تحالف نتنياهو وليبرمان للإطاحة باليسار غزة تعيش أسوأ أيامها.. قسوة القصف الإسرائيلي فاقت كل التصورات، الشهداء يتساقطون والجرحي يتزايدون، مع استمرار أكبر وأخطر قصف جوي لم يشهده أهالي القطاع منذ عملية "الرصاص المسكوب" عام 2008 ومع احتمالات التصعيد بغزو بري المفترض أنه قيد التنفيذ بعد الضوء الأخضر الذي حصلت عليه تل أبيب من واشنطن وإعلان الإدارة الأمريكية دعمها لهم.. مجازر إنسانية جديدة وجرائم حرب وإبادة للفلسطينيين يرتكبها الكيان الصهيوني وجنرالاته بدم بارد لتحقيق مكاسب سياسية علي حساب أشلاء ودماء الغزاويين، فلا يمكن تجاهل قواعد لعبة السياسة والحرب خاصة بعد إعلان حزب "الليكود" بزعامة بنيامين نتنياهو، وحزب "إسرائيل بيتنا" المتطرف بزعامة وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان تحالفهما من أجل الفوز علي اليسار في الانتخابات المقبلة. فالحكومة الإسرائيلية بقيادة اليمين، وعلي رأسها نتنياهو أرادت تدعيم حصتها في الانتخابات البرلمانية القادمة عبر شن عمليات عسكرية علي قطاع غزة تقلص من خلالها قدرات حركة حماس وتمنعها من قصف إسرائيل بصواريخ قرب موعد الانتخابات، حتي لا تقلص من حظوظ اليمين في هذه الانتخابات، وتري حكومة الليكود أن حماس باتت تستقوي بالأنظمة الجديدة في منطقة الربيع العربي خاصة في مصر، ومن ثم كان مهماً لتل أبيب ضرب حماس لإسقاط رهان الاستقواء بهم. فالحرب علي غزة، وبعد الارتياح إلي الموقف الأمريكي، بالالتزام مع إسرائيل بالدفاع عن نفسها وأن هذا أمر ثابت، وأن لا وجود لأي مشكلة بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، ستكون الحرب امتحاناً لمصر، ونظامها الحالي في ظل حكم الإخوان المسلمين. ومن وجهة نظر نتنياهو أن هذه الحرب سترفع من أسهمه عند الرأي العام الإسرائيلي، وتصرف نظر الإسرائيليين عن القضايا الاقتصادية والاجتماعية الساخنة التي تعاني منها الدولة العبرية، والتي هي نقطة الضعف القاتلة ربما بالنسبة لاحتمالات تشكيله للحكومة المقبلة، وتجعل المواطن الإسرائيلي يضع نصب أعينه قضايا الأمن والتهديدات الخارجية، التي يراها نتنياهو المخرج لتحقيق مكاسب انتخابية. ولم تكن إيران المقصودة هذه المرة، وإنما قصف غزة حيث تبقي حماس الأسهل علي المستويين المادي والسياسي، بهدف جعل الرأي العام الدولي، يعطي إسرائيل الحق في الدفاع عن النفس في مواجهة الصواريخ الفلسطينية. فما يحدث الآن ما هو إلا تكرار لسيناريو حرب نهاية عام 2008 التي لم تنجح فيها الحكومة الإسرائيلية آنذاك، بزعامة إيهود أولمرت وإيهود باراك، بل انقلبت عليهم نتائجها، فحزب "كاديما" وائتلافه الحكومي الذي خاض حملة "الرصاص المسكوب" في يناير 2009 لأغراض انتخابية، خرج في محصلة الحملة بهزيمة سياسية، رغم أنه بقي في الترتيب الأول لانتخابات الكنيست السابقة، حيث استطاع الليكود، الذي حل في الترتيب بالمركز الثاني، أن يشكل ائتلافاً يمينياً. ويأتي تحالف نتنياهو وليبرمان الذي أحدث زلزالاً في الساحة الحزبية والسياسية في تل أبيب، والذي لم يتوقعه حتي أقرب المقربين إلي نتنياهو، ليؤكد الهدف من وراء هذا القصف والتصعيد علي غزة. فإعلان نتنياهو خوضه الانتخابات بكتلة واحدة مع ليبرمان كانت محركاً قوياً للمعركة الانتخابية في اسرائيل، تعد قنبلة سياسية تثير مخاوف من حرب، بحسب وصف بعض المحللين. فليبرمان الذي خاض مع نتنياهو علي مدار ثلاث سنوات معارك كثيرة تجاوز فيها صلاحياته في بعض القرارات والتصريحات وتمرد علي نتنياهو بل وتجاهله كلياً في بعض قراراته، هذا الوزير الخصم لنتنياهو، بات بين ليلة وضحاها شريكه في الانتخابات وشريكه في الحفاظ علي أمن إسرائيل والإسرائيليين ومنع ايران من امتلاك أسلحة نووية ومواجهة التنظيمات الإرهابية، علي حد وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي. وبالرغم من هذا، فإن الحقيقة التي كشفت أمام الإسرائيليين أن نتنياهو يريد أن يعود إلي كرسي رئاسة الحكومة بأي ثمن، حتي لو كانت حربا جديدة علي غزة، نظراً للمعروف عن ليبرمان، الرجل الثاني في القوة والنفوذ، فهو يتم دفع نتنياهو باتجاه سياسة القوة، علي حد قول "ألوف بن" الخبير في الشئون السياسية. خاصة بعد التهديد الذي لوح به رئيس الوزراء الإسرائيلي في جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية مطلع هذا الأسبوع، باستعداد جيش الاحتلال لتوسيع رقعة عملياته العسكرية في قطاع غزة بشكل ملموس واجتياحه بشكل كامل للقطاع، وبهذا التحالف والتهديد يكون قد خلع القناع الذي ارتداه في الانتخابات السابقة ولم يعد ذلك الرجل السياسي والقائد اليميني وسيفقد ما كان يظهره من اعتدال في سياسته. ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عن نتنياهو أن قوات الجيش الإسرائيلي هاجمت حتي الآن أكثر من ألف هدف لتنظيمات فلسطينية في القطاع وهي تواصل عملياتها وتكبد حركة حماس والتنظيمات الأخري ثمناً باهظاً. ومع انطلاق اتصالات للتوصل إلي وقف لإطلاق النار، تلعب فيها مصر ورئيسها دوراً محورياً، إلي جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فيما يواصل نتنياهو في المرحلة الحالية الاعتماد علي إجراء اتصالات مع أطراف دولية مختلفة في مقدمتها أوباما، والمستشارة الألمانية ميركل، في سعي لتخفيف حدة الضغوط علي إسرائيل وضمان شروط اتفاق وقف إطلاق النار لا يظهر انتصاراً لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، أشار شمعون شيفر، المحلل السياسي الإسرائيلي، إلي مأزق تل أبيب التي لم يعد أمامها خيار غير التهدئة طويلة الأمد، بعد أن استنفدت طاقتها في عمليات القصف الجوي، وإدراكها أنه لا يمكن مواصلة العدوان بالطريقة الحالية المتمثلة بتبادل إطلاق الصواريخ من القطاع مقابل قصف جوي من قوات الاحتلال. وبحسب شيفر سيضطر نتنياهو في الأيام القريبة القادمة الرد علي الاقتراحات المصرية لوقف إطلاق النار، وسيكون عليه أن يسأل نفسه هل يمكن التهدئة ووقف إطلاق نار سبق أن تم خرقه أكثر من مرة في السابق مقبولا علي الإسرائيليين أم لا. وأكدت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن إسرائيل لن تنال السلام والأمن من خلال الحروب التي لا نهاية لها مع النشطاء الفلسطينيين، والنتيجة الحتمية لعدم وجود اتفاق السلام، هي الموت والدمار، فقد فشلت عملية الرصاص المسكوب في حل أي من القضايا الخاصة بأمن إسرائيل ولم تفعل شيئاً لإضعاف قبضة حماس علي السلطة في غزة. ولكنها فضحت إسرائيل وعرضتها لإدانة دولية لم يسبق لها مثيل بشأن استهدافها الأهداف المدنية وغير العسكرية، وجرائم الحرب المزعومة، والاستخدام المفرط للقوة، كما أن أولئك الذين يطلقون الصواريخ من غزة، أو يؤيدون مثل هذه الهجمات، يجب أيضاً أن يكونوا مسئولين عما يعرفونه جيداً، وهو الرد الإسرائيلي، الذي غالباً ما يدفع ثمنه في المقام الأول، الفلسطينيون الأبرياء.