ورد في صحيح الجامع عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أحب الله عبدًا نادي جبريل إن الله يحب فلانًا فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض". لقد بدت هذه الحقيقة أمامي أكثر وأكثر حين سمعت ثناء كثرة من المثقفين والمفكرين علي الصديق العزيز أ.د. عبد الحليم عويس من شتي الأقطار الإسلامية من الهند شرقا حتي الجزائر والمغرب بل ومن أستراليا وأمريكا. لقد طوّف الراحل العظيم أرجاء العالم الإسلامي داعيا إلي اليقظة والحذر من فعالية السنن الكونية التي لم تتبدل عبر تاريخ الإنسانية في اندثار الحضارات مهما ارتفع شأنها بسبب التشرذم والفرقة والانصياع والانبطاح أمام عدو متربص يستعين به السفهاء من ملوك الطوائف وأمراء الأقاليم كما حدث في الأندلس. إذ زين لهم العدو أن الانسلاخ عن جسد الخلافة حرية واستقلال. غافلين عن أن الوحدة هي سر القوة. وأن الذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية. وقصّة الثيران الثلاثة ماثلة في الأذهان إذ كانت صيحة الأخير: إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض. لقد طاف الراحل الكريم ببلاد الهند وعقد صداقة متينة مع داعية النهضة الإسلامية هناك أبي الحسن الندوي. واشترك معه في رابطة الأدب الإسلامي.. وقضي ربع عمره في المملكة العربية السعودية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ورئيسها د. عبد الله التركي. كان فيها معلما وموفدا إلي بلاد العالم. ولم يفته المغرب العربي فمضي مع الملهم المبارك شيخ الدعاة فضيلة الشيخ محمد الغزالي في إحياء روح النهضة الإسلامية والعربية في الجزائر. ولقد صحبته إليها طائفيْن بمدنها زائريْن لمثقفيها فأدركت مكانة الراحل وقامته وجهده الذي لا تنساه الجزائر المسلمة. أما تركيا فقد نشأت بينه وبين رائدي انعتاقها من أسر العلمانية الباطشة الشيخ بديع الزمان النورسي والشيخ فتح الله كولن. أوثق الصلات.. وتعاون مع الحركة التركية الناهضة ومجلتها "حراء" وكرموه هنا وهناك لفكره وعلمه وخلقه. وأما السودان فيكفي لإدراك تأثيره هناك وتقديرهم لرؤاه الثقافية والإصلاحية أن منحه رئيس جمهوريته أرفع وسام ثقافي قبل أيام من رحيله. هذا من ناحية التأثير المباشر في رحلاته وتطوافه. أما ما منحه الله إياه من المثابرة والعصامية والهمة التي لم تخضع لمرض أو أعذار فحدث ولا حرج. فقد سطر بقلمه ما حصله من علم بالتاريخ والحضارة الإسلامية ووعي بحاضر الأمة وأمل في مستقبلها وأخرج ذلك في كتب كثيرة منحها الله القبول وتأثر بها من لم يسمعوه. وما زالت تجوب بلاد الشرق والغرب. منها ما تناول فيه تاريخ الأمة وحضارتها. ومنها ما اهتم فيه بعلوم التفسير والفقه والثقافة. قصته مع ¢التبيان¢ وحين ألقي عصا التسيار وأقام في مصر عرضتُ عليه أن يساعدني في النهضة بمجلة التبيان لسان حال الجمعية الشرعية. والتي دعا إليها مؤسسها منذ أكثر من مائة عام لتكون منبرًا حرًا ولسان صدق وعلم ودعوة. والتي حفزني لإنشائها ولأسلوب أدائها سيدُ الخلق محمد صلي الله عليه وسلم في رؤيا صادقة في أحب بلاد الله في مكةالمكرمة فتلقيت الأمر بحزم وعزم وإصرار وكان تيسير الله عز وجل وبركة رسول الله صلي الله عليه وسلم عاملين أساسيين في التوفيق لبلوغها تلك المكانة التي يقدرها المنصفون ويشيد بجرأتها في محاربة الباطل كل من كان يدرك مخاطر الرأي الحرفي زمن الكبت والاستبداد والظلم والفساد. ذلك أنها تصدت بقوة للغزو الفكري الوافد ولمخططات الأممالمتحدة في تغريب الأمة عن طريق فرض النمط الغربي في التحلل والتفسخ الخلقي وتفتيت أواصر التعاون والتكامل والتواد في محيط الأسرة متمثلا ذلك في تعديل قوانين الأسرة وإصدار قانون الطفولة والتغني بحقوق المرأة وتشجيعها علي التمرد ضد شريعة الرحمن الرحيم العليم الحكيم. عرضت علي الراحل التعاون معي في ذلك بعد أن شرحت له المبادئ والأسس التي التزمت بها فرحب شاكرا لكنه لم يشأ أن يتفرغ لها تفرغا كاملا بحيث نستطيع إصدارها حسب الترخيص لها أسبوعيا لا شهريا. فقد كانت له ارتباطات وعلاقات واهتمامات وأحلام فرضيتُ منه بما يستطيع. إلي أن اشتد عليه المرض منذ ثلاث سنوات فأراد أن يتخلي لعدم مقدرته فرفضت وقمت بالعبء كله وقلت له: يكفيني منك كلمة رئيس التحرير. قصته مع الأخلاق هذه قصة الراحل الكريم مع مجلة "التبيان". أما قصته مع الأخلاق والسلوك والقيم فذلك مما ينبغي إبرازه قدوة للشباب والدعاة.