تتسارع الخطي من جانب أعضاء الجمعية التأسيسية للانتهاء من أول دستور يضعه الشعب للبلاد، تلاحقهم الدعاوي القضائية التي يمكن أن تعصف بمصير جمعيتهم الثانية كما أطاحت بالأولي عبر بوابة البطلان، وهم يأملون كباقي أبناء الشعب المصري في أن ينتهوا من صياغة مواده وطرحه للاستفتاء العام قبل أن تصل إليه دعوي البطلان الثانية وتعيدنا لنقطة الصفر في الكثير من جوانب المشهد السياسي المعقد! صياغة الدستور الجديد واستفتاء الشعب عليه يمكن أن ينهي الكثير من الأشياء التي أربكت المشهد السياسي برمته طوال عام ونصف العام، مثل الإعلان الدستوري الأول وصولا للمكمل.. كما تضع مواده الجديدة نهاية لازدواجية السلطات التي تطل علي المشهد الحالي بين الرئاسة والمجلس الأعلي للقوات المسلحة، لأن الأخير سوف يعود لثكناته ودوره المقدر والحيوي في خدمة أمن البلاد وسلامة أراضيها وحدودها، وتعود للرئيس سلطاته كاملة، كما ينهي إشكالية البرلمان ويفصل بوضوح بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية ويضع حدا لأي تغول مستقبلا لأي منها علي الأخري. الانتهاء من وضع الدستور في موعد قريب سيعيد الاستقرار للبلاد سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وسيعرف كل مواطن حقوقه وأيضا التزاماته التي لو أخل بها سيكون القانون في انتظاره لرد الحقوق لأصحابها، لذا فمن غير المفيد التحدث والتحسر علي مافات وما عانيناه طوال الشهور الماضية، وهل كان الأصوب أن يكون الدستور أولا، وعلينا أن نركز علي أن يكون الدستور أخيرا لوضع نهاية لهذه الحالة الفريدة من الاضطراب والارتباك والفوضي التي نعيش فيها دون بارقة أمل في انحسارها وخروجها من حياتنا إلي غير رجعة، سيضع الدستور حدودا للحريات بما يخدم مصلحة الفرد والمجتمع علي حد سواء، كما سيضع حدا للانفلات الإعلامي الذي تجاوز كل الحدود عبر ضوابط لكل أشكال هذا الإعلام مسموعا أو مرئيا أو مكتوبا، وينهي العبارة التي صار الكثيرون يرددونها دون وعي، وهي أن أحدا لن يقدر علي الاقتراب منا، وكأن مايطلقونه عبر الشاشات والورق مقدس ولايقبل المناقشة أو الرد والتصويب حفاظا علي سلامة النسيج المجتمعي والبلاد، وسيضع الدستور الفتنة الطائفية وراء الظهور لتكون تاريخا لن يتكرر عبر ضبط العلاقة بين مسلمي وأقباط هذه الأمة من خلال تحديد مفهوم المواطنة من أجل صيانة المعتقدات وحرية العبادة وبناء دور العبادة حتي يستمر نسيج المجتمع قويا ومتماسكا. الدستور الجديد الذي تعقد الأمة الآمال عليه في أن ينتهي ويستفتي الشعب عليه في القريب العاجل سيكون قاطرة التقدم عبر وضع إطار محدد لآليات الاقتصاد ومنع الاحتكار وضبط حركة السوق وضوابط التملك وحدوده وسد منافذ الفساد بكل أشكالها، وسيحدد أطر الثقافة بما يحفظ سلامة المجتمع وهويته وأخلاقه في إطار القانون وإطلاق ملكات الإبداع والرقي بثقافة ووعي ووجدان الشعب، الدستور سيعيد أيضا عجلة التشريع للدوران ويعيد الحياة البرلمانية بما يكفل الرقابة علي أداء السلطة التنفيذية، وسن التشريعات التي تضبط الإيقاع وتقضي علي جذور الفساد وتعيد للمواطن حقوقه كاملة ماديا ومعنويا وإنسانيا ليتكامل دوره مع باقي مؤسسات الدولة. الدستور أيضا سيحدد دور كافة المؤسسات بدءا بالمؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن والحكومة بما يخدم في النهاية صالح المجتمع كله ويعود عليهم بالنفع، كما يضبط إيقاع مؤسسة الرئاسة وحدود صلاحيات الرئيس بما لايسمح بعودة النظام الشمولي مرة أخري ويعيد صناعة الفرعون الذي يملك ويحكم ويستبد، كما يحمي كل فئات المجتمع من أطفال وشباب وشيوخ ورجال ونساء ويتيح لهم كافة الحقوق من تعليم وصحة وسكن وعمل وغيرها من شئون الحياة، نريد دستورا يكون للقضاء النزيه المستقل العادل دوره في حماية الحقوق وصيانتها ورد المظالم دون أن تكون هناك سلطة تحكم عمل القضاة سوي ضمائرهم. لذا يجب أن نقف جميعا صفاً واحداً من أجل أن يتم وضع الدستور ونتجاوز كافة نزاعاتنا التي عطلت المسيرة طوال الشهور الطويلة الماضية، ودون أن نتقدم خطوة واحدة للأمام لأن البعض اختار زواياه الضيقة حزبيا وأيدلوجيا وغلبها علي مصالح الوطن فكانت النتائج مأسوية، وكان حصادنا مرا كالعلقم، وأملنا كبير في قضاة مصر الشرفاء وحسن تقديرهم للأمور في أن يتفهموا أن الحكم ببطلان الجمعية التأسيسية الثانية سوف يقلب الطاولة علي الجميع وسيعيدنا لتلك الدوامة التي قد لانخرج منها بسهولة!! والأمل الآخر أن يتوافق صناع القرار في مصر لسرعة إنجاز الدستور لصالح هذا البلد، وألا يضع البعض العراقيل والأحجار في طريق الانطلاق نحو الغد المأمول الذي ننشده جميعا. ما نريده دولة ديمقراطية حديثة تكون سيادة القانون أساس الحكم فيها، تتساوي فيها الحقوق ومعها الالتزامات، ودستورياً يراعي خصوصيات الدولة والشعب ويحفظ كرامة المصريين، ولا تستبد أو تطغي سلطة علي الأخري، وتتكافأ فيه الفرص كل حسب قدرته وكفاءته وتسودها الشفافية والمصداقية لدي كافة المستويات والمسئولين لتعود لمصر مكانتها بين الأمم.