لم يعد يشعر بالنشوة وهو يحيل بياضها لحروف وسطور يسكب فيها ما يجيش به الصدر ويهم العقل.. لم يعد قادرا علي أن يشعلها تارة غضبا وتارة أملا وأخري يأسا.. لكنه الآن عاجز حتي عن الشكوي عن الصرخة عن كشف مايخبيئه بمخزون الأحزان. قلمي كره الكلمة وعشق خطوطا يرسمها بلا معني.. أحيانا تتجمع لتبدو علي شكل واحد أقرب للقارب هل هي رغبة في الرحيل.. لكن ممن وإلي أين؟! من الزمان ربما.. من المكان.. محتمل.. من الحياة كلها.. هذا هو المؤكد. قلبي مهموم بالوطن.. ووطني يسكنه الأحزان ومحاط أيضا بالأحزان. بجنوبه بلد مقسوم.. شبح الفرقة يتربص أخشي أن تصيب عدواها الجميع فلا يبرأ أي بلد عربي منها. علي غرب بلادي رائحة الدم مازالت تئن بها الأرض تدفع ثمنا لحاكم مجنون.. رحل لكن الوطن المنكوب مازال يتحمل تبعات مجونه. أما علي شرق بلادي فالحزن هناك أضعاف.. عدو يدمن لعبة الموت.. ينتشي بجثث الأطفال.. مصاص دماء تطربه الصرخات وأنين الجرحي.. شره يلتهم الأرض يعربد فيها ويدمر أصحاب الحق. أحزان الأخ تزيد الهم.. يتضاعف ألمي علي بلادي وأنا لا أري ثمة ضوءا في نفق مظلم تسير فيه منذ سنوات.. تخبط ومتاهة وجدل عقيم لايفضي لشيء.. وكوارث تتري ما إن تنتهي إحداها حتي تصدمنا أخري بلطمة أعنف.. أرواح برئية يخطفها الموت.. تنتزع معها الرغبة في الحياة.. نبكيهم بحرقة ونبكي معهم قلوب آباء وأمهات قدر عليها أن تعيش بقية حياتها تجتر لوع الفقد والحرمان من ضي العين وفلذات الأكباد. ومن كارثة قطار راح ضحيتها شهداء أبرار ضحية الإهمال لمأساة شهداء ثورة هم ضحية الفساد والقهر والاستبداد دفعوا حياتهم لبناء نظام جديد.. حلموا بمصر كما يجب أن تكون.. لكنهم راحوا ولم تصبح مصر بعد كما أرادوا لها.. تري هل تتعذب أرواحهم لأن دماءهم ذهبت سدي؟! من المؤكد أنها مازالت تنتظر القصاص؟! تتألم كلما سمعت عن صفقات التصالح.. تصب اللعنة علي من غض الطرف عن قاتليها ويملؤها الغضب أن أحدا من الفاسدين والقاتلين لم ينل عقابه. من المؤكد أن آلامهم تتزايد بعد الإعلان الدستوري الذي أعطي الرئيس سلطة فرعون وفتح الباب لميلاد ديكتاتورية لم تقم الثورة إلا لإسقاطها. ومن المؤكد أن أنات المصابين أيضا تتعال بعدما رأوا أن تضحياتهم بعيونهم وجراحهم لم تصب إلا في صالح جماعة تمكنت واستقوت وصمت الآذان بعدها عن أحلام الثورة وأهدافها. ميزان العدل المختل يفتح أبواب الجنون.. ربما رحمنا الله بلطفه قبل الثورة.. لكن لم يعد بمقدورنا تحمل المزيد بعد الثورة.. لم يعد بمقدرونا الاستمرار في حالة الاغتراب.. لم يعد بمقدرونا تحمل مزيد من التخبط والتوهة.. ثمة شيء مايجب أن يحدث.. ربما موجة أخري من الثورة.. تعيد التوازن وتصحح الأخطاء وتبدأ من جديد بخطوات أكثر ثباتا وثقة وأكثر تداركا للأخطاء. وربما تحدث نوبة صحيان لمن يقودون البلاد الآن فيدركوا مايدفعوننا إليه من كوارث.. ويعيدوا حساباتهم وتحركاتهم قبل فوات الأوان. ربما يدركون أن بلادنا علي شفا الهاوية.. ولم يعد بمقدورها تحمل ترف الاختلاف والفرقة والانقسام. ربما يدرك الرافعون لراية شرع الله أن أول ما يأمرنا به هو العمل وإعمال العقل وأن نأكل من عمل يدنا لا نتسول ولا نقترض من الآخرين.. ولاسبيل لذلك بالطبع إلا بنهضة حقيقية للبلاد وليس مجرد شعار نرفعه لزوم الانتخابات.. شرع الله يأمرنا بالتلاحم وأن نصبح يدا واحدة حتي نستحق منه المدد والعون وتكون يده العظمي فوق أيدينا لاتنحاز لجماعة تتوجه إليها بالحديث وتنكر أصواتاً أخري معارضة وعودة قمعها بالعنف. لا أعرف كم من الوقت يمكن أن يمضي قبل أن يدرك هؤلاء حجم الخطر؟ ولا كم من الكوارث يجب أن نتكبدها حتي ينتبهوا أن الوطن هالك لا محالة إذا ما استمرت الأمور علي ماهي عليه؟! لا أعرف كم من الضحايا يجب أن يتساقطوا حتي يعي هؤلاء أن نزيف الوطن قد يفضي لسقوطه لا قدر الله. النظام مسئول عن تلك الحالة من اليأس والإحباط بل والاغتراب أيضا حالة رصدتها من سنوات قبل الثورة وترجمتها بكلمات: كنت أظن بعد الثورة أنني لن أرددها لكن للأسف أجدني الآن أعود إليها بقوة وأقول: قبل غربتنا بسنين كنت واحد م اللي دابوا في سحرها مسكون حنين عاشق ترابها ويا ناسها وأرضها لايوم قدرت علي بعاد ولا خدني يوم منها عناد وعمري عشته في قلب نيلها وحضنها إيه اللي خلاني أحس فيها باغتراب حلمي اللي طال بمجدها وهم وسراب طريقي ليه من كام سنة مرزوع خراب بيني وبينها ألف سور سكنه الدياب لاصوتي عاد يوصلها ولاهمي أصبح همها ولا عاد واصلني نبضها ولا عدت حاسس بالأمان جوايا يصرخ ميت سؤال ليه متنا ليه قبل الأوان وما عاد لناش فيها مكان وفقدنا ليه طعم الوطن
متي يعود لنا طعم الوطن.. أتمني أن يعود قبل أن يأذن لي ربي بالرحيل.