في الدستور الجديد. موجود وبأشكال عديدة أكدت منال أن المشكلة حدثت عندما اعترض الأعضاء علي ما تقدمت به من اقتراحات. وإصرارهم علي عدم الاعتراف بأن هناك اتجاراً بالبشر في مصر. مبينة أنه موجود وبشكل كبير في العديد من الأشكال الحديثة. وأرجعت أسباب رفض الأعضاء المنتمين إلي التيار الإسلامي وجود قوانين تمنع الاتجار بالبشر إلي عدم رغبتهم في تحديد سن الزواج واتجاههم إلي السماح بزواج القاصرات والأطفال. وأشارت إلي أن لجنة الصياغة استبدلت عبارة "يجرم" الواردة بالمادة التي "يحظر" كما تم إلغاء جملة الاتجار بالنساء والأطفال. وانتقدت محاولة انكار وجود حالات للاتجار بالبشر في مصر والتذرع بأن المادة خادشة للحياء. مؤكدة أن الاتجار الجنسي بالفتيات القاصرات منتشر في المجتمع. وإذا كان غير موجود فلماذا أعلنت مصر عن خطة قومية لمكافحة الاتجار بالبشر والنساء والأطفال. وشددت علي ضرورة الاعتراف بالغرض المستتر الذي يدفع التيار الإسلامي إلي رفض المادة. وقالت إنهم يرفضونها كخطوة استباقية لأن المادة تتطلب وضع قانون يمنع زواج الفتيات في سن صغير وتجرم زواج المتعة. والملفت أن الدكتور محمد سليم العوا. المفكر الإسلامي المعروف والذي حضر اجتماعات اللجنة لأول مرة. رفض المقولات التي تستبعد المادة الخاصة بحظر العمل القسري والعبودية والاتجار بالنساء والأطفال وتجارة الجنس. وشدد علي أهميتها. لافتاً إلي زنه إذا لم يكن موجوداً في مصر فهو موجود في العالم وفي دول عربية. ووجود هذا النص في الدستور يثري القانون. تهديد للأمن ويري الدكتور السيد أبوالخير. أستاذ القانون الدولي بالجامعات المصرية والعربية. أن الاتجار بالبشر أحد مهددات أمن المجتمعات والدول وتشكل انتهاك خطير للقيم والأعراف الدينية والإنسانية. مؤكداً أن تعبير الاتجار بالبشر يجسد الشكل الجديد للرق. فهو يستخدم للإشارة إلي طيف واسع من الممارسات غير المشروعة. قال إن الاتجار في البشر يأخذ أشكالاً عديدة منها عمل الأطفال المنظم من قبل أفراد أو هيئات بحية. وعمل الأشخاص في صورة سخرة أو مقابل أجر بخس. وبيع الأطفال. والمتاجرة بالأعضاء البشرية. وتجارة الجنس. والاسترقاق الجنسي. وتهريب الأفراد بين الدول. مضيفاً أن هذه الممارسات تنتهك المواثيق الدولية وفي مقدمتها اتفاقية القضاء علي جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979. واتفاقية حقوق الطفل لعام 1989. والاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لعام 1990. واتفاقية لاهاي بشأن حماية الأطفال والتعاون في مجال التبني علي المستوي الدولي لعام 1993. واتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 بشأن حظر واتخاذ الإجراءات الفورية للقضاء علي أسوأ أشكال عمالة الأطفال لعام 1999. والملحق الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال ودعارة الأطفال والتصوير الخليع لهم لعام 2000. وميثاق الأممالمتحدة ضد الجريمة الدولية المنظمة. والبروتوكول المكمل له. لمنع وقمع ومعاقبة التاجرين بالبشر. خاصة النساء والأطفال. الذي سري مفعوله في ديسمبر .2003 وبين أن التقرير والدراسات الدولية تؤكد تزايد معدلات جرائم الاتجار بالبشر. حيث وصل حجم تجارها إلي نحو 31 مليار دولار سنوياً. مشيراً إلي أن اتسع نطاق هذه الجريمة علي مستوي العالم استدعي تصنيفها كثالث جريمة دولية منظمة. بعد السوق السوداء للأسلحة. وتجارة المخدرات. ويوضح أن المشكلة ليست في الجريمة ورفضها وبذل كافة الجهود للقضاء عليها ولكن في وجود نصوص في بعض المواثيق الدولية تتعارض مع الشريعة الإسلامية ولذلك يتخوف البعض من إدراج مثل هذه المادة بالدستور ويفضل ترك تنظيم موضوعها للقوانين. مرفوضة شرعاً ويقول الدكتور محمد أبوليلة أستاذ الدراسات الإسلامية باللغة الإنجليزية بجامعة الأزهر. إن الإسلام يرفض الظاهرة ويحاربها ويعتبرها من كبائر الإثم والفواحش. مؤكداً أن الشريعة الإسلامية حرمت كافة صور استغلال البشر للبشر. وظلم البشر للبشر. وقال إن الاتجار بالبشر هدفه تحقيق مصلحة مادية باستغلال الضعفاء. مضيفاً أن رسالة الإسلام ومقاصده تستهدف رفع الظلم والاستعباد عن الإنسان وإسعاده وتكريمه والحفاظ علي حريته وكرامته مصداقاً لقوله تعالي: "ولقد كرمنا بني آدم". يضيف أن الدين الحنيف حض علي الاهتمام بالضعفاء والمعوزين والمحرومين. وذكر أن الإسلام أول من حارب الاتجار في البشر بحرصه علي تجفيف منابع العبودية والقضاء علي أسبابها بانصافه المرأة ورفض كافة أشكال ظلمها وامتهانها والحفاظ علي حقوقها الإنسانية والمادية. وهناك الكثير من الأدلة الشرعية التي تبين ذلك منها قوله تعالي: "ولا تكرهوا فتياتكم علي البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم" النور .33 وشدد علي ضرورة دراسة ابعاد الظاهرة والوقوف علي أشكالها الحديثة وبيان موقف الشرع منها. وقال إن الأمة مطالبة بتحصين نفسها من هذه الظاهرة والتثبت من أساليبها المستحدثة والمتطورة والوعي بكافة سبل الوقاية وتطويرها ونشر الوعي بمخاطرها في وسائل الإعلام ودور العلم. وأشار إلي أنه يمكن عرض الخلاف حول هذه المادة علي هيئة علمية موسعة تضم علماء الشريعة والقانون والاجتماع للوصول إلي قرار يتفق مع أوضاعنا وخصوصية مجتمعاتنا ويراعي فقه العصر.