العبادات منارات لتزكية النفوس. وهداية القلوب وتنوير العقول. وإحياء الضمير بما ليس في غيرها من القربات الأخري ومن وفق في الانتظام عليها وشهود أحوالها رزق الاستقامة والصلاح في الظاهر والباطن. وعرف الحق فلزمه. وهي في تجلياتها الروحانية زاد للمؤمنين في تنمية الشعور الاجتماعي. والتساند الأخوي. والعيش المشترك والتوحد في المآل والمصير. فهي تجمع المؤمنين في طقوسها وتضعهم علي طريق الاشتراك جميعا في أدائها. فالكل مطالب بالصلاة في جماعة ومدعو إليها. استجابة لقول الرسول - صلي الله عليه وسلم - "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ "الفرد" بسبع وعشرين درجة". كذلك الصوم فإنه فريضة علي الأمة. كما فرض علي الأمم السابقة. طلبا للتقوي والإحساس بمعاناة المحتاجين ومثل ذلك الحج فإنه فريضة دينية واجتماعية علي كل من استطاعه بالصحة والمال. أما الزكاة فإنها مطلوب الشرع علي الأغنياء للفقراء والمكروبين ومنها زكاة الفطر. وهي واجبة كما قال الرسول - صلوات الله عليه - "علي كل مسلم فضل عن قوته وقوت من يقوته يوم الفطر وليلته..". فهذه الأصول الخمسة مع شهادة التوحيد هي للعموم والخطاب فيها لكافة المسلمين. فهي عنوان التوحد الديني والاجتماعي. وباب التماسك والتكافل في الأمور كلها لبناء مجتمع المؤمنين. وهو مراد الله في قوله تعالي: "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" "الأنبياء 92". وتلحظ في هذه العبادات المساواة بأكملها معانيها. فالخطاب فيها واجب علي كل من استجمع شروطها وكان أهلا للقيام بها لا فرق بين الرئيس والمرءوس. والرجل والمرأة. فإن الكل ينتظم في أدائها دون تمييز. وهو المشاهد في الفرائض الخمس جميعا. فالكل أخوة يدينون بالعبودية لله تعالي. كما قال تعالي: "إنما المؤمنين إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون" "الحجرات آية 10". وفي العبادات انتظام وضبط للصف الإسلامي. وحفاظ علي الوقت وتقدير قيمته. وهذا من ركائز الاجتماع الإنساني السليم. ومن أسف أن بعض المسلمين يؤدون العبادات دون فهم لمقاصدها ذلك أن العبادة في الإسلام خشوع وطاعة وامتثال واعتراف بالربوبية لله تعالي والعبودية للإنسان. وتمجيد وتعظيم للخالق في السر والعلن. وهي مظهر للولاء والانتماء لله ورسوله. ومظهر علي الالتزام بالدين في منظومته الجامعة العقيدة والشريعة والأخلاق. والمفهوم الحق للعبادة أنها شعيرة وجوهر. لا يغني أحدهما عن الآخر. وإنما يكمله ويتعانق معه. وفيها من التجليات والأسرار ما لا يدركه إلا العابدون المخلصون. كما في قوله تعالي: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلي ربهم يتوكلون" "الأنفال آية 21" فهم العباد الربانيون. فحركاتهم وسكناتهم في طاعة الله. وصمتهم تفكر في نعم الله وعطاءاته التي لا تحصي. ولسانهم يلهج بذكر الله. وهم في كل حال مع الله وفي معيته. في الحضرة الإلهية. والإشراقات النورانية. وهي مع ذلك جسر بين الأرض والسماء وتنعكس علي العباد بمحامد الصفات وتضبط سلوكه بصالح الأعمال للدين والدنيا. من حيث إن الإيمان مقرون في الإسلام بالعمل الصالح. والإحسان إلي الناس. والتقرب إلي الله تعالي. بقضاء حوائجهم والقيام علي مصالحهم. وأهمية العبادة في أنها أساس الدين وروحه. ومبناه ومعناه. وفرائضه التي تشكل معلما فارقا بين الإسلام والشرك. وهو ما يتضح في قول الرسول - صلي الله عليه وسلم - "بني الإسلام علي خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وإقام الصلاة. وإيتاء الزكاة. وصوم رمضان. وحج البيت من استطاع إليه سبيلا". إن فهم البعض علي غير الحقيقة أن العبادات مجرد طقوس ورسوم تؤدي لتبرأ بها ذمة المسلم تجاه ربه وكفي هو خطأ شائع. لأنها تنطوي علي مغزي عميق. مفاده أنها جاءت وفاء بحق الله وإصلاحا للنفس البشرية. وتعبيرا عن قيم حضارية. وهو ما يتجلي في أن الالتزام بالعبادات ينطبع علي شخصية المسلم في مظهره ومخبره. فالمسلم الحق يكتسي محياه بإشراقات نورانية. وفي أدائه لمنظومة العبادات أعظم أسلوب لتربية الشخصية. فهو يسمو علي الدنايا والخطايا. ويقتفي أثر الفضيلة ومحبة الناس. ويتخلق بالصدق. وينتصر للحق والعدالة. ويقدس المبدأ وينحاز للكرامة الإنسانية. ولعل في موقف الرسول - صلي الله عليه وسلم - حين مر علي الرجل المستغرق في عبادته وأثني عليه الصحابة. فسأل عمن يخدمه. فقالوا كلنا يا رسول الله. "فقال كلكم خير منه". وكذلك إنكاره علي هؤلاء النفر الذين تفرغوا للعبادة وهجروا الحياة. بقوله: "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له. ولكني أصلي وأرقد وأصوم وأفطر وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني". ومن ثم كانت العبادة لا تنفصل عن دنيا الناس.