جاء الاسلام في اصوله وركائزه الثابتة في نصوص محكمة لاتقبل صرفا ولا تأويلاً ولا جدلاً ولا مراءً. وجاء في غير هذه الأصول الثابتة في نصوص محتملة : تقبل الرأي والرأي الأخر . او في غير نص مطلقاً . ليحفز العقل المسلم علي الاجتهاد بشأنها.ولوشاء الله تعالي لجعل الدين كله وجها واحداً . لا اختلاف عليه . ولا اجتهاد فيه . ولكنه برحمته ترك الباب واسعا للناس في غير هذه العقائد والأصول لِحِكِم إلهية منها 1-التيسير عليهم . ورفع العنت والضيق والحرج عنهم . 2-حفز عقولهم الي البحث فيها والاجتهاد حولها . 3-تحقيق صلاحية الإسلام وامتداده في الزمان والمكان حتي يساير ركب الحياه ويواكب سير التقدم والتطور . وفي هذا المجال الاخر :كان اجتهاد العلماء وكانت ابحاثهم ومحاولاتهم الجادة في سبيل الوصول الي مايحقق مصالح الناس في ضوء اهداف الاسلام ومقاصد الدين . وتوجه الرعيل الاول من سلف هذه الامه ? في هذا المجال ? او بتوجيه الاسلام الي البحث والدرس والاجتهاد وكانوا في طلب الحق ونشدانه كناشد ضالة . يسعون جميعا متعاونين في طلبها ويغذون السير متأخين في سبيل الوصول اليها . وكل منهم يري في صاحبه معوانا علي الحق ورفيقا له في طلبه . فلم يعب احد منهم رأي احد . ولم يسفه واحد منهم فكر غيره . فضلا عن ان يتهمه بالمروق من الدين . او الخروج عليه ..بل كان يعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا فيه . او فيما تشابه عليهم . وكانت روح التسامح تجلل حياتهم . واصرة الاخوة والمحبة تربط مابين قلوبهم . والتعاون علي الحق سيلهم والوصول اليه غايتهم وهدفهم . فكانوا بهذا الادب الاسلامي . وبهذه الروح السامية والسمحة اقرب الي روح الاسلام ومقاصد الدين . واحرص الناس علي وحدة الامة واوصلهم لرحم الاسلام ..وعصمهم الله بهذا من التخاصم والتحاسد والجدل والمراء . والعصيبة والاهواء . وبارك علمهم وعملهم . ونفع بهم وبأثارهم .. وكانت مجالس العلم ? كما يقول الاستاذ الشيخ محمد عبده ? في المنقول والمعقول : من التفسيير والحديث . والققه . واللغة . والكلام . والتصوف وغيرها متجاورة متعاونة . وكان طالب العلم يغشي هذه المجالس جميعا . لايري في ذلك باساً ولا حرجا فيعب منها جميعا . وينتفع بها . ويستفيد من علمائها كان الامام ¢مالك بن انس¢ إمام اهل المدينة . وشيخ السنة يجلس بين يدي الامام الصادق ¢جعفر بن محمد¢ ? الذي تعتبره الشيعية الإمامية أحد أئمتها - يتلقي عنه العلم . ويغشي معه حلقات الدرس . وكان الامام ¢ابو حنيفة النعمان ¢ يجلس الي الامام ¢زيد بن علي¢ راس الشيعة الزيدية وامامها . يأخذ عنه ويتتلمذ عليه. وكان هذا الاخير ¢زيد بن علي ¢ يجلس الي واصل بن عطاء رأس المعتزلة . وكان زيد يجله ويحترمه . ويقدر علمه . ويعرف له مكانته . رغم موقفه علي الحياد بين ¢علي¢ ¢ومعاوية¢. وكان واصل بن عطاء هذا . و¢عمرو بن عبيد¢ شيخا المعتزلة يجلسان بين يدي ¢الحسن البصري¢ امام اهل السنة من التابعين ياخذان عنه . ويتلقيان العلم علي يديه. وقد سئل ¢الحسن¢ يوما عن ¢عمر بن عبيد¢ فقال لسائله : لقد سألت عن رجل كأن الملائكة ادبته . وكان الانبياء ربته . إن قام بأمر قَعَد به . وان قعد بأمر قام به . وان امر بشئ كان الزم الناس له . وان نهي عن شئ كان أترك الناس له . مارايت ظاهر اشبه بباطن . ولا باطناً اشبه بظاهرمنه وكان الامام البخاري حافظ السنة وشيخها يجلس بين يدي ¢عمران بن حطان¢ الخارجي يأخذ عنه الحديث ويسمع منه .. كان هذا هو شأن الرعيل الاول من علماء هذه الامة وسلفها . كانوا اوسع افقا . وارحب صدرا . واكثر تسامحا واقرب الي روح الاسلام ومقاصد الدين . ثم خلف من بعدهم خلف تنكبوا طريق سلفهم حين تعصبوا لارائهم . وقدسوا فكرهم . وانتصرو لمذاهبهم وغالو في الطعن علي غيرهم . وتسفيه ارائهم ..ومن ثم تشعبت بهم الطرق . وانعرجت بهم المسالك . وتباعدت بينهم الغايات والمقاصد . وبلغ بهم الامر الي ان اكفر بعضهم بعضا . وزعمت كل فرقة : الاسلام لنفسها دون غيرها . وانها المتمسكة بالكتاب والسنة : نصا . او فهما . او تأويلا . وانها الفرقة الناجية . وأن الباقين هلكي ! أسباب التطرف والغلو : أما عن أسباب هذه الاحكام الجائرة بالتكفير والتفسيق والتبديع . وما ترتب علي ذلك من غلو في الفكر . وغلو في السلوك والتطبيق . بل وارهاب وترهيب . وتخريب وتدمير من بعض هؤلاء . فهي كثيرة متنوعة : يعود بعضها اليهم . ويعود بعضها الي اسباب محيطة بهم . منها هو خارجي . ومنها ماهو داخلي : اما الأسباب الأولي فمنها: 1-الجهل بالدين . وعدم فهم النصوص الدينية فهما صحيحا . والبناء علي جهلهم بناء خاطئا بعيدا عن حقائق الإسلام ومقاصد الدين . وسوف نعرض لشئ من ذلك عند حديثنا عن الحقائق التي يجب ان تفهم . والمفاهيم التي يجب ان تصحح . 2-التعصب المقيت للراي . او الشخص . او المذهب . وتقديس الراي الواحد . وعدم الاعتداد بالرائ الأخر مهما وضحت أدلته . ومهما كانت حجته . 3-طلب الزعامة في الدين . والاستعلاء علي الاخرين . وسوء الظن بهم . وتسفيه ارائهم . واتهامهم في دينهم . 4-الغلو في التحريم . والتنطع في الدين . والتضييق علي المسلمين دون ما حجة او دليل . 5-تتبع المتشابهات وإغفال المحكمات . والاشتغال بالفروع والجزئيات . واثارة الجدل والخلاف حولها .وترك قضايا الامة الكبري دون اهتمام . 6-البطالة والفقر بالنسبة لبعض الشباب والارتماء في احضان الارهاب الذي يغدق علي اتباعه الارزاق والاموال اما الاسباب الخارجية فمنها : 1-افتئات الغرب علي الاسلام . ورسوله . وكتابه . والتشهير به . وتنفير الناس منه . وابعادهم عنه والاستهجان له والاستهزاء به . وتجديد الحملات الظالمة عليه. 2-التشهير بالمسلمين الذين يقاومون الظلم الواقع بهم . واظهارهم بمظهر العداء للحرية والديمقراطية واتهامهم بالوحشية والهمجية والبربرية والارهاب . 3-الغارة علي العالم الاسلامي في حروب طاغية وظالمة بذرائع واهية . بل كاذبة كما نجد في العراق وافغانستان والسودان والصومال ...وغيرها. 4-التحالف مع الصهيونية الغاشمة التي احتلت ارضا . وشردت شعبا . وانتهكت الحقوق والحرمات والمقدسات . وامدادها بالسلاح والاموال ضد شعب اعزل لاحول له ولا قوة . بل ضد العالم الاسلامي اجمع . 5-الضغط علي المسلمين في مجالات السياسية والاقتصاد والحرب والاعلام والثقافة وغيرها . 6-حركات التنصير التي تجوب العالم الاسلامي وغيره وهي تغري الناس بالخدمات والاموال في مقابل تنفيرهم . وابعادهم عن دينهم. ومعظم هذه الاعمال والحملات ممنهجة ومرتبة بحيث يتم التخطيط لها . والتنسيق فيما بينها . والتعاون علي تنفيذها أما الاسباب الداخلية سوف نعرضها في العدد القادم إن شاء الله تعالي.