"وراء كل رجل عظيم امرأة"... مثل مأثور لا يصدق في كل الحالات ولا علي الأشخاص ولكن في الولاياتالمتحدة تبدو هذه المقولة حاضرة بقوة في ماراثون انتخابات الرئاسة الأمريكية، فباتت المنافسة الحقيقية بين ميشيل زوجة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما والحالم بولاية ثانية، وآن زوجة المرشح الجمهوري ورجل الأعمال الثري ميت رومني المتعطش لدخول البيت الأبيض.. فبعد أن تقارب الفارق بين زوجيهما..أشتدت المنافسة واحتدم الصراع، بدأت كل منهما في التكشير عن أنيابهما لجذب المساندة لهما بشعبيتهما المرتفعة. ومع ذلك، باتت آن "سلاحا ذا حدين" سواء بتصريحاتها أو بمظهرها، ورغم جهاد ميشيل لاستعادة الحماسة التي كانت عليها قبل 4 سنوات وفي ظل تردي الأوضاع الاقتصادية، يحتاج أوباما إلي الرئيس الأسبق بيل كلينتون الذي كان عدوا بالأمس القريب وبين ليلة وضحاها بات الصديق والمنقذ والداعم. ووفقاً لمجلة التايم الأمريكية فإن زوجة الرئيس هي الأقرب إلي أذنه والأكثر تأثيراً في قراراته فور دخوله البيت الأبيض، بلعبها دوراً هام في السياسة الداخلية. لذلك يري المحللون الذين باتوا علي يقين بأن المنافسة المرتقبة ستكون في اختيار السيدة الأولي للبلاد وليس الرئيس، لأنها من وجهة نظرهم تساهم في توجيه آراء الناخبين. لذا تقوم كل من ميشيل أوباما 48 عاماً، التي لم تكن في البداية متحمسة جدا للطموحات السياسية لزوجها، وآن رومني 63 عاماً، التي تنتمي إلي الحزب الجمهوري منذ نعومة أظافرها وتبذل كل غال ونفيس لدعمه، بدور أساسي وحيوي في حملة زوجيهما الانتخابية وربما تشكلان ورقة رابحة في السباق إلي البيت الأبيض لما لديهن من تأثير علي نتيجة الانتخابات المقرر إجراؤها في 6 نوفمبر القادم. فالكثيرون يعتبرون أنه سيكون من المستحيل تقريباً أن يتقبل الشعب الأمريكي رئيساً بدون وجود زوجة إلي جانبه، وهذا ما أكدته كاثرين الجور، الأستاذة المتخصصة في تاريخ السيدات الأوائل بجامعة كاليفورنيا، من خلال وصفها لدور زوجات المرشحين، قائلة بإن الأمريكيين يعتقدون أن هؤلاء النساء يمكنهن رسم الصورة الحقيقية عن أزواجهن عبر التحدث عن الطريقة التي يتصرفون بها في حياتهم الخاصة، كأزواج وآباء ومسئولين عن شئون العائلة، مما يجعلها إحدي النقاط الهامة والقوية في توجيه الناخب. وبالرغم من الاختلافات والتناقضات الكبيرة بين شخصية ميشيل وآن، حتي أن لكل واحدة منهن أسلوبها الخاص في الترويج للبرنامج الانتخابي لزوجها الذي تبنته وباتت كل منهما تري زوجها الأفضل للرئاسة، إلا أنهما تشتركان في تمتعهما بشعبية أكبر من زوجيهما، أوباما ورومني، وهذا ما كشف عنه استطلاع للرأي لمعهد جالوب جري مؤخراً بين الأمريكيين، وفيه بلغت شعبية ميشيل أوباما 66٪ بزيادة 24٪ عن زوجها. وبلغت شعبية آن رومني 40٪ متفوقة علي زوجها 5٪. وليس غريبا أن يحب الأمريكيون زوجة الرئيس أكثر من الرئيس نفسه لأن طبيعة دورها غير الرسمي وأنشطتها الاجتماعية بعد دخولها البيت الأبيض يكسبانها مزيدا من القبول والتقدير، ولكن مايبدو غير مألوف أن تتمتع زوجة مرشح للرئاسة بشعبية تفوق زوجها، مما يطرح سؤالاً هل ستكون سلاحا لرومني أم ضده؟ خاصة أن "آن" ربة منزل وأم لخمسة رجال وجدة 16 حفيداً. وفي هذا الشأن، أوضحت صحيفة ديلي تلجراف البريطانية أن الفارق بين الامتيازات التي يتمتع بها ميت رومني وزوجته آن وبين حياة عائلة أوباما واضح تماماً. فوفقاً لتصريحات سيدة أمريكا الأولي لدعم زوجها باراك مثلها ومثل الكثير من الأمريكيين يعلم معني الحلم الأمريكي لأنه عاشه بنفسه، فنشأتهم في أسرة من الطبقة العاملة والكفاح من أجل تحسين حياتهما وقضاء سنوات لسداد ديونهما من الرسوم الدراسية أكسبت زوجها قيما أساسية. وأضافت أن أوباما يفهم ما يعنيه كفاح الأسرة، ويعرف ما يعنيه العمل الشاق من أجل حياة أفضل لأطفال وأحفاد. فيما أشارت الصحيفة إلي أنه في الوقت الذي قالت فيه آن إنها وزوجها كانا يأكلان التونة والمكرونة أثناء دراستهما الجامعية، سبق لها أن اعترفت بأنهما عاشا علي عوائد أسهم منحها رومني والده جورج الذي كان يعمل مديرا تنفيذيا للمؤسسة الأمريكية للسيارات. ونقلت الصحيفة عن زوجة المرشح الجمهوري قولها عام 1994 لصحيفة بوسطن جلوب أنهما لم يعملا، هي ولا رومني، في وظيفة ما، لأن رومني لديه ما يكفي من الاستثمارات في الأسهم. وعلي الرغم من محاولات آن في إضافة لمسات إنسانية تساهم في زيادة شعبية رومني الذي ينتقد لاعتباره بارداً وبعيداً عن قلوب الناس، إلا أن تصريحاتها باتت هدفاً لسهام النقد خاصة من خصوم زوجها الليبراليين، الذين يرون أنها تعيش وأسرتها في برج عال، يحول دون تواصلها مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية لشريحة عريضة من الأمريكيين، حيث انتقدت جودي كانتور الصحفية بنيويورك تايمز ومؤلفة سيرة "الزوجين أوباما"، آن رغم خطابها السياسي الممتاز، حينما روت زواجها من رومني السعيد المستمر منذ 43 عاماً، قائلة "أريد أن أحدثكم عن الحب". وقالت جودي معلقة علي آن الارتقاء فوق المعركة، كلما كنت قوية. كما أن تصريحها بأنها ستكون مستشارة زوجها فيما يتعلق بقضايا الاقتصاد، استفز الكثيرين، حيث خرج تصريح ناري من الخبيرة الاستراتيجية بالحزب الديمقراطي "هيلاري روزان"، حينما تساءلت كيف لسيدة تمتلك سيارتي كاديلاك ولم تعمل يوماً واحداً من حياتها خارج بيتها، أن تصير مستشارة لزوجها في مثل هذه الموضوعات. وقد يبدو تعليق روزان وجد قبولاً لدي شريحة كبيرة من الأمريكيين، لكنه في نفس الوقت أشعل النار في قضية خلافية موجودة بين النساء في الولاياتالمتحدة، وتتمثل في المفاضلة بين المرأة ربة البيت والمرأة العاملة. وحرصاً علي تفادي إثارة هذه الحروب المستترة في هذا التوقيت الحرج، وسعيا من كلا المعسكرين لكسب الأصوات النسائية، انتقاد أوباما تعليق روزان وإبداء التعاطف مع آن. أما ميشيل فكتبت علي حسابها علي تويتر إن كل أم تقوم بمهمة شاقة وإن كل سيدة تستحق الاحترام والتقدير. وبعد هذا الهجوم، دافعت آن عن خيارها وكتبت عبر تويتر، قائلة إنها اختارت البقاء في المنزل لتربية أبنائها وهذا يتطلب الكثير من العمل". وخرجت من هذه الواقعة بمكسب كبير هو تعاطف سيدات البيوت. وفي إحدي المقابلات التليفزيونية أثار سعر بلوزة كانت ترتديها آن، تعليقات سلبية كانت حملة رومني في غني عنها. وصل سعرها إلي حوالي ألف دولار. فأصبحت البلوزة دليلاً ماثلاً علي الهوة السحيقة التي تفصل المرشح الجمهوري الثري وزوجته عن جمهور الناخبين والناخبات خاصة ممن لا تستطيع أي منهن أن تحلم بشراء بلوزة بهذا الثمن الخيالي في مثل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة. من ناحية أخري وربما في محاولة لاحتواء الانتقادات، ظهر بين الجمهوريين من حاول صرف الاهتمام عن ملابس آن بالحديث عن ملابس ميشيل. من ذلك مثلاً أنها ارتدت في قداس الكنيسة يوم الأول من يناير الماضي في هاواي فستانا صباحيا ثمنه ألفا دولار. وفي واقع الأمر فإن ميشيل تقتني بالفعل ملابس باهظة الثمن من إبداع أرقي بيوت الأزياء، لكنها تحرص كذلك علي ارتداء الملابس البسيطة في المناسبات العامة، وتشجع بيوت الأزياء الأمريكية الصغيرة وغير المعروفة، بل وتذهب للتسوق من المتاجر الشعبية بما يبقي علي صورتها في أذهان الأمريكيين كسيدة عادية ومتواضعة تنتمي للطبقة المتوسطة، مجرد واحدة منهم. أما ميشيل، فذكرت الصحيفة البريطانية أن استطلاعات الرأي تعطيها نسباً أعلي من زوجها لأدائها وشعبيتها التي بنتها علي مواضيع تمس للأمريكيين مثل حملتها لمكافحة سمنة الأطفال وحماية حقوق قدامي المحاربين. وأصبحت ميشيل في الأشهر الماضية أفضل مدافع عن مسيرة زوجها الساعي لإقناع الأمريكيين بالتصويت له ومنحه ولاية ثانية بعد أربع سنوات رغم خيبة أملهم الشديدة من الأوضاع الاقتصادية. استطاعت أن تثبت نفسها علي مدي فترة الولاية الأولي كسيدة أولي محبوبة، تمتلك فن الخطابة ووضعت كل طاقاتها في سبيل تخفيف استياء الناخبين من الأداء الاقتصادي لإدارة الرئيس وإقناعهم، خصوصاً النساء، بالتصويت للشخص الذي وضعن كل آمالهن فيه من أجل التغيير عام 2008 وساعدها علي ذلك نشاطها علي تويتر والإطلالات التلفزيونية التي لا تتردد عنها لتتحدث بحب عن زوجها وابنتيها ماليا 14 عاماً وساشا 11 عاماً، كما نشرت صورها علي عشرات أغلفة المجلات، وبينها مجلة فوج، وغالباً ما تتلقي الإطراءات علي أناقتها. وتقدم ميشيل زوجها للديموقراطيين أيضاً من منظار إنساني مهمته في الرئاسة سعيا للتخفيف من مشاعر الأحباط والخيبة لدي الناخبين إزاء الوضع الاقتصادي الرديء وإقناعهم بعدم التخلي عن رئيس علقوا عليهم كل آمالهم بالتغيير عام 8200 وستعمل علي دعم ومساندة أوباما في هذا المجال مع الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون. فرغم التوتر الذي شهدته العلاقة بين كلينتون وأوباما خلال المنافسة الشرسة بين الأخير وزوجة الأول هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية في عام 2008 إلا أن كلينتون وضع ثقله كاملاً في المؤتمر الوطني للديمقراطيين سعياً للمساعدة في إعادة انتخاب أوباما. وأشارت صحيفة واشنطن تايمز" الأمريكية إلي أن "كلينتون" الذي ترك منصبه وسط فوائض الميزانية واقتصاد قوي، أربك حسابات الجمهوريين، فهو يتمتع بشخصية قوية وله قدرات خاصة، ومن المؤكد أن وجوده بجوار"أوباما" سيكون خير معين للرئيس الديمقراطي لأنه سيستغل خبراته الاقتصادية الواسعة وشخصيته السينمائية في كسب المزيد من الأصوات لأوباما.