يموج الشارع المصري بكثير من الآراء والتوجهات السياسية والاجتماعية. وهذا دليل علي حيوية الشعب وثرائه الفكري وتعاون الآراء بعضها مع بعض. وكلما قوي هذا المشهد وطال وجوده فإن المخاض سيكون وليداً كامل الأعضاء سليما لا تشوبه علاقات نقص أو ميل غير محسوبة نتائجه. وهذه الظاهرة تمر بها دول كثيرة. ولم تتمتع أي دولة بالارتقاء إلا بعد تموج هذه المظاهر كلها والخروج من تمواجات بتدفق في المجري المستقيم والاختلاف سنة من سنن هذا الكون إذا لا يتصور أحد أن يتفق البشر علي رأي واحد. بل منهم من يؤيد اتجاها غير اتجاه الآخر. وهذا التماوج ينشأ بعده ومنه الاتفاق لأن هذا التماوج يمحص الأراء ويضعها فوق منضدة الروية الشاملة فينصلح المختلف ويستقيم المعوج وتتألف الآراء ليخرج منها اتجاه علي طريق الاستقامة والوصول إلي الهدف. والذين ينظرون إلي هذا الاختلاف علي أنه شر كله تنقصهم الرؤية الشاملة لما يجري من أحداث بين الناس فالاختلاف سنة كونية. حتي في عصور الأنبياء العظام كان الناس يختلفون ولكن الهداية كانت وسيلتهم للوصول إلي الهدف. إذن فلا يجوز لنا أن نزعج من اختلاف الآراء ولا أن ندين هذا الاختلاف لأنه هو الطريق إلي ما نريد من صلاح منشود. فالواجب إذن أن نستمع إلي المختلفين وأن نناقشهم بهدوء وروية حتي يصل الجميع إلي بر الأمان. وبر الأمان قد يكون بعيداً علي السابحين في لجة الأمواج ولكن صبرهم وأصرارهم علي الوصول إلي الشاطيء الآمن هو الذي يؤدي بهم إلي النجاح والنجاة من ويلات الغرق. علينا إذن أن تناقش الآراء وألا نخطيء أحدا إلا بعد مناقشته مناقشة كاملة وبيان جوانب الضعف في رأيه وما يريده أن يتحقق. والذين ينزعجون من كثرة الآراء والاختلاف فيما بينهم ليسوا علي صواب دائما لأن الأخ قد يختلف مع أخيه مع أنهما يتعاونان في تكوين أسرة متماسكة قوية يشد بعضها أزر بعض. المهم أن نمحص الآراء ونناقشها في هدوء وروية. ويكون مثالنا في الوصول إلي الهدف قول أحد الحكماء السابقين من أن قوله صواب يحتمل الخطأ وقول غيره خطأ يحتمل الصواب وعن طريق ذلك نصل إلي الشاطيء الأمان لنواصل المسيرة علي أرض صلبة حتي نصل إلي الهدف.