لقد أمر الله تبارك سبحانه وتعالي بالإصلاح كما جاء في قوله "ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" "آل عمران: 104". كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "لاتزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتي يأتي أمر الله وهم علي ذلك". يستنبط من ذلك أن التصدي للفساد ضرورة شرعية ومن مسئولية الجميع ولقد اهتم الإسلام بهذا فوضع له المنهج والبرنامج الشامل. فقد استشري الفساد في كل نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وصدق الله العظيم القائل: "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون" "الروم: 31" ولقد تنبأ الرسول صلي الله عليه وسلم بذلك فقال صلي الله عليه وسلم: "يا معشر المهاجرين خصال خمس ان ابتليتم بهن ونزلن بكم أعوذ بالله أن تدركوهم لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتي يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان. ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولا نقضوا عهد الله ولا عهد رسوله إلا سلط عليهم عدوا من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم" لقد ابتلينا في مصر بهذه الأوجاع ومنها علي سبيل المثال الأمراض ومنها الكبد. والسرطان. والفشل الكلوي. والفاحشة ومنها الزنا والعري والسفور والزواج العرفي والتطفيف في الكيل والميزان والغش والتدليس والنصب والحياة الضنك والغلاء والفقر وجور السلطان وظلمه الواضح والضرائب والرسوم ونهب الأموال وأكلها بالباطل والسرقة والرشوة والبأس الشديد والخلافات بين المسلمين. لقد قامت عدة جهات في مصر بترجمة صور الفساد في إحصائيات منها وجود 730 ألف قضية فساد في العام يعني قضية فساد كل دقيقة ونصف و32% من النواب متهمون في قضايا فساد متمثلة في "نواب القروض. نواب الشيكات. هارب من التجنيد. مزدوجي الجنسية. نواب المخدرات" كما ان ترتيب مصر في مؤشر مقاومة الفساد والشفافية رقم 70 في دول العالم وأكثر من 600 مليار جنيه تقريبا قيمة الدين المحلي يعني كل فرد مديون ب 9 آلاف جنيه وهناك 150 ألف حالة سرطان سنويا ونسبة الأمية أكثر من 40% في مصرنا الحبيبة و9 ملايين عانس و16 مليون عاطل يبحثون عن فرصة عمل و200 مليار جنيه مهربة من أموال الشعب.. الخ هذه الإحصائيات وغيرها تبين أن هناك ضرورة للتصدي للفساد بكافة صوره وأشكاله وهذا هو ذروة سنام الإصلاح وهذا ما أكده العلماء والفقهاء فيري الفقهاء والعلماء والدعاة ان الاصلاح ضرورة شرعية ودليل ذلك من القرآن قوله تعالي: "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب" "هود: من الآية 88" كما أوجب الله علي ولي الأمر القيام بالإصلاح فقال الله تبارك وتعالي "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور" "الحج: 41" فهناك ضرورة شرعية للإصلاح الشامل لحفظ الدين والنفس والعرض والعقل والمال وهناك ضرورة شرعية للجهاد ضد المفسدين حتي لا يزدادوا فسادا في الأرض وأيضا التصدي لمن يعطلون تطبيق شرع الله ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وتطهير المجتمع من المفسدين والمنافقين ومن في حكمهم لانهم رأس الفساد في الأرض كما ان هناك ضرورة شرعية لمقاومة من يعتدون علي الدين والنفس ومن يهتكون الأعراض ومن يشوهون صورة الإسلام ومن يسرقون الأموال والتصدي للخائنين الذين يريدون تزييف ارادة الأمة بأموالهم المنهوبة من المال العام كما أكد رسول الله صلي الله عليه وسلم علي ذلك بقوله: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم". فالإصلاح جهاد ولا يقوم به إلا من يرغب ان يجاهد ويضحي ويتاجر مع الله تعالي الذين ورد فيهم قول الله تعالي: "إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفي بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم" "التوبة: 111". "التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين" "التوبة: 112" فالاصلاح من مسئولية الصالحين الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه الذين يبايعون الله والذين يضحون بكل عزيز لجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الكافرين والملحدين ومن في حكمهم السفلي. ويقصد بالإصلاح في المنهج الإسلامي هو تقويم المعوج والمنحرف عن شرع الله تعالي فقد رسم الإسلام للناس الطريق المستقيم الواجب السير عليه وأصل ذلك قول الله تعالي: "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون" "الأنعام: 153" وقال الله لرسوله محمد - صلي الله عليه وسلم- "يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين علي صراط مستقيم " "يس 1 4" وكانت رسالة الإسلام إلي الناس جميعا هي الدعوة إلي الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلم تقتصر فقط علي المعروف بل ركزت علي منع الناس من ارتكاب المنكر ومن صورة الفساد ولقد أمر الله الناس بذلك فقد قال تبارك وتعالي: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون" "آل عمران 110" ولقد كان منهج رسول الله صلي الله عليه وسلم ذلك بل أوصانا بالتصدي للمنكر بالمنع والعلاج فقال صلي الله عليه وسلم: "من رأي منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان" "رواه مسلم" وكانت هناك جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي من مقاصدها النهي عن الفساد وفي مجال المعاملات في الأسواق أنشأ نظام الحسبة حيث كان يقوم المحتسب بالاطمئنان علي تطبيق أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية وكان سلطانه في بعض الأحيان تعذير المخالفين.