ستغمر الدهشة غالبية الساسة في مصر، وفي الدول العربية، إذا ما عرفوا أن "ملل الأمريكيين من الانتخابات" هو أخطر ما يهدد المتنافسين الرئيسيين في معركة الوصول إلي البيت الأبيض؛ الرئيس الحالي والمرشح الديمقراطي، باراك أوباما، ومنافسه العنيد، الجمهوري، ميت رومني. بينما ستكون الدهشة أكبر إذا ما اكتشف البعض أن المنافسة علي اقتناص كرسي الحكم في الولاياتالمتحدةالأمريكية، تستدعي تكوين مجموعات عمل من المتطوعين، لإجراء ملايين الاتصالات الهاتفية بالمواطنين، أو زيارتهم في منازلهم، وحثهم للتصويت لمرشح بعينه، في محاكاة شبه متطابقة لما تقوم به أحزاب جماعة الإخوان المسلمين، في مصر، وبعض القوي السياسية الأخري، خلال مواسم الاستحقاقات الانتخابية.. باستثناء أن الزيارات والاتصالات الأمريكية لا ترتبط قطعاً ، كما يحدث في بلدنا، بالرشاوي الانتخابية. الرجلان، يواجهان عزوفاً كبيراً من قبل الناخبين الأمريكيين علي الإقبال علي التصويت، بسبب تفاقم الأوضاع الاقتصادية وترديها، ومن ثم فإن انشغال كل منهما بحملته الانتخابية، وضرب منافسه في مقتل، في مختلف القضايا الداخلية والخارجية، لم ينسهما السعي بجد لتخطي تلك العقبة. أوباما، من جانبه، أبي أن تمر تلك المشكلة دونما تدخل حاسم، ومن ثم قرر، وفي سابقة هي الأولي من نوعها لأي رئيس أمريكي، بث الحماسة وسط أنصاره، وحثهم علي التصويت المبكر، بأن بادر هو بالإدلاء بصوته في الانتخابات، بمركز انتخابي في مدينة شيكاغو بولاية إيلينوي، قبل نحو 11 يوماً كاملة علي موعد الاقتراع (6 نوفمبر)، بينما كانت زوجته قد سبقته في ذلك بنحو 01 أيام أخري. الرئيس الأمريكي لم يخف هدفه من التصويت، وقال نصاً نهاية الأسبوع الماضية "لا داعي للانتظار، إنني احتاج تصويتكم مبكراً". ولم تكن حملة رومني بعيدة عن مزايدة التصويت المبكر، إذ حث بول ريان نائب الرئيس "المحتمل"، الناخبين للتوجه فوراً لمراكز التصويت. ومن المعلوم أن نحو 23 ولاية أمريكية من أصل05 ولاية، تتيح فرص الاقتراع المبكر، في حين تجيز الولايات الأخري حق التصويت بالبريد قبل الموعد المحدد للانتخابات فقط. في المقابل لم تترد الحملتان في تكوين مجموعات عمل، من المتطوعين، وأعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي، للدعاية لكل مرشح في الشوارع والميادين، وأمام الجامعات، وعبر نوافذ التواصل الاجتماعي، مع تحويل بعض مقرات الحملتين لمراكز اتصالات، تهدف للتواصل مع المواطنين، الذين يتم الاتصال بهم بشكل عشوائي، من أجل حثهم علي المشاركة في الانتخابات، وعدم مقاطعتها، من جهة، ومن جهة أخري توجيههم لمساندة مرشح محدد، ناهيك عن انتهاج مجموعات أخري، تابعة للحملتين لسياسة طرق الأبواب، وزيارة المواطنين في البيوت، للأسباب نفسها. حملة أوباما اعترفت، في هذا الصدد بأنها أجرت اتصالات بنحو 04٪ من ناخبي الولاياتالأمريكية الكبري والرئيسية، مثل نيويورك، وفلوريدا، وغيرهما، بينما اكتفت حملة رومني بالاتصال، بحوالي 53٪ من ناخبي الولايات ذاتها. في أحد مقرات حملة رومني في مدينة فيلادلفيا، بولاية بنسلفانيا، حيث تواجد نحو 01 متطوعين لإجراء اتصالات تليفونية بالناخبين، قال من عرف نفسه ل"آخر ساعة" ب"جون" فقط، إنه متطوع، ويدرس العلوم السياسية، معتبراً أن عمله في حملة رومني يرجع إلي أنه "مولود كجمهوري، ومبادئ الحزب الجمهوري تسري في دمه"، مشدداً، علي أنهم يرصدون اتجاهات التصويت، إلي جانب دعايتهم لرومني. بينما قالت متطوعتان شابتان في حملة أوباما، فضلتا عدم ذكر اسميهما، كانتا متواجدتين أمام جامعة، بنسلفانيا، إنهما يقومان بتوزيع البيانات علي المواطنين، لدعوتهم للتصويت والتبرع للرئيس الأمريكي وحملته، مشددة علي أنهم يركزون في عملهم هذا، علي الولايات الحاسمة، مثل، فلوريدا، وكولورادو، وميتشيجن، ونيو مكسيكو، ونورث كارولينا، وأوهايو، وبنسلفانيا، وفرجينيا، وويسكونسن. كان الخبير في شئون الحكم الفيدرالي، أكرم إلياس، قال ل"آخر ساعة"، إن نجاح المرشح في أمريكا، يعتمد في المقام الأول، وحتي بداية الانتخابات التمهيدية في حزبه، علي جمع أكبر قدر من التبرعات، وكلما اتسعت قاعدة المتبرعين له، كلما تضاعفت الكتل التصويتية المرشحة لمساندته،، وقال "علي عكس الدول العربية والشرق أوسطية، في أمريكا الناخب هو من يدفع الأموال والتبرعات للمرشح، لا العكس. وإذا ما لجأ أي مرشح لأمواله، سيخسر حتماً، فيما أن الدستور الأمريكي يعتبر حق التبرع بالأموال نموذجاً لحرياً التعبير". ولا تخلو المنافسة الشرسة بين أوباما ورومني، من عمليات تشويه متبادلة، وتفنيد كل منهما لبرامج وخطط وتصريحات الآخر، وربما تأويلها. هنا يأتي دور منظمة "فاكت تشيك"، وهي منظمة صحفية غير ربحية ومستقلة، تراقب وكما قال نائب مدير التحرير فيها، روبرت فارلي، ما تقوله الشخصيات السياسية الأمريكية الكبري في شكل إعلانات علي شاشات التلفزيون، وفي المناظرات، والخطابات، والمقابلات والتصريحات الصحفية. فارلي، قال ل"آخر ساعة"، نسعي لتوضيح الحقائق، وزيادة معرفة الجمهور ومضاعفة وعيه وفهمه، لما يدور حوله. ولعل افتقاد الشعب الأمريكي لحماس الانتخابات، كان دافعا لأوباما ورومني، علي حد سواء، بحسب أكرم إلياس، للتركيز علي قضايا الشأن الخارجي، التي لا يهتم بها نحو 89٪ من الشعب الأمريكي، لحث شرائح أخري مهمة علي المشاركة، لا تزيد نسبتها علي 2٪ فضلاً عن محاولاتهما كسب أصوات الأقليات، ما ينعكس في تركيز أوباما علي أصوات اليهود الأمريكان، وتحديداً في فلوريدا، حيث يصوتون بنسبة 79٪ في الانتخابات، وعلي الأرجح للديمقراطيين، الأمر الذي يفسر الهجوم الحاد لرومني علي إدارة البيت الأبيض الحالية، بشأن ما يعتبره تقصيراً في ملف أمن إسرائيل والصراع بين تل أبيب وطهران، فيما بدا أن الرئيس الأمريكي الحالي قد أجبر علي "إقرار" دعمه الكامل لحقوق المثليين، خاصة أن 58 إلي 68٪ منهم يشاركون بفاعلية في عمليات التصويت، فضلاً عن تركيزه علي قضايا الصحة والمرأة، وأحقيتها في الحصول علي أدوية ووسائل منع الحمل دونما عناء، علي أمل قنص الصوت النسائي. علي الضفة الأخري، فإن الأمريكان العرب، ممن يرتكزون بشكل مكثف في أوهايو، وماساتشوستس، وفلوريدا، وكذا في تكساس وبنسلفانيا، وكاليفورنيا، لا يمثلون ربما ثقلاً كبيراً، صحيح أن "اللوبي الداعم للقضايا العربية، يزداد تأثيره، لكن الفجوة لا تزال كبيرة بينه وبين اللوبي المؤيد لإسرائيل مثلاً"، علي حد تأكيد إلياس ل"آخر ساعة". وبحسب إلياس أيضاً فإن الصراع الحقيقي بين أوباما ورومني، سينحصر في الولايات الصغري والمتأرجحة، أو التي تشهد خلافاً علي قضايا ساخنة، مثل فلوريدا، حيث تشتعل منافسة شرسة بين الرجلين علي أصوات اليهود، في حين لا يتفوق أوباما إلا بعدد قليل من النقاط، ربما يتسع لاحقاً، في ولايات نيفادا، وكولورادو، وفرجينيا، ونورث كارولينا، وأوهايو (الأخيرة لم يوجد مرشح جمهوري خسرها أبداً)، والتي بات يضيق الخناق فيها بشدة علي أوباما. يشار إلي أن أصوات الولايات تذهب للديمقراطيين خلال الأربعة استحقاقات انتخابية الماضية تقريباً في الساحلين الشرقي والغربي لبلاد العم سام، والتي تستند علي تراث ليبرالي، وتكتظ بالملونين والسود واليهود، وقلة في سكان الريف، في حين أن الاعتماد الأكبر لأي رئيس ديمقراطي يكون علي الولايات الأربع الكبري كاليفورنيا وبنسلفانيا وإيلينوي ونيويورك. بينما تعد ولايات الجبل الغربي والجنوب الأمريكي، حيث يعيش العمال البيض والإنجيليون (المسيحيين المبشرين) والمحافظين والريفيين، مضمونة للجمهوريين، مثلما هو الحال في تكساس. وعليه تبقي فرص فوز المرشح الديمقراطي أكبر من منافسه الجمهوري، خلال العشرين عاماً الماضية، فكان مجموع أصوات الولايات التي ذهبت علي الدوام للأول حوالي 242 صوتاً، مقابل 801 أصوات فقط للثاني، ما يعني أن المرشح الديمقراطي يحتاج فقط 82 صوتاً إضافياً، للفوز بالانتخابات بينما يجبر الجمهوري علي قنص 261 صوتاً أخري. وفي لقاء عبر سكايب ل"آخر ساعة"، في واشنطن، أجرته مع جون زغبي، المتواجد في نيويورك، وهو مؤسس "استطلاع زغبي للرأي"، قال إن أوباما يعتمد في جذب الأصوات علي أربع شرائح هي: الأمريكيون اللاتينيون والإسبان، حيث إن عددهم يزيد من انتخابات لأخري، وهم يمثلون تقريباً نحو 11٪ من القوة التصويتية، ويتوقع أن ينال نفس النسبة التي حصل عليها من أصواتهم في انتخابات العام 2008 والتي بلغت الثلثين. إضافة إلي أصوات الأفارقة الأمريكان، ويبلغ عددهم 12٪ من السكان، و90٪ من المصوتين من بينهم يمنحون أصواتهم للديمقراطيين، بينما نال أوباما نفسه 95٪ من أصواتهم في الانتخابات الماضية، وهي النسبة نفسها التي ينتظر أن ينالها العام الجاري أيضاً. هناك أيضا شباب المصوتين تحت 30 عاماً، وطبقة المبتكرين والمبدعين في مجال الأعمال الاقتصادية. وهما شريحتان يضمن أوباما تصويت نسبة كبيرة منهما لصالحه. علي الضفة الأخري، يعتمد رومني، كسائر الجمهوريين، بحسب زغبي، علي أصوات البيض، الذين يمثلون نحو 74٪ من المصوتين، وفق انتخابات 2008 والمسيحيين المبشرين (الإنجيليين)، غير أن بعضهم لن يصوت له، باعتباره مارونياً، إلي جانب رواد محال "وول مارت"، الذي يعد "أرخص" متجر في الولاياتالمتحدةالأمريكية، ويجذب ملايين المواطنين، وهم يصوتون عادة للجمهوريين. وعموماً يصوت الأمريكيون لصالح الرئيس المنتهية ولايته الأولي، ولم يستثن من تلك القاعدة، إلي جانب خروج الرئيس نيكسون بسبب فضيحة ووتر جيت، سوي جيمي كارتر، بعد فشله في قضية السفارة الأمريكية في طهران، وجورج بوش الأب، جراء الأزمة الاقتصادية الحادة، بينما شدد زغبي، علي أن تقارب نسب تقدم المنافسين، أوباما ورومني، علي بعضهما البعض في معظم استطلاعات الرأي، يعكس شراسة المنافسة، كما أن الاختلافات الطفيفة في استطلاعات الرأي، ونسبها، يعني أنها أقرب للحقيقة والواقع. يأتي هذا بينما ودع عدد كبير من المدن والولاياتالأمريكية، التصويت والعد الورقي. الناخبون يتوجهون إلي مراكز اقتراع، تحتوي علي كبائن تضم لوحة مفاتيح عليها أسماء المرشحين، بحيث يقوم كل ناخب بالضغط علي خانة المرشح الذي يريده، ومن ثم يتم تسجيل صوته، وكذا تسجيل الأصوات الأخري من المصوتين، في ذاكرة خاصة بالكابينة، يتم، مع نهاية يوم الاقتراع فصلها، بمعرفة الشرطة، قبل أن يتم نقلها في حراستها، إلي مراكز العد والفرز وكتابة محاضر النتائج، والتي يتولاها قضاة وموظفون منتخبون من قبل سكان كل مدينة أو مقاطعة دون تدخل من السلطة الفيدرالية، أو سلطات الولاية من قريب أو بعيد. دنيس لي، وهي مسؤولة عن العملية الانتخابية في فيلادلفيا، أنها تم انتخابها من قبل المواطنين، ولا يتدخل أحد في عملها من قريب أو بعيد، مشيرة إلي أنه يتواجد في مدينتها فقط، نحو 0071 مركز اقتراع إلكتروني الذي يمنح الانتخابات والنتائج الدقة، ويحقق لها السرعة. ورغم ذلك شدد لي علي أن الانتخابات، لا تزال فعلا من لحم ودم، بالإشارة إلي ضرورة الاعتماد علي توجه الناخب إلي مركز الاقتراع، أو إرسال خطاب بصوته، مشددة علي أن الولاياتالمتحدة لم تعتمد حتي الآن علي نظام التصويت بالإنترنت، مستشهدة بعمليات الاختراق التي تحدث لحسابات البنوك، وسرقة أموال المصارف عبر الإنترنت، ومن ثم قالت "إلي حين تأمين أموال البنوك، لا تصويت عبر الشبكة العنكبوتية". المفارقة، أن لي أشارت إلي أن قاعدة بيانات الناخبين، في الولاياتالمتحدةالأمريكية، تعاني من بعض المشاكل التي تتعلق بعدم تحديثها دوماً، بحيث يتم إضافة البالغين ممن أتموا 81 عاماً، وحذف الوفيات منها، معتبرة أن القائمة الانتخابية في ألمانيا أكثر تقدماً من الولاياتالمتحدة. انتهي كلام لي هنا.. لكن يا تري ماذا عن قوائمنا الانتخابية نحن في مصر وبلادنا العربية؟!