باق من الزمن بضعة وستون يوما وتنتهي المرحلة الانتقالية ويتولي الحكم رئيس مدني يتسلم السلطة من المجلس الأعلي للقوات المسلحة بعد عام ونصف العام من ثورة 52يناير وحسب خارطة الطريق والأمنيات التي يحملها المصريون جميعا في بدء مرحلة جديدة تجعلهم عند الحد الأدني وليس الأقصي يشعرون بالأمل أن تكون أفضل من سابقتها ، لكن ثمة العديد من الهواجس والمخاوف من ألا تتحقق الأمنيات في أن تصل قاطرة تلك المرحلة إلي محطة النهاية ! هي مخاوف وهواجس متبادلة بين كل أطراف المشهد السياسي ، من إسلاميين وليبراليين والمجلس العسكري والشعب والنخب السياسية وبين الميدان والبرلمان والحكومة التي تتراجع شعبيتها وتتوالي فصول صدامها مع البرلمان والشارع ، الجميع في حالة من التوجس وكأن عقد الأمة قد انفرط بعد الثورة بعد أن كان الشعار الأثير فيها "إيد واحدة " وبدأت في استعادته علي استحياء في مليونية حماية الثورة الجمعة الماضية ثمة شرخ عميق حدث ولابد من معرفة أسبابه ومحاولة علاجه ولايمكن أن نلقي التهمة علي الحرية التي نسعي جميعا للحصول عليها كي نبني هذا البلد علي أسس صحيحة ولكن علي من يمارسونها ومدي وعي الأطراف المختلفة بالمسئولية الكامنة في عمقها ونطاقها فالحرية بدونها عبث وفوضي بلا حدود، لايكفي أن تكون حرا دون أن تكون مسئولا أمام نفسك أولا ثم الآخرين ، مشكلة من يتحدثون كثيرا أنهم لايعملون إلا قليلا وربما لايعملون ، ومشكلة المصريين أنهم بعد الثورة من طول ما صمتوا ومنعوا من ممارسة حقهم المشروع في أن يتكلموا بحرية ودون قهر ودون أن يعاقبوا علي ممارسة هذا الحق الطبيعي للبشر صار الجميع يتكلمون وقليل منهم يعملون ، تحولت ساحات الإنترنت والفضائيات لميادين حروب وبعد أن وحدت الثورة الجميع صار الجميع مثل الإخوة الأعداء كل متربص بالآخر ومتحفز للانقضاض عليه ورفع كل طرف »شعار أنا ومن بعدي الطوفان« والمشهد الحالي يدعونا جميعا لرفع شعار " الخروج الآمن لمصر" من مأزقها !! الأسابيع القادمة حاسمة ومصيرية في تاريخ مصر ولايجب أن نصل فيها إلي سيناريو لايرغبه أي مواطن مخلص لبلده يتطلع لبناء دولة ديمقراطية حديثة تحترم فيها حقوق الجميع ، إن انتخابات الرئاسة تدخل مراحلها الحاسمة بإعلان القائمة النهائية للمرشحين الذين يخوضون المعركة الأخيرة وبداية حملة الدعاية بعد صمت صوري كسره الجميع لكن المخاوف تكمن في حالة الاستقطاب الحادة بين الإسلاميين والليبراليين وحتي داخل كل طرف والاتهامات والتراشقات بينهما ، وكان الأولي أن يكون السباق بين الطرفين علي البرامج التي ينوي كل مرشح من الجانبين عرضها للجماهير بعيدا عن الأحلام الوردية والخيال الخصب وللشعب صاحب القرار الأخير أن يقول كلمته الحاسمة في صناديق الاقتراع بحرية كاملة لكن المشكلة الآن أن أزمة الدستور تداخلت مع معركة الرئاسة واحتمال تأخير أحدهما ومن يأتي قبل الآخر ودخل علي الخط مشكلة قانون عزل الفلول خاصة بعد قرار المحكمة الدستورية العليا بعدم اختصاصها نظر القانون وموقف المجلس العسكري من التصديق عليه خاصة أن القانون سيطيح بعدد من المرشحين وقيادات نافذة في أجهزة الدولة ممن ينتمون للنظام القديم ، إضافة لاحتمالات حل البرلمان وهو ما قد يدخل البلاد في متاهات جديدة يعلم الله إلي أين ستؤدي بنا وكيفية الخروج منها ، لذا فإن المشهد القادم يحمل نذر أزمات شديدة الصعوبة والتعقيد ويقتضي من الجميع ضرورة التوافق إن كانوا مخلصين بالفعل لهذا البلد كي يمر من عنق الزجاجة خلال الأسابيع القادمة. الجميع أخطأ خلال المرحلة الانتقالية ولانستثني أحدا ، القوي الثورية ضلت طريقها وتشرذمت ودخلت في متاهات الائتلافات والحركات والاحزاب والقوي الإسلامية خاصة تلك التي تدخل المعترك السياسي لأول مرة تاهت وسط زحام الفتاوي والاجتهادات التي اقتنصها البعض من المتربصين بها للنيل منها، المجلس العسكري كان في غير ملعبه فجاء أداؤه شاحبا مترددا وواجه العديد من الأزمات بحلول متأخرة وتحت الضغوط وهو ما انعكس في العديد من قراراته وممارساته ! أما اللاعبون في المشهد وأضروا به وبنا فكثيرون منهم فلول النظام السابق وكذلك الذين التحقوا بالثورة رغم أنهم لم يشاركوا فيها وهؤلاء وجدوا في الإعلام المقروء والمرئي والإنترنت ساحتهم المفضلة فصالوا وجالوا فزادوا من قتامة الصورة والمشهد وحولوا حياتنا لجحيم مستمر عبر اختلاق المعارك بين فرقاء المشهد السياسي كما تحولت المحاكم لساحة لتصفية الحسابات ووضع الألغام في الطريق ! ويبقي السؤال مطروحا : ماهو المطلوب الآن للعبور من تلك الأزمات والخروج من النفق المظلم ؟ لاتوجد حلول سحرية للإجابة علي هذا التساؤل لكن الحل موجود عند كافة الأطراف المشاركة في العملية السياسية في أن تتوافق وأن تعلي مصالح الوطن العليا علي مصالحها الخاصة وليكن البدء بالتوافق علي تشكيل لجنة وضع الدستور بعيدا عن ساحات المحاكم وأن يتوافق المرشحون للرئاسة علي خوض المعركة بنزاهة دون تخوين لغيرهم أو شق للصف الوطني وأن يلتزم المجلس العسكري بموعد تسليم السلطة كما حددته خارطة الطريق وبدلا من مصطلحي الخروج الآمن أو المشرف الأفضل أن يكون الخروج الهاديء والحضاري لأن دور القوات المسلحة لن يتوقف عن حماية البلاد وتأمين حدودها وأن يسبق تسليم السلطة حوار هاديء وموضوعي يحفظ للمؤسسة العسكرية دورها الحيوي واستمراره بما يتسق وقواعد الدستور والقانون. مصر بلد للجميع وليست لتيار أو فصيل دون غيره وكلمة الشعب ستكون فاصلة في اختيار من يمثله ومن الأصلح لقيادته فلا يراهن أحد علي عدم وعيه أو جهله أو حكمته لأنه سيكون رهانا خاسرا!