* ما المقصود بالنظام الاقتصادي في دولة مدنية ذي المرجعية الإسلامية؟ هو تشغيل حلبة الأنشطة والمعاملات الاقتصادية وفقا لأحكام ومباديء الشريعة الإسلامية في دولة مدنية في إطار الأصالة والمعاصرة وبما يحقق التنمية الشاملة والحياة الكريمة لكل المواطنين. بمعني إدارة المعاملات الاقتصادية في دولة مدنية معاصرة بما لا يخالف أحكام ومباديء الشريعة الإسلامية وباستخدام الأساليب والأدوات الاقتصادية المعاصرة المشروعة وفقا للقاعدة: "الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها". وهذا النظام يختلف عن النظام الاقتصادي الاشتراكي ذي المرجعية الاشتراكية الوضعية وعن النظام الاقتصادي الرأسمالي الليبرالي ذو المرجعية الرأسمالية الوضعية وذلك من حيث القيم والمثل والأخلاق والسلوكيات والمقاصد والمرجعية. ولقد فشلت النظم الاقتصادية الوضعية في تحقيق الاشباع الروحي والمعنوي للإنسان حيث ركزت فقط علي الجانب المادي وأهملت الجوانب الروحية والأخلاقية لأنها تقوم علي الفصل بين الاقتصاد والقيم الدينية والأخلاقية وهذا ما يرفضه النظام الاقتصادي الإسلامي. ولقد أسس رسول الله صلي الله عليه وسلم في المدينةالمنورة دولة مدنية وكان من أركانها النظام الاقتصادي ذي المرجعية الإسلامية ومن أهم معالمه بناء السوق وتنشيط التجارة المحلية والعالمية وإلغاء نظام الربا وتطبيق نظام الزكاة والصدقات والوقف الخيري ونظام المواريث وإنشاء بيت المال ووضع نظام للرقابة علي المعاملات أطلق عليه نظام الحسبة وهذا كله وفقا لدستور متكامل للمعاملات الاقتصادية مستنبط من تطوير القرآن الكريم وسار علي هذا الدستور والمنهج الخلفاء الراشدون والتابعون وغيرهم مع تطوير إجراءاته وسبله وأدواته في ضوء المتغيرات في كل عصر. * خصائص النظام الاقتصادي ذي المرجعية الإسلامية من أهم هذه الخصائص والتي تميزه عن النظم الاقتصادية الاشتراكية والليبرالية والرأسمالية المادية ما يلي: * إنه نظام اقتصادي يقوم علي القيم الروحية السامية التي نزلت بها الديانات السماوية لإشباع مكونات الإنسان الروحية والمادية معا والتي تعتبر الباعث والحافز والدافع علي الالتزام به ديانة وخلقا وطاعة لولي الأمر. * إنه نظام اقتصادي يقوم علي الأخلاق الحسنة التي تمثل سجية الإنسان وفطرته السوية التي خلق الله الناس عليها ومنها: الصدق والأمانة والسماحة والتيسير والوسطية والقوامة والاتقان والإبداع والعدل ونحو ذلك والتي هي قوام استقرار المعاملات وتحقيق الثقة بين المتعاملين. * إنه نظام اقتصادي يقوم علي فقه الأولويات والتي تتمثل في تحقيق الضروريات التي بدونها يهلك الإنسان ثم يلي ذلك الحاجات والتي بدونها تكون الحياة شاقة ثم يلي ذلك الكماليات والتحسينات التي تحقق الحياة الرغدة. * إنه نظام اقتصادي يقوم علي التوازن بين الملكية الخاصة والملكية العامة بما يحقق أقصي معدل تنمية شاملة في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية ومنها حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ العرض وحفظ المال. * إنه نظام اقتصادي يقوم علي الوسطية والاعتدال لتحقيق التيسير ورفع المشقة والحرج عن الناس وفقا للقاعدة الشرعية: "المشقة توجب التيسير عند الضرورة". * إنه نظام اقتصادي يقوم علي المواطنة في إطار العدل والمساواة بين الناس وفي إطار القوانين والتشريعات وهذا مناط الشرائع السماوية جميعا وفقا للقاعدة الشرعية: "لهم ما لنا وعليهم ما علينا". * إنه نظام اقتصادي يقوم علي الالتزام بأداء حقوق المجتمع من الضرائب ونحوها بالعدل بجانب حق الله في المال وهو الزكاة المفروضة علي المسلمين دون غيرهم ويدفع غير المسلمين ضريبة التكافل الاجتماعي. * إنه نظام اقتصادي يجمع بين الأصالة والمعاصرة ويقصد بالأصالة: القواعد والثوابت الكلية الشرعية وبين المعاصرة في استخدام أساليب التقنية المعاصرة. * إنه نظام اقتصادي يجمع بين الثبات والمرونة: ثبات الأصول الكلية المستنبطة من القرآن والسنة والمرونة في الفرعيات والإجراءات والأساليب والأدوات حتي يتواءم مع كل زمان ومكان للتنمية. * معالم البرنامج الاقتصادي الإسلامي للتنمية يتساءل كثير من الناس ولاسيما الرأسماليون والليبراليون والعلمانيون واليساريون والقوميون ومن في حكمهم: هل هناك برنامج اقتصادي إسلامي للتنمية لدي الإسلاميين: ولقد أجاب عن هذا التساؤل بموضوعية تامة فقهاء وعلماء وخبراء الاقتصاد الإسلامي وقالوا: نعم ومن أهم معالمه التصدي للمشكلات الاقتصادية المعاصرة كما يلي: أولا: تحقيق العدل الاقتصادي بين عناصر العملية الإنتاجية ومن أهمها: عنصر العمل وعنصر المال وعنصر الإدارة بحيث يحصل كل منهم علي حقه بالعدل دون اعتداء علي حقوق الآخرين ومناط تحقيق ذلك التصدي لكافة صور الظلم والفساد الاقتصادي ومنها: السرقة والاختلاس والغش والتكسب من الوظيفة والمقامرات وغسل الأموال ونحو ذلك وهذا لن يتحقق إلا من خلال الالتزام بالقيم والأخلاق العظيمة. ثانيا: تحقيق الحرية والأمن والاستقرار للعامل وإعطاؤه حقوقه بما يكفل له ضمان الحاجات الأصلية للمعيشة بما يتناسب مع التغيرات في الأسعار وحقه في التعبير عن رأيه بالسبل المشروعة وتكوين النقابات والاتحادات التي تحافظ علي حقوقه وهذا لن يتحقق إلا بالقاء علي الاحتكار ومنع القهر والاستبداد. ثالثا: تحقيق الأمن والأمان لرأس المال وحمايته من الابتزاز والتعدي والمصادرة وتخفيض كافة الرسوم والضرائب الظالمة التي تعوق انطلاقه للاستثمار في مجال الضروريات والحاجيات بما يساهم في التنمية الشاملة. رابعا: إعطاء أولوية الاستثمار في المشروعات الصغيرة والمتناهية في الصغر والتي تساهم في تشغيل العاطلين وتطبق نظم التمويل القائمة علي المشاركة والإجارة والبيوع بدلا من نظام الفائدة الربوية. خامسا: إقالة عثرة المشروعات الإنتاجية الوطنية الضرورية بنظام القروض الحسنة لتساهم في التنمية وإعفاؤها من فوائد القروض البنكية المتراكمة وتطبيق نظم التمويل بالمشاركة والإجارة والبيوع ونحوها. سادسا: التركيز علي المشروعات الوطنية ذات العلاقة بالأمن الغذائي وبضروريات الطبقة الفقيرة من خلال استراتيجية ودعمها بكافة سبل الدعم بما يحافظ علي سيادة الوطن واستقلال القرارات الحكومية والاعتماد علي الذات. سابعا: حماية الموارد الطبيعية من كافة سبل الاستغلال غير الرشيد وأن تكون خيرات الوطن للوطن. وإعادة النظر في الاتفاقيات الدولية التي فيها بخسا لحقوق الوطن. ثامنا: ترشيد سياسة الدعم بحيث تكون موجهة بصفة أساسية إلي مستحقيه وإلغاء دعم رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب ودعم الأغنياء. تاسعا: ترشيد النظام المصرفي ونظام البورصة بما يساهمان في مجال التنمية وتطهيرها من المقامرات والإشاعات والهيمنة غير المشروعة وتفعيل نظم الرقابة علي معاملاتهم للاطمئنان من أنها تطابق المصالح الوطنية العليا. عاشرا: دعم موسسات الجتمع المدني مثل: الجمعيات الخيرية ومؤسسات الزكاة والصدقات ومؤسسات التكافل الاجتماعي ونحوها لتساهم في تحقيق الضمان والرعاية لطبقة الفقراء والمساكين والمعوزين وتحويلهم إلي قوة إنتاجية تساهم في تحقيق التنمية. حادي عشر: دعم كافة الجهود نحو تحقيق التنسيق والتعاون والتكافل بين بلدان الأمة العربية والإسلامية في كافة المجالات ولا سيما مجالات العمل والمشروعات الاستثمارية المشتركة واستخدام أساليب التقنية المعاصرة وخصوصا أن لدي هذه الدول العنصر البشري ورأس المال والموارد الطبيعية والأسواق والتكنولوجيا وينقصها تطبيق قول الله عز وجل: "وتعاونوا علي البر والتقوي" المائدة:.2 ثاني عشر: تطوير مناهج التربية والتعليم في مراحله المختلفة بما يحقق تربية وتعليم الأجيال الشابة بما يساعد في تطبيق المنهج الإسلامي في جميع نواحي الحياة بما فيها الأبعاد الاقتصادية الإسلامية وغرس القيم والأخلاق والسلوك السوي الرشيد فيهم. ثالث عشر: إنشاء المؤسسات المالية الإسلامية مثل المصارف الإسلامية وشركات الاستثمار الإسلامي وشركات التأمين والتكافل الاجتماعي وغيرها اللازمة لتطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي. * مقومات تطبيق البرنامج الاقتصادي الإسلامي للتنمية من السمات المميزة للمشروع الإسلامي للتنمية والنهضة سواء في مجال السياسة أو التنمية الاجتماعية أو التنمية الاقتصادية أو نحو ذلك هو القابلية للتطبيق في الواقع وليس مفاهيم ومباديء وقواعد نظرية فلقد قرن الله سبحانه وتعالي الإيمان بالعمل والقول بالفعل والنية بالهمة علي التنفيذ. وتأسيسا علي ذلك يجب توفير مقومات لتطبيق البرنامج الاقتصادي الإسلامي ووضع آليات وسبل وأساليب تنفيذه حتي يحقق مقاصده المنشودة. ويري فقهاء وعلماء وخبراء الاقتصاد الإسلامي أن من أهم مقومات التطبيق في هذه المرحلة ما يلي: أولا: تهيئة المجتمع لقبول هذا البرنامج وبيان فضائله وخيراته علي الأفراد جميعا وذلك من خلال وسائل الدعوة والإعلامة بالحكمة والموضوعية وبالأدلة القوية والرد علي التساؤلات بسعة الصدر وهذا يتطلب وجود برنامج إعلامي لمشروع البرنامج الاقتصادي الإسلامي للتنمية. ثانيا: وضع مجموعة من مشروعات القوانين والقرارات والتوصيات ونحوها ذات البعد الاقتصادي بما تيسر التطبيق وذلك وفقا لمنهج التدرج والتوافق والمرونة حسب مقتضيات الحال وفي نفس الوقت إلغاء ما يناظرها التي تعوق التنمية والنهضة. ثالثا: تطوير آليات وعمل المؤسسات والمنشآت المالية والنقدية والاقتصادية بما يتناسب مع آليات تنفيذ البرامج المنشود وفقا لمنهج التدرج. رابعا: تفعيل أجهزة التخطيط لتعمل وفقا لمنظومة من الأهداف والسياسات والخطط الاستراتيجية في ضوء الإمكانيات والقدرات المتاحة بمعني تطبيق منهج الاستراتيجيات. خامسا: تفعيل أجهزة الرقابة المالية والاقتصادية لتقوم بدورها بتطهير المعاملات من كافة صور الفساد ومتابعة تنفيذ خطة البرنامج الاقتصادي. ويحتاج توفير هذه المقومات كافة فئات الشعب علي اختلاف طوائفه وتطبيق القاعدة الإصلاحية: دعنا نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.