سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حكام مصر.. من مينا إلي مبارك (الحلقة التاسعةوالخمسون) شهادة صالح أبورقيق:
عبدالناصر طلب من الإخوان تولي الحكم بعد الثورة .. ومكتب الإرشاد يرفض الاشتراك في الوزارة
في الحلقتين الماضيتين قدمنا شهادات كمال الدين حسين عضو مجلس قيادة الثورة، والقطب الإخواني الشهير صلاح شادي، حيث كشفا كيف دخل عبدالناصر إلي جماعة الإخوان المسلمين بعد أن أقسم علي المصحف والمسدس في منزل عبدالرحمن السندي رئيس الجهاز السري للإخوان أيام المرشد الأول حسن البنا.. وكان القسم أن يعمل علي إقامة شرع الله في البلاد.. وذكر صلاح شادي واقعة إخفاء الإخوان لسلاح خاص بعبدالناصر بعد أن لجأ إلي الإخوان يوم 62 يناير.. يوم حريق القاهرة.. وكان في حالة شديدة من الذعر وطلب منهم البحث عن مكان لإخفاء الأسلحة فيه كان يخفيها في مدرسة الاسلحة الخفيفة عند مجدي حسنين، وقال إنه يخشي أن تقوم السلطات بتفتيش المدرسة فتعثر عليها. في هذه الحلقة نستكمل شهادات كبار قادة الإخوان حول علاقة عبدالناصر بالإخوان.. يقول صالح أبورقيق المستشار بالجامعة العربية: قبل قيام الثورة بليلتين.. حضر جمال عبدالناصر ومعه كمال الدين حسين إلي شقة عبدالقادر حلمي، وهي في الطابق الثاني بالمنزل الذي كنت أقيم به في أول شارع الهرم بالقرب من جامع سيدي نصر الدين.. ويستطرد قائلا: لقد شهد هذا المنزل كثيرا من الأحداث.. التي كنت أقيم بالطابق الأول منه، وعبدالقادر في الطابق الثاني.. وقد أخفينا فيه حسين توفيق عن أعين البوليس أياما بعد اتهامه باغتيال أمين عثمان.. وهي القضية التي اتهم فيها الرئيس السادات. وفي هذا المنزل تكررت اجتماعات عبدالناصر ورجال الثورة مع الإخوان المسلمين بعد الثورة. استطلاع رأي المرشد جاءنا عبدالناصر وكمال الدين حسين واجتمعا بنا.. صلاح شادي وأنا والمرحوم حسن العشماوي وفريد عبدالخالق وعبدالقادر حلمي.. أبلغنا اعتزامه القيام بالثورة خلال أيام فطلبنا منه الانتظار لحين استطلاع رأي المرشد فطلب استطلاع رأيه أيضا في أن يتولي الإخوان الحكم بعد الثورة.. وكان المرشد في ذلك الوقت موجودا بالاسكندرية.. ولكنه ألمح لمعرفة رأيه بسرعة معلنا أنه سيؤجل الحركة يوما لهذا الغرض.. وفعلا سافرت مع حسن العشماوي وعبدالقادر حلمي وفريد عبدالخالق إلي الاسكندرية وقابلنا المرشد فطلب منا إبلاغ جمال عبدالناصر موافقته وتأييده وحمايته للثورة.. كما طلب أنه ليس من المصلحة أن تظهر للثورة علاقة بالإخوان حتي لايتدخل الانجليز لمقاومتها.. واقترحت أن يتولي الحكم علي ماهر باشا علي أساس أنه غير حزبي وكان رئيسا للوزراء وقت وفاة الملك فؤاد واستطاع أن يقود البلاد وتطمئن له جميع الجهات. وعدنا إلي القاهرة واتصل صلاح شادي بعبدالناصر ودعاه للحضور إلي شقة عبدالقادر حلمي في صباح اليوم التالي.. يوم 22 يوليو.. وجاء عبدالناصر ومعه كمال الدين حسين وأبلغناه الرسالة. ويقول صلاح شادي مكملا الواقعة: وقبل أن ينصرف جمال عبدالناصر انتحيت به جانبا وطلبت أن يقرأ معي الفاتحة أن تكون الحركة لله ولإقامة شرع الله.. فقرأها معي.. وتعانقنا وانصرف. وقامت الثورة.. وفي الساعة الثالثة من صباح يوم 32 يوليو جاءني حسن العشماوي وأبلغني أن جمال عبدالناصر اتصل به تليفونيا لعدم وجود تليفون بمنزلي وطلب منه أن يحضر لي ليكلفني بالذهاب إلي منزله لإبلاغ أسرته أن كل شئ تم بنجاح.. وفعلا ذهبت في سيارة حسن إلي منزل عبدالناصر بكوبري القبة.. وكانت السيدة زوجته وشقيقة عز العرب يطلان من الشرفة في قلق.. فنقلت لهما ر سالة عبدالناصر وانصرفت.. مفاجأة عبدالناصر ويستأنف صالح أبورقيق حديثه عن الأيام الأولي للثورة: ونجحت الثورة.. وقام رجال الإخوان بحراسة المرافق العامة ليلة الثورة.. وفي الأيام التالية اتصل كمال الدين حسين بصلاح شادي وأبلغه أن قوات بريطانية ستتحرك من السويس إلي القاهرة.. فأرسلنا مجموعة من الفدائيين إلي الكيلو 69 لعرقلة تقدم الانجليز.. وظلوا يحرسون الطريق عدة أيام. وتم أول لقاء بين عبدالناصر والمرشد حسن الهضيبي يوم 82 يوليو.. حضر عبدالناصر إلي منزلي حيث كان ينتظره المرشد وعبدالقادر حلمي وحسن عشماوي وصلاح شادي.. وقال لي عبدالناصر ونحن نصعد درجات السلم: أنا خايف علي الأولاد من نشوة النصر.. وجدتني أقول له بسرعة: نصر إيه.. ده لسة المشوار طويل.. عايزين ننظف البلد ونطهرها من الفساد وتقوم المشروعات. وعندما وصلنا.. ودخل عبدالناصر وصافح الهضيبي فوجئت به يقول للمرشد: قد يقال لك إن إحنا اتفقنا علي شئ.. إحنا لم نتفق علي شئ وكانت مفاجأة.. فقد كان اتفاقنا أن تكون الحركة إسلامية ولإقامة شرع الله.. واستمرت المقابلة في مناقشات أنهاها المرشد بقوله لجمال عبدالناصر: اسمع ياجمال.. ماحصلشي اتفاق.. وسنعتبركم حركة إصلاحية.. إن أحسنتم فأنتم تحسنون للبلد وإن أخطأتم فسنوجه لكم النصيحة بما يرضي الله.. وانصرف جمال.. وقال لنا المرشد وكأنه كان يستطلع الغيب: الراجل ده مفهشي خير ويجب الاحتراس منه. وكانت الوزارة قد شكلت برئاسة علي ماهر كما اقترحنا.. ولكن بعد شهور جاءنا عبدالناصر يشكو من علي ماهر ومماطلته في إصدار قوانين الإصلاح الزراعي.. وسأل المرشد عمن يتولي الحكم بعده.. وكان رأينا أي شخص صالح. ويضيف صلاح شادي قائلا: وتم تشكيل الوزارة برئاسة محمد نجيب.. وطلب منا جمال عبدالناصر الاشتراك في الوزارة.. استدعاني أنا وحسن العشماوي وكان يوسف صديق حاضرا.. وفاجأنا بقوله: أنا عايز ثلاثة من الإخوان يدخلون الوزارة فرد يوسف صديق: إحنا حنخليها فقهاء.. فقال له حسن عشماوي: مالهم الفقهاء.. ماله واحد زي الشيخ الباقوري بغض النظر عن الموضوع وقال عبدالناصر: أنا كنت أقترحت أنك تدخل الوزارة والكلام كان موجها لحسن عشماوي أنت ومنير الدلة ولكن الزملاء معترضون لصغر سنكم.. وإحنا عايزين ترشحوا لنا اثنين أو ثلاثة. الإخوان يرفضون الوزارة وذهبنا إلي المرشد.. واجتمع مكتب الإرشاد واتخذ قرارا بعدم الاشتراك في الوزارة بعد مناقشات طويلة.. فقد رأي البعض أن اشتراكنا في الوزارة سيجعلنا مبصرين بكل الخطوات التي تقوم بها الحكومة.. ولكن المرشد كان له رأي آخر وهو أنه لو حدثت أخطاء من الحكومة فإنها ستلقي علي الإخوان فضلا عن أن رسالة الإخوان كما كان يراها المكتب في تلك الآونة هي عدم الزج بأنفسهم في الحكم. وأبلغنا عبدالناصر بقرار المكتب.. فطلب من المرشد أن يرشح له أشخاصا آخرين من غير الإخوان، فرشح له أحمد حسن وزكي شرف ومحمد كمال الديب.. إلا أن عبدالناصر اختار أحمد حسن فقط كوزير للعدل واستطاع الاتصال بالشيخ أحمد حسن الباقوري وكان عضوا بمكتب الارشاد وأقنعه بالخروج علي قرار المكتب وقبول الوزارة.. فقبل. ويستطرد صلاح شادي مكملا الرواية قائلا: واتصل بي كمال الدين حسين وطلب مني محاولة إقناع أعضاء مكتب الإرشاد بقبول دخول الشيخ الباقوري الوزارة حتي لايحدث صدع بين الحكومة والإخوان.. فذهبت إلي مقر الجمعية لإبلاغ المرشد بحديث كمال الدين حسين لي فوجدته في حالة ثورة علي صالح أبورقيق لأنه أبلغه أن الشيخ الباقوري في مقر قيادة الثورة ليحلف يمين الوزارة.. وكان المرشد لايريد أن يصدق أن الباقوري خالف قرار المكتب.. وبعد ساعة أذيع تشكيل الوزارة وخرج المرشد إلي منزله.. وعند خروجه قابله الصحفيون وسألوه: هل عرضت عليكم الوزارة؟ فأجاب: لقد عرضت علينا واعتذرنا.. وأغضب هذا التصريح جمال عبدالناصر.. ويكمل صالح أبورقيق روايته نقلا مما سمعه عن المرشد فقال: جلس المرشد في صالون منزله حزينا لخروج الباقوري عن إجماع مكتب الإرشاد.. وقرب منتصف الليل وصل الشيخ الباقوري إلي منزل المرشد وصافحه وقبل يده وقال: أنا اتصرفت.. وأتحمل نتيجة تصرفي.. وأنا مستعد أن استقيل من مكتب الإرشاد. ورد الهضيبي: ليه؟ وقال الباقوري: ومن الهيئة التأسيسية. ورد الهضيبي: وليه؟! وقال الباقوري: و من جماعة الإخوان المسلمين. ورد الهضيبي: هكذا يجب وطلب الباقوري ورقة وكتب استقالته من جماعة الإخوان المسلمين.. وانصرف.. وفي صباح اليوم التالي توجه المرشد إليه في مكتبه بوزارة الأوقاف مهنئا له فقال له الباقوري: اعذرني يامولاي.. إنها شهوة نفس. فرد المرشد: تمتع بها كما تشاء.. اشبع بها.