أسبوع واحد فقط قضاه وزراء حكومة الدكتور هشام قنديل، عقب تكليفهم بالحقائب الوزارية نهاية الأسبوع الماضي، بالتأكيد ليس أسبوعاً عادياً، ليس لأنه الأول لأغلبهم كوزراء، وليس لأن الحكومة الجديدة واجهت عاصفة من الانتقادات والتشكيك في قدرات وزرائها بمجرد الإعلان عن تشكيلها، ولكن لأن جميع وزراء حكومة قنديل، وجدوا أنفسهم غارقين في بحر من الأزمات، التي حاصرتهم من اليوم الأول لتكليفهم بالوزارة، وظلوا طوال الأسبوع الأول من هذا التكليف يبحثون عن طوق النجاة للخروج بسلام من بحر الأزمات. واجهت حكومة الدكتور هشام قنديل منذ الساعات الأولي لتشكيلها موجة واسعة من الانتقادات، ربما ستصل لحد الأعاصير إذا ما لم تنجح هذه الحكومة، وفي زمن قياسي في التعامل مع العديد من الملفات الشائكة والأزمات اليومية التي يعاني منها المواطنون خلال الفترة الأخيرة، وفي مقدمتها أزمة انقطاع الكهرباء والانفلات الأمني وانتشار القمامة. جاء التشكيل الوزاري لحكومة الدكتور قنديل مخالفاً لتوقعات أغلب القوي السياسية، وفي مقدمتها قوي الإسلام السياسي، خاصة السلفيين، الذين انتظروا نسبة معقولة من الحقائب الوزارية، استناداً لتحالفهم مع جماعة الإخوان المسلمين، ودورهم البارز في حشد أنصارهم خلف مرشح الجماعة في الانتخابات الرئاسية الدكتور محمد مرسي، لكنهم فوجئوا بسيطرة الإخوان، وعدد من فلول الحزب الوطني المنحل علي مقاعد الوزارة الجديدة، ولم تزد حظوظ السلفيين فيها علي مقعد واحد بوزارة الأوقاف من جملة 35 مقعداً وزاريا. حصل الإخوان في التشكيل الوزاري الجديد علي ستة مقاعد لوزارات الشباب، والزراعة، والتعليم العالي، والإعلام، والقوي العاملة، فيما احتفظ المجلس العسكري بوزارتي الدفاع والإنتاج الحربي، وحصل فلول النظام السابق علي سبعة وزارات من الحكومة السابقة لوزارات المالية، والخارجية، والبيئة، والإنتاج الحربي، والتأمينات، والآثار، والبحث العلمي. بينما خرجت القوي والائتلافات الشبابية، ومن بينها حركة 6 إبريل جناح أحمد ماهر التي لعبت دوراً كبيراً في دعم الجماعة ومرشحها في الانتخابات الرئاسية، من الحسابات تماماً بعد أن كانت التوقعات ترشح فوز الحركة بمقعد واحد علي الأقل في الحكومة الجديدة، وهو ما نجحت فيه "الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح" التي أسسها قبل سنوات نائب المرشد العام لجماعة الإخوان خيرت الشاطر، قبل أن تفتح أبوابها للقوي السلفية، وهو مقعد وزارة الأوقاف الذي فاز به الشيخ طلعت عفيفي، النائب الأول للهيئة، والتي تعد الكيان السلفي الوحيد الذي أعلن تأييده لمرسي منذ الجولة الأولي للانتخابات الرئاسية. مفاجآت حكومة قنديل لم تتوقف عند حد إقصاء مختلف القوي السياسية من التشكيل الذي ظهر بعد أسبوع من المفاوضات والمشاورات الساخنة، ولم تتوقف كذلك عند حد اختيار أحد أبرز رموز الحزب الوطني المنحل العامري فاروق لحقيبة الرياضة علي حساب ابن الجماعة هادي خشبة، فقد تجلت تلك المفاجآت في نظر كثيرين باختيار اللواء أحمد جمال الدين، مساعد وزير الداخلية السابق للأمن العام، لمنصب وزير الداخلية خلفاً للواء محمد إبراهيم، وهو نفسه الرجل الذي يعد بحكم موقعه السابق في الأمن العام، أحد أبرز المسؤولين عن حالة الانفلات الأمني التي ضربت مصر علي مدار نحو عام كامل أو يزيد، أعلن خلاله المدير السابق لجهاز الأمن العام في غير مناسبة، أن هؤلاء الذين استشهدوا أمام أقسام الشرطة في العديد من المحافظات المصرية في الأيام الأولي للثورة لم يكونوا سوي بلطجية، وهي التصريحات التي لم تثر فضول أحد من القوي الثورية، حيث يظل جمال الدين أحد أبرز شهود النفي إن لم يكن أخطرهم علي الإطلاق في الدفاع عن الضباط المتهمين في قضية قتل الثوار. تحديات وعقبات بدأت حكومة قنديل أسبوعها الأول في ممارسة مهامها بتحديد الاحتياجات والمهام العاجلة بكل وزارة، حيث توافد الوزراء علي مقار عملهم وعقدوا اجتماعات مع قيادات كل وزارة لوضع الخطط العاجلة لتلبية احتياجات المواطنين الضرورية. ولأن أزمة الكهرباء تتصدر أولي الأزمات التي تبحث حكومة قنديل عن إيجاد حل لها، فقد بدأ المهندس محمود بلبع وزير الكهرباء والطاقة الجديد، أول مهامه الرسمية بالاطلاع علي ملف أزمة انقطاع التيار الكهربائي بالقاهرة والمحافظات ومعرفة الاستهلاك الذي سجله المركز القومي للتحكم بالطاقة خلال الأيام الماضية لمواجهة الأزمة، كما حرص علي النظر في ملف استكمال محطة غرب دمياط ومحطة أبو قير البخارية والوحدة الرابعة لمحطة شبرا الخيمة الكهربائية والتي من المقرر أن تدخل الخدمة ويتم الانتهاء منها منتصف الشهر الجاري. وأكد بلبع أن ترك أعمدة الإنارة بالشوارع مضاءة خلال فترة النهار يعد انتهاكاً صارخاً لإدارة موارد الدولة وإهداراً للمال العام، مطالباً الأجهزة المحلية بالدولة بالعمل علي ترشيد استهلاك الكهرباء، وذلك من خلال إطفاء أعمدة الإنارة بالشوارع المضاءة خلال فترة النهار، والاهتمام بتنظيف الخلايا الضوئية لهذه الأعمدة، مناشداً هيئة الطرق والكباري وقف إضاءة أعمدة الطرق الرئيسية بين المدن خلال النهار. فيما بدأت وزارة الدكتور عبد القوي خليفة الجديدة (المرافق)، بحث أزمة نقص مياه الشرب وانقطاعها، وأكد الوزير أن الهدف من استحداث تلك الوزارة هو خدمة مياه الشرب، وحل كافة المشاكل التي تواجه المواطنين بشأن منظومة المياه، وتوفير مياه نقية، بجانب توصيل الصرف الصحي لكافة المناطق المحرومة حيث إن هناك حوالي 59٪ من قري مصر محرومة من الصرف الصحي بجانب بعض المناطق الساحلية، وأكد خليفة أنه سيبحث تلك المشكلة مع وزير الري والموارد المائية، وكذلك وزير الإسكان من خلال اجتماع مصغر لوضع خطة عاجلة لحل كافة المشكلات وتوصيل المياه لكافة المناطق بمختلف المحافظات. الرغيف والغاز وفي وزارة التموين بدأ أبوزيد محمد أبوزيد وزير التموين والتجارة الداخلية، في أول أسبوع له بمقر الوزارة بحث ملفات رغيف الخبز وتوفير أسطوانات البوتاجاز، وعقد عدة اجتماعات مع قيادات الوزارة لمناقشة ملفات الخبز البلدي المدعم وأسطوانات البوتاجاز والسلع التموينية. بينما أعلن الدكتور صلاح عبد المؤمن وزير الزراعة واستصلاح الأراضي الجديد في حكومة الدكتور هشام قنديل، أن أهم أولوياته خلال الفترة المقبلة السعي إلي تعيين جميع العاملين المؤقتين بالوزارة، وخاصة العاملين بالأبحاث العلمية بمركز البحوث الزراعية، بما يتاح من توفير درجات مالية نظرا للظروف التي تمر بها البلاد عقب ثورة 52يناير، لافتاً إلي أن هناك خطة أولية للاهتمام بشباب الباحثين ومساندتهم وتوفير المناخ المناسب لإنتاج أصناف جيدة من البذور للمحاصيل الرئيسية لزيادة الإنتاجية من الحبوب لتحقيق الاكتفاء الذاتي. وأعلن الدكتور محمد رشاد المتيني وزير النقل الجديد، عن اتجاهه لوضع خطط عاجلة لحل المشاكل والأزمات التي تواجه هيئة السكك الحديدية، وكذلك الشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو من أجل تقديم خدمة مميزة للمواطن المصري والتيسير عليه أثناء استقلاله للوسيلتين، وقال وزير النقل الجديد، إن الحكومة تضع ضمن أول اهتماماتها تقديم خدمة مميزة تليق بالمواطن، مع استكمال كافة أعمال التطوير القائمة بقطاعات الوزارة خصوصاً السكة الحديد والمترو، مشيراً إلي أن الوزارة ملزمة بتقديم الإمكانيات اللازمة لتحقيق خطة الحكومة في مشروع تنمية سيناء والساحل الشمالي من أجل الاستفادة بتلك المناطق استثمارياً وبشرياً. توقعات متشائمة ولم تمنع حركة النشاط الموسعة التي بدأ الوزراء الجدد عملهم، الخبراء والمحللين السياسيين من مواصلة الهجوم علي حكومة الدكتور هشام قنديل، وأكد أغلبهم أن الحكومة الجديدة ستغرق لا محالة في بحر الأزمات المتلاحقة بأمواجه العاتية. يعلق عبد الغفار شكر القيادي بحزب التجمع، علي الحكومة الجديدة مؤكداً أنها جاءت علي عكس ما وعد به الرئيس بأنها ستكون متضمنة عددا من القوي السياسية ولكنها جاءت خالية من أي حزب أو تيار سياسي سوي الحرية والعدالة والفلول، موضحاً أنها حكومة كبار موظفين لا يوجد بها أي أحد له خبرة سياسية سابقة، مؤكداً أنها ستكون حكومة عاجزة عن مواجهة مشاكل مصر وإيجاد حلول لها، وأشار شكر إلي أن شخصية رئيس الوزراء نفسه جاءت مخيبة للآمال فهو موظف تدرج في العديد من المناصب حتي وصل إلي ما وصل إليه الآن، فالحكومة كلها جاءت مخيبة للآمال، وأننا أمام مشاكل متراكمة لمواطنين يعانون من أوضاع غير طبيعية وهذا هو المأزق، كما أكد أن مصر تمر الآن بمرحلة ثورية، وهناك موجة من الثورة انتهت، ولكن هناك موجه ثانية قادمة، وسيكون لها طابع اجتماعي أكبر، وهذا ما ظهرت بوادره في الاعتصامات الفئوية والتظاهرات للمطالبة بالعيش والعدالة الاجتماعية. بينما أوضح النائب محمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية، أن التشكيل الحكومي عمره ليس طويلاً حتي وإن كان الوزراء خبراء في مجالاتهم ولكنهم يفتقرون إلي الخلفية السياسية والهدف منهم تنفيذ سياسات حزب الحرية والعدالة والإخوان المسلمين، قائلاً: "سنعطيهم فرصة حتي يظهروا فشلهم من عدمه ولكن الانطباع الأول يؤكد أنهم مجموعة من الخبراء ومن سيلعب الدور الرئيسي هم الإخوان. فيما أشار رئيس حزب المواطن المصري صلاح حسب الله، إلي أنه إذا كان الوزراء الجدد صورة جديدة لمكتب الإرشاد سيكون مصيرهم الفشل، وقال نحن أمام اختبار حقيقي للوزارة الجديدة، مؤكداً أن الحكومة ضمت شخصيات ليس لهم أي خبرات سياسية سابقة مثلهم مثل رئيس الوزراء ويظهر ذلك في استدعائه لوزراء سابقين للانضمام لحكومته وهو ما يبرز عدم وجود مخزون من الشخصيات لديه والخبرات المؤهلة للاختيار. بينما قال الدكتور وحيد عبد المجيد منسق التحالف الديمقراطي، إنها حكومة موظفين شكلت بنفس الطريقة التي تشكل بها الحكومات منذ الستينات وتشبه حكومات عصر مبارك، فالقاعدة فيها وجود موظف تدرج في المناصب حتي يصل إلي منصب الوزير ومنها إلي رئاسة الوزراء ولكن هذه الوزارة طعمت بعدد من المنتمين لحزب الحرية والعدالة وبالرغم من ذلك لا يوجد بهم من لديه الخبرة السياسية سوي شخصية واحدة فقط، وأكد عبد المجيد أن الحكومة لا ترقي لتطلعات المرحلة الراهنة ولا علاقة لها بالمرحلة الحالية فهي حكومة خارج المكان والزمان ومحكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ.