لا أدري متي تخرج مصر من تلك المنعطفات الحادة والخطيرة في حاضرها نحو مستقبل أفضل، الجميع يتصارعون علي ثمار لم تنضج بعد، يسيرون في النور لكنهم لايبصرون الطريق لأنهم انشغلوا ببعضهم البعض وبدلا من أن يكونوا يدا واحدة وعلي قلب رجل واحد صاروا إخوة أعداء يتربص كل منهم بالآخر فضاعت بوصلة الطريق من أيدينا وصرنا نتخبط كالعميان في الظلام، أضعنا هيبة كل شيء فلا قضاء ولا برلمان ولا جيش ولافكر ولا سياسة تحترم رموزها أو مكانتها، لاصغير يحترم كبيرا وحتي الكبير منا لايحترم عقولنا، لا أريد أن أمضي في ذلك كثيرا حتي لا أصيب القاريء باليأس لأنه لا يأس مع الحياة ولا يأس من رحمة الله بهذا البلد وهذا الشعب الذي عاني طويلا مع الاستبداد والطغيان ولا يستحق أن يمر بتلك المعاناة في عصر الحرية ! أنظر إلي وجوه الناس فأجد وجوما وتجهما وغيابا للبسمة أو الإحساس بالحياة الطبيعية وعلاماتها وأنظر إلي تصرفاتهم فأجد حدة وعنفا في القول والفعل إلا من رحم ربي وأبرر ذلك بأننا نمر بفترة انتقالية ننسلخ فيه من عصر لآخر ونواجه مخاضا صعبا وعسيرا كي تولد دولة تملك مقومات الدول التي تحترم شعبها فيحترمها الجميع، لكن رغم كل ذلك فلا أحد يتمني أو حتي يفكر أن تعود عجلة الزمن للوراء بعودة الاستبداد والقهر والفقر والتخلف وكل العلل التي أصابنا بها النظام السابق وجعلت بلدنا - الذي كرمه الله وشرفه فذكره في كتابه الكريم أكثر من ثلاثين مرة - في ذيل الأمم !! ماذا حدث لنا هل فقدنا الرؤية والروية معا فلم نعد نبصر ولم يعد لدينا الصبر والحلم والسماحة التي تميزنا عن باقي شعوب العالم كما شهدت صفحات التاريخ بذلك فنحن أصحاب أقدم حضارات الأرض ومهدها ومرت بنا رسالات السماء وأنبياء الله ونحن من قهرنا الغزاة في منطقتنا وكنا الدرع الواقي لشعوبها فما الذي جري حتي أصبحنا هدفا للرماية حتي من أصغر البلدان شأنا؟!. نقطة البدء أن نعترف أننا كبلد صرنا في وضع لايحسدنا عليه أحد وأن أمامنا مشوارا طويلا كي نعود لمسيرة الحضارة فنحن شعب يملك ميراثا طويلا وعميقا من القيم تؤهله لحجزمكاننا في صفوف الكبار، وحتي يحدث ذلك فإن علينا أن نعيد ترتيب البيت وليس هدمه، أن نتوقف عن الصراخ في بعضنا البعض بمناسبة أو بدونها، أن تتوقف حالة تحول الكثيرين إلي نشطاء ومفتين وفقهاء في كل شيء فحولوا حياتنا إلي جحيم بفضل فتاواهم وفقههم الذي لاينضب معينه حتي أنهم يصدق فيهم قول الشاعر : إذا صاح الديك في الناس مفتيا فلا عجب أن يؤم الناس كتكوت المحاكم تحولت إلي ساحات للانتقام وتصفية الحسابات وبوابة الشهرة لكل من هب ودب، والنتيجة التي وصلنا إليها أننا أمام أخطر منعطف في الفترة الانتقالية بانتظار الحكم الفصل من المحكمة الدستورية العليا في سلامة إجراءات انتخابات الرئاسة والبرلمان والتي يمكن أن تعيدنا إلي نقطة الصفر في مرحلة تمنينا جميعا أن تفارقنا ونفارقها بسلام آمنين!! علي مدي شهور تابعنا فصول الصدام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ووصولهما معا إلي طريق مسدود حتي ظهرت الحلول الوسط والتسويات التي ارتضي بها الطرفان ثم جاء الصدام التالي بين البرلمان والقضاء علي خلفية الحكم في قضية مبارك ونجليه والعادلي ومساعديه وقامت الدنيا ولم تقعد في الميادين والساحات وحتي البرلمان غضبا من أحكام البراءة في قضيتي الفساد وقتل المتظاهرين وضعف أدلة الاتهام وهشاشتها ثم جاءت تصريحات المستشار الزند التي ابتعدت عن الوقار والهيبة والحكمة وهدوء الأعصاب أبرز سمات القضاة وإهالة للتراب علي المؤسسة التشريعية وتحريضا علي عصيانها وتهديدات أطلقها تجاه التيار الإسلامي وبعبارات كان ينبغي أن ينأي بنفسه عن قولها. لقد أفسد الشيوخ – ليس بالمعني الديني– ثورة الشباب عبر سلسلة من المعارك الوهمية والصراعات التي جعلت من المرحلة الانتقالية انتقامية بامتياز، ولعب الإعلام غير المسئول ولا الأمين دوره في صب المزيد من الزيت علي النار عبر بث مستمر للفوضي في أرجاء الساحة السياسية الملتهبة ومن خلال ضيوف لايغادرون الاستديوهات إلا قليلا ليعودوا بعد فاصل من النوم لممارسة دورهم التنويري والناري وتصدق فيهم مقولة جوبلز مهندس دعاية هتلر" أعطني إعلاما بلا ضمير أعطك شعبا بلا وعي"!! معارك متوالية ما إن تنتهي واحدة منها حتي تلحقها أخري والجميع لايلتقطون أنفاسهم وصرنا ندور في حلقات مفرغة لانعرف متي نخرج منها ونسير في طريقنا نحو الهدف المنشود الذي قامت من أجله الثورة وهو التغيير للأفضل وإنهاء عهود من القهر والاستبداد والطغيان، وما نحتاجه هذه الأيام أن نستعيد الثقة في أنفسنا وفي بعضنا البعض دون تخوين أو إقصاء أو تربص وتغليب مصالح الوطن علي كل شيء آخر. أمامنا الآن معركة الرئاسة وما تواجهها من مصاعب سياسية وقانونية ومعركة الدستور وضرورة التوافق علي تشكيل جمعيته التأسيسية لتبدأ وضع نصوصه للانتقال إلي الدولة المدنية المرتقبة التي يسودها القانون ويتمتع فيها الجميع بالعيش الكريم والحرية والعدالة. أما دعاوي مقاطعة الانتخابات - إذا جرت في موعدها بداية الأسبوع القادم - أو إبطال الأصوات فأراها سلبية بامتياز ومشاركة في بقاء أحوال البلد علي ماهي عليه من تدهور والعودة للماضي بكل خطاياه ومساوئه والسماح لأنصار الثورة المضادة أن ينتصروا في الوقت الذي لم تجف فيه دماء الشهداء ودموع الأمهات والأبناء والآباء وحتي تكمل الثورة مسيرتها نحو غد أفضل لنا ولأجيالنا القادمة.