طبعاً من حقك أن تندهش، أن يكون أحد أهم أفلام هذا العام من إنتاج السبكي! لقد علمتنا الأيام أن الأحكام المطلقة لاتجوز إلا بين الحمقي، فقد اعتدنا أن نتهم أفلام السبكي بإفساد الذوق العام والميل للتركيبات الفنية الرخيصه والركيكة، وقد أنتج الكثير منها فعلاً، حتي أصبح اسمه في فتره من الوقت مرادفاً للأفلام الرديئة، ولكن يبدو أن البعض لا يعرف ان السبكي ليس شخصا واحدا، ولكنها عائلة مكونة من شقيقين وأبناء، وأن أحمد السبكي الشقيق الأكبر له سابقة أعمال تضم أفلاما حققت نجاحا فنيا وتجاريا مثل كباريه، والفرح، واحد صحيح، وأخيرا فيلم ساعة ونص! وهذه الأفلام تغفر له ماتقدم من ذنوبه الفنية وما تأخر منها، وتجعلنا ننظر إليه أحيانا بمنظار مختلف، يمنحه قدرا من التقدير والثقة! فيلم ساعة ونص يذكرنا بشكل أو بآخر بفيلم تم إنتاجه من أكثر من عشرين سنة، كان يحمل اسم القطار، أخرجه أحمد فؤاد، من بطولة نور الشريف وميرفت أمين وأمين الهنيدي ونبيلة السيد، وكانت فكرته تقوم علي انطلاق قطار إلي مصيره الحتمي وهو التصادم مع قطار آخر حيث تعرض سائقه للقتل بعد شجار مع آخر، وبالطبع كان القطار يحمل مجموعة متنوعة من الشخصيات لكل منها حكاية، وقد أصبح الجميع علي مشارف حادث مأساوي، لولا تدخل العناية الإلهية، وتم إرسال طائرة هليكوبتر لإنقاذ القطار ومن عليه، ونظرا لوجود نور الشريف بين ركاب القطار كان لابد أن يساهم في عملية الإنقاذ لأنه البطل، وهي إحدي سقطات الفيلم، في كثير من الأحيان يكون وجود النجم عبئا علي العمل الفني، وليس ميزة! وفي ساعة ونص تعمد كاتب السيناريو أحمد عبدالله أن يكون الحدث هو النجم، ولذلك شعر المخرج وائل إحسان بكثير من الحرية والارتياح، في اختيار الأبطال، فالأدوار لاتزيد مساحتها عن عدة مشاهد، أقل من أصابع الكفين، ولكنها تلخص حاله إنسانية متكاملة الأبعاد، ومع ذلك فقد جاء اختيار مجموعة من الممثلين كانوا في أفضل حالاتهم، حتي أولئك الذين يجب أن تنتظر منهم خيرا قدموا أداء ملفتا. مع اللقطات الأولي يقدم الفيلم في بلاغه المعني الذي يريد أن يصل له في النهاية، إناء ضخم مليء بالزيت المغلي يستخدم لعمل الفلافل "طعمية"ومع الاهتمام بتفاصيل تلك العملية بداية بسحق الفول الناشف في مطحنة وعجنه بمواد أخري، وكأنه تشبيه بلاغي لحال المواطن المصري الذي تسحقه آلة جهنمية، ثم والأهم من ذلك أن أقراص الفلافل في النهاية يتم وضعها في ورق جرائد، ربما تحمل أخبارا مفزعة وأحداثا مؤسفة عن نهايات مفجعة لمجموعة من البشر، ماتوا في حاث غرق أو حادث قطار، أو في مظاهرة، المهم أنهم ماتوا وأصبحوا خبرا في جريدة، تصبح في اليوم التالي بلا قيمة واستخدامها الوحيد أن »يتلف« فيها أقراص الطعمية! ربما يكون حادث قطار الصعيد، هو مصدر الإلهام أو نقطة البداية التي ارتكز عليها مؤلف الفيلم أحمد عبدالله، ولكن معظم شخصيات الفيلم من وحي خياله، فهي شخصيات تعبر عن مجموعة من المواطنين البسطاء المنهكين من كثرة الفقر والإحباط، هم ركاب الدرجة الثالثة في القطار، أما مسرح الحدث فهو محطة القطار، ثم القطار نفسه الذي تدور داخله معظم الأحداث، ويستغرق الفيلم في استعراض بعض النماذج من الركاب، بينهم تلك العجوز التي تركب القطار "كريمة مختار" وهي تبحث عن ابنها، الذي أوهمها أنه سوف يركب معها، وحقيقة الأمر أنه أراد أن يتخلص منها، وترك في يدها ورقة يرجو فيها من يجدها أن يدعها دار المسنين، لأنه عجز عن تدبير نفقاتها، ولأنها لاتجيد القراءة، تطلب من بائع الكتب المتجول في القطار أن يقرأ لها ماتركه ابنها، فيتردد الشاب "إياد نصار" في إبلاغها بالحقيقة ولكنه يعدها أن يظل جوارها حتي تعثر علي ابنها أو تعود من حيث أتت، وهو يهرب من مأساته الشخصية، التي حولته من شاب مثقف وشاعر في الجامعة إلي بائع سريح للكتب الرخيصة التي تباع لركاب القطارات، أما عسكري الشرطة "ماجد الكدواني" الذي يقتاد شابا متهما بعمل فعل فاضح في الطريق العام، فهو نموذج آخر وضحية أخري للفقر والجهل، وينحصر همه الأكبر في البحث عن زوج لشقيقته العانس، ويجد في الشاب المتهم "أحمد الفيشاوي" فرصة يحاول أن يقتنصها، رغم أنه لا يوافق علي أخلاقيات الشاب، ويؤمن أنه أتي بجريمة شنعاء عندما قبل فتاته الأجنبية في الشارع، ومع ذلك فهو لايمانع في أن يكون هذا الشاب عريسا محتملا لشقيقته! كما يضم القطار زوجا صعيديا شابا " فتحي عبد الوهاب" وزوجته الطبيبة المثقفة "يسرا اللوزي"، التي تشعل نار أحقاده وتشعره دون أن تقصد بالنقص وقلة القيمة حيث نالت قدرا من التعليم بينما ظل هو متواضع القيمة لايملك إلا سطوته عليها، فيتعمد إهانتها وإذلالها! ثم نموذج آخر لاثنين من الشباب العائدين من ليبيا كل منهما عاد خائبا بعد أن بدد آمال اسرته، وهما يتمنينان ألا يصل القطار خوفا من مواجهة الأهل بالفشل الذي حققاه، مضافا لتلك الشخصيات قهوجي القطار أحمد السعدني الذي يحمل طفله الوحيد معه بعد وفاة زوجته، ويتحايل علي كسب رزقه بعمل الشاي لركاب القطار!! كل هؤلاء يصبحون فجأة في مواجهة الخطر، بعد أن يقوم بعض الأشقياء "محمد إمام " وأحمد فلوكس بسرقة القضبان، بينما الموظف المختص بمراقبة الطريق والإبلاغ عن أي خطر محتمل يمكن أن يواجه القطار "أحمد بدير" غارق لأذنيه مع مشاكل ابنته التي تستعد للزواج ولايجد نقودا تكفي لجهازها، ومن جانب آخر مشاكله مع زوجته الشابة والشرهة للجنس "سمية الخشاب" التي لاتكف عن معايرته بفقره وقلة حيله! يندفع القطار بسرعة جنونية علي القضبان، ويفشل من يحاول إنقاذه في التصرف، وتكون النتيجة الحتمية انقلاب القطار وضياع كل من عليه، في حادث مروع تتناقلة الجرائد، التي تتحول إلي مجرد أوراق ملونة يستخدمها باعة أقراص الطعمية في لف بضاعتهم! المخرج وائل إحسان يقدم واحدا من أهم أفلامه، مستخدما مجموعة من العناصر الفنية ساهمت في ظهور الفيلم بمستوي جيد منها مدير التصوير، والمونتير وموسيقي ياسر عبدالرحمن غير أن المكساج السييء جعل صوت الموسيقي يعلو علي جمل الحوار في كثير من الأحيان! يتفوق بين أبطال العمل ماجد الكدواني، إياد نصار، هالة فاخر، أحمد السعدني، محمد إمام، أحمد فلوكس، وتبدو سمية الخشاب في حالة مذرية من حيث الشكل والأداء!