بعد الانتهاء من الاستفتاء علي دستور مصر الجديد واتجاه مؤشرات الفرز ناحية موافقة الشعب المصري علي دستوره أصبحنا الآن أمام مرحلة جديدة وهي مرحلة ما بعد وجود دستور جديد لمصر والانتهاء من مرحلة التخبط في القرارات. العمل بالدستور الجديد بالتأكيد سيوجد أمورا جديدة لم تحدث من قبل ومن أبرز هذه الأمور هو انتقال سلطة التشريع كاملة لأول مرة في التاريخ الحديث لمجلس الشوري. وهو الغرفة الثانية للبرلمان في مصر وهو المجلس النيابي الوحيد الذي لم يلاحقه الحل وحصنه رئيس الجمهورية بالإعلان الدستوري الجديد وأكمله بال 09 عضوا المعينين وبالتالي سوف يفقد رئيس الجمهورية سلطة التشريع وتؤول لمجلس الشوري. فمن خلال النظر في دستور 1923 نجد إقرار الدستور مبدأ التساوي بين المجلسين (مجلس الشيوخ والنواب) في الاختصاص، وإن كان نسبيا، فقد كان للمجلسين حق اقتراح القوانين، ولكن في ظل دستور 1971 أصبح هذا الأمر يقتصر فقط علي مجلس الشعب، وبالتالي جاء الدستور الجديد ليوجد مجلس الشوري باختصاصات متوازنة مع مجلس الشعب، ويكون بالفعل غرفة ثانية فاعلة للسلطة التشريعية في الفترة المقبلة. ومجلس الشوري ظهر للوجود في الحياة البرلمانية المصرية في الأول من نوفمبر عام 1980 حيث عقد أولي جلساته ،عقب الموافقة علي إنشائه دستوريا طبقا لنتيجة الاستفتاء علي إنشائه الذي أجري يوم 22 من مايو عام 1980 بإضافة باب جديد إلي الدستور هو الباب السابع تضمن اختصاصاته وتشكيله ، ثم إصدار القانون بانتخاب عدد 140 عضوا منتخبا وصدور القرار الجمهوري رقم 542 لسنة 1980 بتعيين 70 عضوا ليتكون المجلس في أول تشكيل له من 210 أعضاء ، ثلثاهم بالانتخاب والثلث الباقي بالتعيين وفقا لأحكام الدستور والقانون. رئيس المجلس هو الدكتور أحمد فهمي، وقد تمكن من الحصول علي المنصب بالتزكية، نظرا لعدم تقدم أي مرشح من نواب المجلس بالترشح أمامه وهو في الأصل عضو بمجلس الشوري عن محافظة الشرقية، اختارته الهيئة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة للترشح لرئاسة المجلس. يقع مجلس الشوري المصري في القصر الذي بني في العام 1866 من قبل وزير المالية في عهد الخديوي إسماعيل. وهو القصر الذي خصص لاحقا كمقر لمجلس الشيوخ المصري السابق في ظل دستور العام 1923 والذي ظل حتي قيام ثورة يوليو 1952. وفي 19 أغسطس 2008 شب حريق هائل في حجرات خشبية في سطح القصر المنشأ في القرن التاسع عشر والذي يشغله مجلس الشوري بوسط القاهرة.الحريق الذي لم يتم تداركه في بدايته أتي علي المبني التاريخي بأكمله. وماتسبب في سرعة اشتعال النيران أن بعض أساسات المبني وأسقفه وأرضياته منشأة من الخشب كما كانت حوائطه وأسقفه من الخشب ومزدانة بالجلد. المبني الذي يعود تاريخ بنائه إلي مايزيد علي 100 عام. وكان عدد من القوي السياسية قد اعترضت علي انتقال التشريع بعد إقرار الدستور إلي مجلس الشوري وتباينت الآراء بين مؤيد ومعارض خاصة أن هناك عددا كبيرا من القوانين التي لابد من إقرارها في المرحلة المقبلة. ويشير الدكتور محمد محسوب وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية إلي أن أهم القوانين التي سيتم وضعها في حالة إقرار الدستور ب"نعم" ستكون قانون مجلسي الشعب والشوري والقوانين المكملة لمباشرة الحقوق السياسية. وقال محسوب إن جميع القوي السياسية بدأت الترتيب للانتخابات التشريعية القادمة، مضيفا: "اهتمام جميع الأطياف بالانتخابات سيصب في الخلاف السياسي نظرًا لأن تشكيل الحكومة القادمة متوقف علي من حصل علي أكثرية البرلمان، وقال إن من وافق علي حل مجلس الشعب من المعارضة رغم أن الانتخابات شارك فيها أكثر من 30 مليون مواطن، وبالتالي عليها أن تقبل أن يتولي مجلس الشوري التشريع المؤقت. وتعليقا علي رفض القوي السياسية وتكليف الشوري بمهمة التشريع، قال محسوب: "هذا هو الحل الوحيد وإلا سيتم تسليم تلك السلطة للرئيس نفسه". وردا علي إمكانية إجراء الرئيس استفتاء علي عودة البرلمان، قال: "هذا أمر قانوني ولكن القوي السياسية التي رفضت عودة البرلمان المنحل لن تقبل هذا الأمر ولا يجب تجاهل أن الشوري سيفقد هذه المهمة بمجرد انتخاب مجلس الشعب".وقال إن الحل الوحيد لمواجهة الاعتراضات علي تسليم السلطة التشريعية للشوري هو الإسراع في إجراء الانتخابات البرلمانية التي تنقلنا إلي الطريق الديمقراطي وليس المجهول. ويقول جمال حنفي عضو مجلس الشعب السابق عن حزب الحرية والعدالة، إن القوانين المكملة للدستور تحتاج لانعقاد مجلسي الشعب والشوري، ولا يمكن أن تصدر من خلال مجلس الشوري بمفرده بعد انتقال السلطة التشريعية له عقب الانتهاء من الاستفتاء علي الدستور. وأوضح "حنفي" أن عددا من مشروعات القوانين، التي لم يتم استكمالها في مجلس الشعب بسبب قرار حله، ستكون في مقدمة القوانين التي سيناقشها مجلس الشوري، وفي مقدمتها قانون السلطة القضائية وهيكلة الشرطة والنقابات وغيرها من القوانين الهامة. وأكد الدكتور بكر زكي عوض عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، والمعين بمجلس الشوري، أنه ينتهج منذ فترة طويلة نهجا إصلاحيا في الجامعة وبين الطلاب وفي مؤتمراته وفي جامعة الأزهر، مؤكدا أنه سيستمر في نهجه الإصلاحي تجاه كل مؤسسات الدولة وخاصة الأزهر. وأضاف عوض ، أنه سيتناول التشريعات والقرارات لضبطها من منظور الشريعة مالم تكن توافقه، مؤكدا أنه سيعمل علي مراجعة بنود الدستور ومناقشتها محاولا تعديل المواد التي تحفظ عليها البعض بما يوائم مصالح الجميع. ويقول الدكتور محمد كمال إمام، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالإسكندرية والذي اعتمده الدكتور محمد مرسي، ضمن مجلس الشوري ، أنه سوف يهتم كنائب بكل ما يخص الوطن المصري وكل القوانين التي تؤدي إلي إصلاح كافة مؤسسات المجتمع وخاصة مؤسسة الأزهر. وأضاف إمام، أن تعيينات مجلس الشوري شملت معظم القوي السياسية والفئات المختلفة وهو ما يؤكد أن هناك محاولة جادة للسعي علي مشاركة الجميع عن طريق تعيين كافة ألوان الطيف السياسي. وأشارالمهندس محمود عامر، عضو مجلس الشعب السابق عن حزب الحرية والعدالة، أن مجلس الشوري سيؤدي الدور التشريعي بعد إقرار الدستور والملح حاليا هو قانون مجلس الشعب وقانون مباشرة الحقوق السياسية ويتم تعديلهما حتي تتوافق والمطلوب في المستقبل من أجل الإعداد للانتخابات البرلمانية القادمة. وقال إن المادة الخاصة بنقل التشريع إلي مجلس الشوري هي مادة انتقالية والتشريع عندما يكون مع مجلس الشوري أفضل ما يكون مع الرئيس. وفي المقابل قال حسام الخولي سكرتير عام حزب الوفد ، إن من يوافق الحرية والعدالة من الأحزاب سيكون متفقاً معه وسيكون الحوار بين الحرية والعدالة ونفسها، مشيراً إلي أن سبعة في المائة فقط من المصريين الذين انتخبوا مجلس الشوري الحالي والذي تم انتخابه من دون أن يكون له سلطة التشريع . وأضاف الخولي أن من أخطر القرارات نقل سلطة التشريع إلي مجلس الشوري والذي يستمر لمدة عام ويتم تمرير كافة القوانين الذي يرغب في تمريرها خلال تلك الفترة. وأشار إلي أن السلطة يتم نقلها من الرئيس إلي مجلس الشوري والذي يتكون من الإخوان والسلفيين ومن يتفق معهم، مؤكدا علي أن ترضية الأحزاب بعدد من المقاعد مثلما كان يفعل الحزب الوطني سابقا.. وأكد أن الدستور كان يتم إعداده لتوافق المجتمع عليه والغرض من الدستور أن يتم تنفيذه من أجل بناء مصر وهو يأتي من خلال التوافق بين المجتمع كله، مشيرا إلي أن عدم التوافق يدفع إلي عدم تنفيذ الدستور . وأشار إلي أن الاستثمارات لن تعود إلي مصر في إطار الانقسام الحالي في المجتمع بين القوي السياسية، مؤكدا أن تفاوض الحكومة مع القوي السياسية مثل تفاوض إسرائيل مع الدول العربية . وأكد أن العملية السياسية تحتاج إلي النفس الطويل ونحن أمامنا الوقت لتعديل ما نرفضه، مؤكدا أن هناك عدم ثقة نتيجة للخبرات السابقة في كل ما يتم الوعد به من جانب الرئيس ولم يتحقق . وكان الدكتور أحمد فهمي رئيس مجلس الشوي قد قرر رفع جلسات المجلس إلي أجل غير مسمي وقال فهمي أمام الجلسة العامة الأخيرة إن مجلس الشوري كان يسير باختصاصات معينة علي مدة تسعة أشهر مضت وإذا حاز الدستور علي موافقة الشعب في الاستفتاء فسوف ينعقد المجلس باختصاصات جديدة في فصل تشريعي جديد وأوضح فهمي أن رفع الجلسات ليس فضا للدورة البرلمانية لافتا إلي أن فض الدورة يكون بقرار جمهوري لافتا إلي أنه بعد الاستفتاء سيعود المجس للانعقاد ثم يتم فض جلساته بقرار جمهوري ثم يصدر قرار جمهوري بدعوته لدورة جديدة بصلاحيات جديدة وإذ حاز الدستور علي موافقة الشعب في الاستفتاء سيكون أعضاء مجلس الشوري مسئولين عن التشريع في هذا الوقت الحرج. وتشمل مواد مجلس الشوري أربعة مواد في الدستور الجديد من المادة 128 حتي المادة 131وكانت المادة "131" قد حظيت بأكبر نسبة اعتراض من أعضاء الجمعية أثناء المناقشات في جلسة الموافقة النهائية علي مشروع الدستور، حيث اعترض عليها 15 عضواً ووافق عليها 70 عضواً، وكان اعتراض الأعضاء عليها بسبب أن المادة نصت علي أن رئيس الجمهورية يعين عدداً لا يزيد علي عشر عدد الأعضاء المنتخبين وهو ما يعني أن عدد المعينين سيكون 15 عضواً إذا كان عدد أعضاء مجلس الشوري 150 وإذا زاد تزداد المادة. وطالب المعترضين ومنهم د. محمد محيي، بأن يكون عدد المعينين عشرة أعضاء فقط وليست نسبة العشر، وقال إن تحديد نسبة العشر تجعلها كتلة في يد رئيس الجمهورية يستغلها، مؤكدا أن لجنة نظام الحكم كانت مقترحة ان تكون نسبة التعيين عشرة أعضاء. إلا أن الدكتور حسين حامد عضو لجنة الصياغة، قال إن لجنة الصياغة جاء لها مقترحان أن تكون نسبة التعيين عشر أو عشرة أعضاء فاخترنا أن تكون عشر وبرر ذلك بأن المادة نصت علي أن يشكل مجلس الشوري من عدد لا يقل عن 150 عضواً، وبالتالي من الممكن أن يزيد العدد في بعض الأحيان إلي 200 أو أكثر ورأينا أن تكون نسبة التعيين مرنة مرتبطة بعدد الأعضاء وليست محددة برقم معين،