أكدت القيادات الاسلامية أن رحيل البابا شنودة يعد خسارة لمصر كلها بمسلميها ومسيحييها وليس لأتباع ديانته فقط.. وأشاروا إلي أنه كان حريصا علي الوحدة الوطنية بما يمثله من صوت العقل والحكمة ومحاربة التعصب.. وأوضحوا أنه كان مجاملا حريصا علي العلاقة القوية مع قيادات المؤسسة الاسلامية وفي نفس الوقت رفض كل أشكال التدخل الأجنبي الذي حاول اتخاذ الفتنة الطائفية ذريعة له.. وأشادوا بموقفه الثابت تجاه رفض التطبيع مع اسرائيل وتجميد الحج إلي القدس حتي تتحرر ويدخلها المسلمون والمسيحيون معاً. في البداية يتذكر الدكتور محمد الأحمدي أبوالنور وزير الأوقاف الأسبق موقفا فريدا مع البابا شنودة يقول: ذهبت مع أعضاء الحكومة للافطار في الكاتدرائية تلبية لدعوته لنا علي الافطار في رمضان وفوجئنا بالبابا شنودة يدعو إلي رفع أذان المغرب وإقامة صلاة الجماعة داخل الكاتدرائية وكانت هذه هي المرة الأولي التي يتم فيها ذلك داخل الكاتدرائية هذا دليل عملي علي تسامحه بلا حدود مع المسلمين. وأشار إلي أن البابا شنودة كان حريصا بلا حدود علي الوحدة الوطنية ومواجهة موجات التعصب بعقلانية مهما كانت سخونة الأصوات الطائفية ولهذا حافظ علي علاقته الطيبة مع المسلمين والدولة وجنب الدولة فتنا لا حدود لها.. وتصدي لمن حاولوا الاحتجاج علي وضع الشريعة الاسلامية كمصدر أساسي للتشريع مؤكدا أن الحماية الحقيقية للمسيحيين تتمثل في سماحة الإسلام وعدله. وأنهي الدكتور الأحمدي أبوالنور كلامه بقوله: لا يمكن أن ننسي مواقفه الجريئة في التقدير الشديد للتاريخ الاسلامي وعلاقة المسلمين بالمسيحيين عبر التاريخ حيث لم نلمس منه أي تعصب أو ترديد لما حاول المستشرفون وأعداء الاسلام إلصاقه بديننا الحنيف تجاه أهل الكتاب.. ولهذا فإن تقديم العزاء للمسيحيين واجب لأنه ليس خسارة للمسيحيين فقط بل إنه خسارة لمصر كلها. تجسيد لروح المحبة الدكتور عبدالله الحسيني.. وزير الأوقاف السابق يري أن وفاة رجل بقدر وبقامة البابا شنودة يعد خسارة كبيرة للمسلمين والمسيحيين في مصر لما له من آراء سديدة ومواقف صارمة خاصة فيما يتعلق بقضايا ومشاكل الأقباط في مصر. ويوضح د.الحسيني.. أن مصر ولادة وبها العديد من النماذج التي تستطيع أن تواصل المسيرة وتغذية روح المحبة بين عنصري الأمة.. وعقلاء الكنيسة في مصر قادرون علي تخطي هذه المحنة واختيار من يصلح لقيادة الكنيسة في الفترة القادمة الهامة التي نعيشها الآن. وعن علاقة البابا بالمؤسسة الدينية قال د.عبدالله الحسيني: ان البابا شنودة كان حريصا علي مشاركة المسلمين أفراحهم وكان حريصا أيضا علي أن يلتقي قيادات المؤسسة الدينية في كثير من المناسبات وكانت له الآراء الصائبة التي نأخذ بها في كثير من الأمور فيما يخص قضايا الوطن وكان دائم المشورة مع كل القيادات الدينية في مصر طوال فترة عمله خادما للكنيسة وللشعب المسيحي. صوت الحكمة والعقل يؤكد الدكتور محمد الشحات الجندي.. الأمين العام للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية سابقا أنه لا يمكن لمنصف أن ينكر دور البابا شنودة الذي لم يقتصر علي كونه رجل دين بالمعني التقليدي فقط وإنما كان رجل دين له دور مجتمعي وتشكيل لحمة أو نسيج الدولة المصرية حيث كان دائم الالتحام بالمسلمين في مختلف المناسبات وكان حريصا علي حضور المؤتمر السنوي للمجلس الأعلي للشئون الاسلامية وبعض المؤتمرات والمنتديات العامة التي أكد فيها أنه مفكر بعيد النظر وارتفع بشأن المؤسسة الدينية المسيحية لما فيه مصلحة الوطن كله وليس للمسيحيين فقط. وأشار الدكتور الجندي إلي أن من يتأمل مسيرة البابا شنودة سيجده حكيما وخاصة وقت الأزمات التي كانت تهدد بإشعال الفتنة الطائفية حيث لم يدع إلي تمرد أو عصيان أو خروج علي سلطة الدولة بل إنه كان يعتزل في دير وادي النطرون ويدعو إلي الصوم كتعبير عن موقفه.. بل انه عقب أحداث ماسبيرو التي سقط فيها عدد كبير من المسيحيين دعا المسيحيين إلي الصبر والتسامح ورفض اتخاذ هذه الحادثة وسيلة لتبرير أي تدخل أجنبي في شئون مصر. وأنهي الدكتور الجندي كلامه بأن البابا شنودة كان ولاؤه للوحدة الوطنية كبيرا وكان يعالج المشكلات بحكمة ولا يجد فضاضة في الاعتذار وعند إساءة أي قيادة مسيحية للإسلام مثلما حدث بعد تصريحات الأنبا بيشوي حيث عالج الموضوع بحكمة وأطفأ نار الغضب لدي المسلمين من جراء تلك التصريحات المسيئة للإسلام. حريص علي التعاون ويشير الدكتور حامد أبوطالب.. عضو مجمع البحوث الاسلامية إلي أن البابا شنودة كان مجاملا للأزهر بشكل كبير.. وقد حضرت مرارا لقاءات له مع شيوخ الأزهر السابقين سواء الشيخ جاد أو الدكتور طنطاوي أو الدكتور أحمد الطيب وكان ودودا بشكل يسير ويحرص علي المجيء إلي الأزهر في كل المناسبات الدينية لتقديم التهنئة وبناء جسور الثقة والتعاون مع مسئولي الأزهر والافتاء والأوقاف أي المؤسسة الاسلامية بكل فروعها. وأوضح أن الحوار الاسلامي المسيحي شهد طفرة كبيرة في عهده بالاضافة إلي تجاوبه الكبير مع دعوة فضيلة الامام الأكبر في إنشاء "بيت العائلة المصرية" ليكون رمانة ميزان في أحداث التعاون والتفاهم وتأكيد الوحدة الوطنية ووأد أي فتنة قبل حدوثها وإذا حدث يتم التحري عن أسبابها ومعالجتها لمنع تكرارها.. ولهذا فإننا ندعو القيادة المسيحية التي سيتم اختيارها إلي تلمس خطوات البابا شنودة لاستكمال ما تم بناؤه. جسد حب الوطن ووصف الدكتور عبدالله النجار عضو مجمع البحوث الاسلامية فقدان البابا شنودة بأنه خسارة كبيرة لمصر كلها وليس للمسيحيين فقط.. وأظهر بشكل عملي مقولة "حب الأوطان من الإيمان" وذلك من خلال مقولته الشهيرة "مصر ليست وطن نعيش فيه ولكنه وطن يعيش فينا".. وقد جسد هذه المقولة واقعيا بأقواله وأفعاله وسلوكياته.. ولولا حكمة البابا شنودة وقت الأزمات لكان من الممكن أن تسيل بحور من الدماء ولكنه كان يتصدي بقوة للمتعصبين ورفض أن ينفعل مع المنفعلين حتي في أشد الأزمات بل كان صوت الحكمة والعقل. قال: كنت أجده مجاملا إلي أقصي حد مع المؤسسة الاسلامية حتي أنه لم يتخلف عن التهنئة رغم تقدمه في السن وتأخر حالته الصحية. ويكفيه فخرا أنه أول من ابتدع مائدة الوحدة الوطنية وهي بدعة طيبة وحسنة حيث كانت تعبيراً عملياً عن المشاعر الطيبة بين القيادات الدينية الاسلامية والمسيحية علي حد سواء. ويشيد الدكتور عبدالله النجار بالمواقف الجريئة للبابا شنودة مثل رفضه التدخل الأجنبي في شئون مصر من خلال رفضه مقابلة أعضاء لجنة حقوق الانسان بالكونجرس والتي كانت تحاول التدخل في شئون مصر عن طريق النفخ في النار والتأكيد علي أن هناك العديد من مظاهر التمييز ضد المسيحيين بما يخالف مباديء المواطنة.. وكذلك موقفه الرافض من التطبيع مع اسرائيل وتجميده لرحلات حج المسيحيين إلي القدس مؤكدا أن المسيحيين لن يدخلوا القدس إلا وأيديهم في أيدي المسلمين بعد تحريرها من الصهاينة.. كما كان له موقفه من قضية المادة الثانية من الدستور المصري التي تنص علي أن الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع فأكد أكثر من مرة أنه في ظل التطبيق الصحيح للإسلام لن يظلم مسيحي والتاريخ يشهد بذلك. وأنهي الدكتور عبدالله النجار كلامه برفض من يفتون بحرمة تعزية المسيحيين في وفاة البابا شنودة قائلا: هذا مخالف للشرع الذي نص علي جواز ذلك وقد سجل ذلك ابن القيم في كتابه "أحكام أهل الذمة" فقال من المأثور عن النبي صلي الله عليه وسلم أن يقول المسلم للذمي الذي حدث عنده حالة وفاة "أحسن الله عزاءك" وهذا تأكيد علي أن التشدد ليس من الإسلام في شيء لأنه أمر بالتسامح مع أهل الكتاب بل وبرهم وذلك في قوله تعالي "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم".. ولهذا لا مانع شرعا من تعزية المسيحيين في وفاة البابا شنودة أو أي حالة وفاة لديهم لأن هذا تأكيد علي سماحة الاسلام مع البشر جميعا وخاصة أهل الكتاب. ويقول الدكتور عبدالله الصبان الأستاذ بجامعة الأزهر أن البابا شنودة يمثل عقلية مصرية متميزة ورشيدة في قومه.. وجعل العلاقات الانسانية بين عنصري الأمة في أعلي مراتبها.. وبقدر حبنا له كمسلمين مصريين إلا أنه أعطي الثقة لاخواننا الأقباط في مصرهم وفي أنفسهم وأنهم أصحاب حق أصيل في مصر. وكان مصدر أمان لهم طوال فترة ولايته.. وبفقده افتقدنا شخصية صاحبة فكر ورأي في قومه وبالتالي له حق التوقير والاحترام. ويوضح د.الصبان.. أنه وكما أجمعنا نحن أبناء مصر علي حب الشيخ الشعراوي.. أيضا اجتمعنا مسلمين وأقباطاً علي حب البابا شنودة وعلي احترام رأيه وفكره ويكفينا أن الأقباط يسمعونه ويطيعونه وهذا مدعاة لحبه واحترامه. ويري د.الصبان أن مصابنا مشترك ونسأل الله أن يعوض اخواننا المسيحيين خيرا في مصابهم وهم قادرون علي تجاوز الأزمة واختيار من يرونه مناسبا لقيادة الكنيسة في المرحلة القادمة. جدير بالإحترام الشيخ فؤاد عبدالعظيم وكيل أول وزارة الأوقاف لشئون المساجد يري أن في وفاة البابا شنودة خسارة كبيرة لمصر والعالم العربي وهو رمز من رموز مصر التي يشار لها.. وهو رمز للتسامح والوطنية.. وما من موقف من المواقف وحدث من الأحداث إلا وكان البابا شنودة له دور ورأي جدير بالاحترام والتقدير.. وكانت زياراته المتكررة للمؤسسة الدينية أكبر دليل علي تسامحه وحبه لمصر الأزهر وللمؤسسة الدينية.. فبفقدانه خسرت مصر صمام أمان.. لأنه شخصية دينية محورية استطاعت خلال رئاستها لمؤسسة الأقباط أن تكون حريصة كل الحرص علي وأد الفتن وخلق روح المودة والتسامح بين عنصري الأمة مسلمين وأقباطاً. وحول حرص المؤسسة الدينية علي دعوة البابا شنودة والقيادات المسيحية لافتتاح المؤتمرات الاسلامية وخاصة في المجلس الأعلي للشئون الاسلامية يؤكد الشيخ فؤاد أن هذا يؤكد سماحة الاسلام مع أهل الأديان الأخري التي نؤمن بها وخاصة الانجيل وهذا دلالة علي أن مصر بمسلميها ومسيحييها وحدة واحدة في الأفراح والأتراح وأن رأي البابا وكلماته المؤثرة والحريصة علي مصلحة الوطن كان لها دور كبير في الاقتداء بها والعمل بما يقول لمصلحة مصر.