مساكن العجمي - الكيلو 26- محافظة الإسكندرية .. لم يكن هذا العنوان سوي حلم يراود البسطاء من الأهالي، ليتخلصوا من شبح غلاء الإيجارات الذي يهدر من رواتبهم أكثر من 400 جنيه شهرياً، في الوقت الذي لا يتمتعون فيه برفاهية الوظيفة الثابتة؛ فأغلبهم أصحاب محلات متواضعة أو يعملون باليومية.. تطلعهم المستمر لهذه الشقق أوقعهم فريسة في يد مهندس استغل أمنياتهم في الحصول علي مساكن المحافظة بالتزوير. تبدأ الحكاية منذ سنة ونصف بعد ثورة 25 يناير بشهور قليلة، عندما بحثت الحاجة »سامية« عمن يساعدها في الحصول علي إحدي شقق المحافظة، وبالفعل دلها جارها علي صديق قال إنه يعمل بمحافظة الإسكندرية ويستطيع مساعدتهم في غرضهم، ويدعي المهندس أحمد. م، الذي قابلها علي أحد المقاهي، وأخبرها باستعداده لإنهاء الخطابات التي تملكها من الشقق. وتابعت: "صدقته.. وقلت لمعارفي وجيراني إنها خلاص فرجت، خصوصاً أننا كلنا متوسطو الحال، وفي عرض 4 حوائط ترحمنا من دفع 350 جنيها إيجارا كل شهر". وانتشر الخبر بين الأهالي بسرعة البرق، حيث استدرج القدر إلي هذا المهندس أكثر من 70 أسرة ينتمون جميعهم إلي فئة البحث عن الستر، وفق ما استكملته عبير بأنهم توافدوا إليه عبر مراحل، فكان حريصاً للغاية علي ألا يعرفه أحد، قائلاً لهم " أنا مركزي حساس، ومش عايز حد يعرف بالموضوع، لأن ممكن أروح في داهية، لكن هساعدكم في موضوع الشقق لأنكم غلابة". تطلع الأهالي إلي مساكن العجمي في الكيلو 26 منذ 10 سنوات، هو ما دفعهم إلي عدم التحقق أو التشكك فيما يجري، فتحقق الحلم بعد عهد من الظلم، أعمي عقولهم من واقع أسوأ، وتواصل عبير: " الشقق دي مقفولة من زمان، واحنا طالبنا المحافظة بها أكتر من مرة، لكن ماحدش سأل فينا، رغم أنها في منطقة بعيدة ولا توجد بها أي خدمات، وظهور المهندس كان بمثابة معجزة، فمقدم الشقة الواحدة تنوع بين 5 آلاف إلي 8 آلاف، حسب قدرة المشتري التي كان يحددها، علي أن يتم تقسيط باقي المبلغ علي عدة شهور ب 100 جنيه، فيصل سعر الشقة التي تتراوح مساحتها من 60 : 65 مترا إلي 55 ألف جنيه ". ومن علي القهوة التي كانت المكان السري غير المختفي، أعطي المهندس خطابات الشقق لكل أسرة، وهذه الخطابات وفق تأكيدات الأهالي غير أصلية، وعبارة عن نسخة منها، ولا تحتوي علي أي أختام من المحافظة، وعندما كانوا يسألونه عنها، يخبرهم أنها ضائعة، وهذا هو المتوفر الآن، وفي هذه الخطابات تفاصيل كل شقة: أين تقع، وكم تبلغ مساحتها، وعدد حجراتها. تسليم المبالغ المتفق عليها كان يداً بيد، دون وجود ما يثبت حقهم.. ولم ير الأهالي وقتها أزمة في ذلك، فكل ما يريدونه شقة بأي طريقة، وعندما جاء موعد استلامهم للشقق، وجدوا ما كانوا يتوقعونه، فتقول عبير: " عشرات البلطجية كانوا محاصرين الشقق، بسبب الفوضي التي زادت بعد الثورة، ومنعونا من دخول الشقق إلا بشرط دفع 3 آلاف جنيه لهم، وخضعنا لأوامرهم من أجل شققنا التي أصبحت ملكنا بالفعل، ليس هذا وحسب، بل وجدنا الشقق غير صالحة للمعيشة، فالبلطجية سرقوا الأبواب و الشبابيك، كما أن تشطيبها مترد؛ البلاط متكسر، والسلالم متكسرة، والمباني مش آمنة، ولا تصل إليها المياه والكهرباء ". رضينا بالوهم .. فسرق منا الحلم عدم وجود مياه وكهرباء هي الأزمة الحقيقية التي شعر بها الأهالي - وفق ما قالته عبير - والخيط الوحيد الذي كشف لهم أنهم وقعوا في عملية نصب، وتم خداعهم وأن هذه الشقق ليست من حقهم، إذ نصحهم المهندس برفع قضية في مجلس الدولة بالخطابات التي تثبت ملكيتهم للشقق لوجود مشكلة بين المحافظة وشركة الكهرباء، ودفع مبلغ ألف جنيه في حساب الإسكان، وبالفعل رفع الأهالي القضية ودفعوا هذا المبلغ، ليحصلوا عليها بشكل رسمي. واستطردت عبير: " الأهالي انتقلوا إلي الشقق لحظة استلامها، وأصلحوا كل شيء متهالك منها، ولم يصبروا علي المياه والكهرباء لأنهما أساس الحياة، لذلك قمت بأخذ خطابات الشقق وصورة من القضايا التي رفعناها إلي المحافظة، التي تعتبر أول زيارة إلي هناك، كي نجد حلاً سريعاً، وبعد إطلاع 4 موظفين علي الأوراق، أخبرونا أن جميعها مزورة وغير أصلية، وليس لنا أي حق في التواجد بالشقق والمطالبة بها في نفس الوقت، وذلك منذ شهر تقريباً ". صدمة الأهالي ليست في الأموال التي ضاعت عليهم هباء بل في تركهم الشقق بعدما استقروا فيها، خصوصاً أن أغلبهم لا يمتلك مسكناً آخر وجميعهم من متوسطي الحال، لذلك كان الطريق الوحيد المضمون أمامهم هي مباحث العامرية، ليبلغوا عن هذا المهندس الذي نصب عليهم بكل ما أوتي من خبرة في تقنين الأوراق. يحكي عم عيد الجابري ماذا حدث لهم في قسم الشرطة، قائلاً: " رئيس المباحث حازم أمين أخذ كل أقوالنا من لحظة تعرفنا علي المهندس إلي القضايا، واتفق معنا لعمل كمين للقبض عليه، وبالفعل طلبنا مقابلة المهندس من أجل رغبة أحد الأهالي في الحصول علي شقة، وتم القبض عليه متلبساً وبحوزته شنطة بها العديد من الأوراق المزورة الأخري في المساكن والتراخيص". لم تنته فصول المأساة بالقبض علي المتهم وحبسه أربعة أيام علي ذمة التحقيق، لكن في تجاهل المحافظة التي لم تضع القضية في الاعتبار.