ويواجه المفتي موقفا عصيبا سواء داخل مؤسسة الأزهر أو في الشارع السياسي، وسط حديث متصاعد عن مطالب بإقالته من منصبه، وكان من المفترض خروج د.علي جمعة من منصبه في مطلع مارس الماضي بعد بلوغه سن المعاش، إلا أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة قام بالمد له سنة تنتهي في مارس 2013. ويملك المجلس تبعا للائحة الأزهر المعدلة حق إقالة المفتي وتعيين غيره وفقا لترشيح هيئة كبار العلماء التي يرأسها شيخ الأزهر. إلا أن مراقبين أكدوا ل"آخر ساعة" استحالة إقالة المفتي علي جمعة لأنها ستسبب حرجا بالغا للمجلس العسكري، باعتباره لا يلتزم بالتطبيع السياسي الحاصل بعد توقيع معاهدة السلام واعتراف مصر بإسرائيل ما يجعل زيارة أي من مسئوليها لتل أبيب أمرا عاديا في العرف الدولي، لذلك تبقي الاستقالة هي المخرج الوحيد من هذه الأزمة باعتبارها ستعفي المجلس من الحرج السياسي والأزهر الشريف من الحرج الأدبي. وأثارت زيارة جمعة إلي القدس جدلا واسعا في الشارع السياسي، الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني، لأنها قد تفتح الباب أمام الكثيرين الراغبين في زيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصي ، خاصة عقب تلقي نجم المنتخب المصري والنادي الاهلي محمد أبوتريكة دعوة من المجلس الأعلي للشباب والرياضة الفلسطيني من أجل زيارة القدس وخوض مباراة مع نخبة من لاعبي المنتخبات الوطنية. فقد استجاب المئات لدعوة الداعية د. صفوت حجازي التي أطلقها الجمعة الماضية من قلب ميدان التحرير لتنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر دار الإفتاء للمطالبة بإقالة المفتي، وهي الوقفة التي تمت الأحد الماضي، في وقت كان المفتي نفسه خارج البلاد للمشاركة في مؤتمر علمي بدولة الإماراتالمتحدة. وردد المتظاهرون هتافات: "يسقط يسقط مفتي العسكر"و "لا إفتاء ولا إمامة بعد ما هانت العمامة". فيما أصدرت اللجنة الدينية بمجلس الشعب بيانا علي أثر مناقشة زيارة المفتي في جلسة طارئة للمجلس الشعب الأحد المنصرم، أكدت فيه ضرورة عزل المفتي من منصبه. وكان نواب الشعب قد تقدموا ب 19 بيانا عاجلا ضد زيارة المفتي للقدس المحتلة. من جانبها احتشدت قوي التيار الإسلامي في مصر خلف مطلب إقالة المفتي، فقد أصدر ائتلاف القوي الإسلامية والسياسية بيانا طالبوا فيه بإقالة المفتي. ووصف البيان زيارة جمعة إلي القدس الشريف بأنه "خطب جلل"، وخبر صدم مشاعر المسلمين في المشرق والمغرب، ووقع كالصاعقة علي أبناء الأمة في الأرض المباركة وخارجها، في نفس الوقت الذي يلقي فيه أهل غزة المذابح والحصار ويلقي أهل القدس النفي والإبعاد. وأضاف البيان "أن علماء المسلمين، من كل حدب وصوب، اتفقوا علي رفض ما يسمي بالتطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين السليبة ولأقصانا الأسير، واتفقوا علي مقاطعة هذا الكيان الغشوم الظلوم، كما شدد علي أن كلمة علماء الأزهر الشريف اجتمعت مع الهيئات العلمية الشرعية ودوائر الإفتاء الرسمية والأهلية علي الامتناع عن زيارة الأقصي الشريف أو السفر إليه لما يتضمنه ذلك - بالنظر إلي واقعنا المعاصر اليوم - من إقرار بمعاهدات باطلة، أو شبهة إقرار ليد اليهود الغاصبة، لا سيما إذا كانت هذه الزيارات ذات طابع سياسي أو ديني". وأكد البيان أن مخالفة هذا الحكم المستقر لدي جهات الإفتاء الرسمية كافة لا يقبل من آحاد الناس اليوم، فضلا عن رأس دار الإفتاء المصرية ولا تجدي فيه أعذار واهية، وقد صرحت الإذاعة العامة الإسرائيلية بأن الزيارة تمت بالتنسيق مع وزارة الدفاع الإسرائيلية وتحت حراسة منها. وأعلن البيان انضمام ائتلاف القوي الإسلامية إلي جموع العلماء والهيئات الشرعية والثقافية والسياسية والوطنية المطالبة للمجلس العسكري بإقالة مفتي الجمهورية فورًا، مشيراً إلي أن "جمعة" كثرت شذوذاته وتعددت مخالفاته، وطالبه بالاعتذار للأمة الإسلامية بعد مساءلته في مجلس الشعب باعتباره مسئولا حكوميًا رفيعًا تابعًا لرئيس مجلس الوزراء المصري. ووقع علي البيان كل من الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح ومجلس شوري العلماء وجماعة الدعوة السلفية وجماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية وجماعة أنصار السنة المحمدية ورابطة أهل السنة وائتلاف دعاة الأزهر وائتلاف أبناء الأزهر الشريف وائتلاف الشباب الإسلامي والجبهة السلفية ومجلس أمناء الثورة واللجنة التنسيقية لجماهير الثورة وائتلاف مصر الثورة وتحالف ثوار مصر والاتحاد العالمي لعلماء الأزهر الشريف. كما وقع عليه أحزاب الحرية والعدالة والنور والوسط والأصالة والإصلاح والبناء والتنمية، بالإضافة إلي 83 عالماً وشخصية إسلامية ينتمون لجميع التيارات، أبرزهم الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد والدكتور عبد الله بركات والدكتور محمود مزروعة والدكتور عمر عبد العزيز والدكتور صلاح سلطان والدكتور جمال عبد الهادي والدكتور عبد الرحمن البر والدكتور جمال المراكبي والدكتور مازن السرساوي والدكتور راغب السرجاني والدكتور محمد عبد المقصود وطارق الزمر وياسر برهامي ومحمد إسماعيل المقدم والشيخ السيد عسكر والشيخ محمد حسين يعقوب والشيخ محمد حسان وخيرت الشاطر. مجمع البحوث وعاد د.علي جمعة إلي القاهرة الخميس الماضي ، قادما من عمان، للمشاركة في الجلسة الطارئة لمجمع البحوث الإسلامية، التي دعا لها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، لبيان الموقف الشرعي من زيارته للقدس المحتلة، علي أن يقوم المفتي بالادلاء بشهادة توضيحية لبيان موقفه من الزيارة أمام أعضاء المجمع. ليؤكد مجمع البحوث الإسلامية بعد اللقاء العاصف في بيانه أن الأزهر الشريف يؤكد موقفه الرافض لزيارة القدس والمسجد الأقصي، وهما تحت الاحتلال الإسرائيلي، وبعد استماعه إلي إيضاحات فضيلة المفتي عن زيارته الشخصية، يعاود التأكيد علي قراره الرافض لزيارة القدس والمسجد الأقصي وهما تحت الاحتلال. وهو موقف يعد رفعا للغطاء الأدبي من علي مفتي مصر بعد موجة الغضب التي سيطرت علي شيخ الأزهر وعلماء المشيخة بعد قيام المفتي بزيارته دون استشارة أي منهم. وقال مستشار شيخ الأزهر للحوار د.محمود عزب ل"آخر ساعة": "شيخ الأزهر له موقف ثابت بعدم زيارة القدس طالما ظلت تحت الاحتلال الصهيوني، ولن يدخلها إلا بعد تحريرها". رافضا التعقيب علي زيارة المفتي للقدس. وأبدي المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين محمود غزلان في تصريح ل"آخر ساعة" دهشته من زيارة مفتي الديار المصرية إلي القدس قائلا "هناك إجماع بين فقهاء وأمة المسلمين علي عدم جواز السفر إلي القدس في ظل الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية". من جهته انتقد المتحدث باسم الجبهة السلفية في مصر خالد سعيد زيارة جمعة للقدس، وقال في تصريح مقتضب: "أفعال متوقعة من مفتي نظام مبارك". في السياق نفسه طالب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، عبد الغفار شكر، بمحاكمة المفتي علي خرقه للثوابت الوطنية بعدم زيارة القدس، فلا يمكن لرمز مصري ديني أن يتورط في إعطاء شرعية مجانية لنظام يسفك دماء الإخوة الفلسطينيين. واعتبر الكاتب الصحفي عبد الله السناوي أن الزيارة "صدمة في توقيت صادم" قائلا: "جاءت زيارة المفتي لتزيد الأمور تعقيدا فقد كانت تقاليد الأزهر الشريف هي عدم التورط في التطبيع بأي شكل مع الكيان الصهيوني، فجاءت الزيارة سلبية إلي هذه المؤسسة وسحبا من رصيدها أمام الرأي العام". وتابع السناوي قائلا: " تأتي زيارة المفتي لتشكل خرقا واضحا لموقف الرفض الشعبي للتطبيع، وهي زيارة أقل ما يقال فيها إنها كارثة في وقت صعب". ووصف الدكتور محمد البلتاجي عضو مجلس الشعب عن حزب الحرية والعدالة زيارة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية للقدس بأنها غير مقبولة وتأتي في إطار سياق تطبيعي سواء كان فضيلته منتبها أو غير منتبه، فهناك سياق تطبيعي واضح مع الكيان الصهيوني يتزامن مع وجود دعوات من شخصيات دينية تبرر الذهاب للقدس وهي في قبضة العدو الصهيوني تحت مبرر افتتاح كرسي الإمام الغزالي للدراسات الإسلامية بالقدس الشريف وغيره واضاف أن هناك موقفا شعبيا موحدا واضحا من قبل ثورة 25 يناير برفض التطبيع مع العدو الصهيوني وكسر هذا الإجماع الوطني من جانب المفتي أمر في غاية الخطورة. وقد تقدمت بطلب لرئيس مجلس الشعب لمساءلة الحكومة حول سفر الدكتور علي جمعة للقدس ولكن لم تتم مناقشته حتي الآن. من جانبه أكد أسامة ياسين الأمين العام المساعد لحزب الحرية والعدالة رئيس لجنة الشباب بمجلس الشعب رفض الحزب بشكل قاطع للزيارة التي قام بها الدكتور علي جمعة مفتي للقدس الشريف مهما كانت المبررات والأسباب، قائلا :"إنها تمثل كارثة حقيقية وضربة موجعة للجهاد الوطني الذي نجح في إفشال كل محاولات التطبيع طوال السنوات الماضية". وأشار ياسين إلي أن النظام السابق الذي كان يتمتع بعلاقات متينة مع قادة إسرائيل فشل في فرض التطبيع علي الشعب المصري وبالتالي فإنه ليس مقبولا أن تحدث مثل هذه الزيارة بعد الثورة التي شهدت توافقا بين الموقف الشعبي والرسمي فرفض وجود أي علاقات مع الكيان الإسرائيلي طالما استمر الاحتلال والاستيطان وحصار غزة. وكان مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة قد قام، يرافقه الأمير غازي بن محمد مستشار العاهل الأردني للشئون الدينية ورئيس مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي الأربعاء الماضي، بافتتاح كرسي الإمام الغزالي للدراسات الإسلامية بالقدس الشريف بدعوة من مؤسسة آل البيت الملكية الأردنية وباعتباره أحد أمناء المؤسسة. كما أمَّ خلال الزيارة المصلين في صلاة الظهر داخل مسجد البراق بالحرم القدسي الشريف ورافقه في الزيارة والصلاة والشيخ محمد حسن مفتي القدس والديار الفلسطينية وخطيب المسجد الأقصي والشيخ عبد العظيم سهلب رئيس مجلس الأوقاف الإسلامية بالقدس والدكتور عزام الخطيب رئيس أوقاف المسجد الاقصي. وأكد مفتي الجمهورية أن هذه الزيارة تمت تحت الإشراف الكامل للسلطات الأردنية وبدون الحصول علي أي تأشيرات أو أختام دخول باعتبار أن الديوان الملكي الأردني هو المشرف علي المزارات المقدسة للقدس الشريف. وأن زيارته للقدس الشريف كانت غير رسمية.