صديقتي الغالية الدكتورة ماجدة فهمي أستاذة الطب النفسي والأعصاب بالجامعة شخصية عجيبة في هدوئها .. لكن الأشد عجبا أنني طوال عمر صداقتنا التي تجاوزت الثلاثين عاما، لم أسمعها تشتم أبدا.. ولا حتي في سرها .. وهذه صفة تستفزني لأني أتمناها وأجاهد لاكتسابها ولو أسبوعاً في الشهر، ولكن الفشل يصارعني وينتصر بسهولة كلما نزلت إلي الشارع.. هي صديقة مريحة، لم نختلف يوما، وهي الوحيدة القادرة علي تفريغ شحنات غضبي وقلقي وغسل نفسي لإعادتها إلي سلامها الأصلي الفطري.. وإعادة دفة سفينتي إلي اتجاهها الذي اخترته بإرادة وقناعة ورضا.. المهم أن د.ماجدة حلالة مشاكل التعبانين والمتأزمين نفسيا يطاردها الحرامية كأنهم عارفينها وقاصدينها . وكلما استجدت ظاهرة إجرامية في المجتمع ينولها من الحب جانب .. لكنها محظوظة لأن المجرمين شحنوها بمزيد من التجارب الإنسانية والمجتمعية المتنوعة، أصبحت صادقة في إحساسها بالمرضي، بارعة في علاجهم. بعد الثورة وانتشار الإجرام في الشارع لم يعودوا لكسر زجاج سيارتها للسرقة .. ونشنوا علي حقيبة يدها .. تختفي أياما ثم يصلني صوتها الساخر " خطفوا شنطتي تاني " ويتكرر حوارنا .. أسألها »بلغتي البوليس«، فتعاملني كمريضة عنيدة وتجيب " وهايعمل إيه البوليس " .. في المرة الخامسة أو الخمستاشر صرخت وصممت أنا علي تقديم البلاغ فاستسلمت .. اللصوص خطفوا حقيبتها وبها " البخاخ الحارق " الذي أهداه لها أصحابها للدفاع عن نفسها، رغم وصيتنا لها أن تمسكه في يدها حتي وهي سايقة !!.. لكن يومها كان الحرامي محظوظا .. المهم أنها دخلت القسم أخيرا لعمل محضر .. الضابط سمعها تأدية واجب وأدبا، ولم يفكر في تحرير محضر .. ولما طلبت بكل أدب محضر لاستخراج بدل فاقد الرقم القومي وباقي البطاقات، طلبوا منها تلاتة جنيه لتصوير المحضر !!.. ثم أكرمها الضابط بإعفائها بعد إدراكه أنها جاية مسروقة !. أنا تعلمت الدرس وتوقفت عن الإلحاح عليها، وهي استمرت علي نفس هدوئها واعتبرت أن الجريمة أصبحت جزءا من حياتنا اليومية، علينا التأقلم معها كواقع لا يقاوم، وألا نسمح للإحساس بالقهر والضعف أن يلمسنا، لأن المجرم إنسان فاقد للضمير والأمل أومريض .. وأن واجبنا حماية أنفسنا أولا، ثم التعامل مع الموقف بهدوء وتقبل الخسائر بروح رياضية وتسامح كما تعلمنا الأديان.. ومن ثلاثة أسابيع أخبرتني صديقة أن شقيقها تعرض للسرقة بالإكراه في الثامنة صباحا وهو ذاهب لعمله .. سردت القصة المكررة التي أصبحنا نسمعها يوميا .. سيارة اعترضت طريقه، أجبرته علي التوقف وفتح الباب، دخل مسلح هدده وسبه، فترك له السيارة والموبايل وبدأت المساومات بدفع العشرين ألف جنيه لاستعادتها .. وأن شقيقها في حالة نفسية سيئة لأنه لم يدافع عن نفسه ولم يقتل اللص . اتصلت باللواء محسن مراد مدير أمن القاهرة، ولم تدهشني سرعة استجابته وتقديره للحالة النفسية للضحية .. استقبله بعد ساعة واحدة ووعد برد اعتباره وسيارته .. وبالأمس جاءنا التليفون المبشر بالفرح والفرج " قبضنا علي العصابة تعال استلم سيارتك".. وبين السرقة والاستعادة تعرضت أنا لمحاولة سرقة سيارتي من تحت البيت.. الحرامية لسبب ما فشلوا في سرقتها فدمروا أجهزتها بحقد عجيب .. وتركوا عدة السرقة في الدواسة .. طبعا طلبت النجدة، وجاءت بسرعة، وسرح خيالي المشبع بالأفلام الأمريكاني ومغامرات كولومبو عن رفع البصمات وتتبع خيوط التريكو كلها للوصول للطرف المربوط في عنق السارق .. لكن الضابط كان صريحا وعمليا.. قاللي اشكري ربنا إنها ماتسرقتش، أو ثبتوكي في الطريق.. شكرت ربنا والونش جر العربية للورشة وتفرغت للصلاة أن يبارك ربنا في إيدين اللي بيصلحها ومايكملش عليا.. وسألت ضابط المباحث، كما سألت اللواء محسن مراد " وبعدين"!؟. وخلاصة الحوارات أن البوليس لاينام من إجهاد المطاردة والحزن علي ضحاياه.. واحنا الشعب لا ننام من الخوف .. إذن كيف نعالج الموقف؟ سألت لماذا لا تزود الداخلية الميادين والشوارع الرئيسية بكاميرات المراقبة.. بعد ما تفاقم إجرام البلطجية المسلحين بكل أنواع الأسلحة، وبالقلب الميت ؟.. الكاميرات ستخفض من حجم المواجهات والضحايا، وتعيد للناس شيئا من الثقة في الأمن والأمان، والجرأة في مطاردة اللصوص، أو علي الأقل إبلاغ الشرطة بالحوادث التي يتعرضون لها. في لندن وباريس وأمريكا الكاميرات إجباري علي أصحاب كل المحلات، وعلي الحكومة في الشوارع والميادين، كنظام حياة لحماية المواطنين وتأمين أفراد الشرطة وتقديم الأدلة للنيابة، وفرض قوة القانون.. وقوة القانون هي مشكلتنا في مصر من أيام تخصيص كل جهود الأمن لتأمين الرئيس وإفساح الطرق لمواكبه وفسحه وأصحابه، وحاشيته وكبار رجال الدولة أولا وأخيرا.. وهي أساس ميراث الاستفزاز والتحدي من المواطنين لرجال الشرطة. لكن دعونا لا ننبش في الماضي.. الآن مطلوب فرض هيبة البوليس، ليس بالكلام والدعاية، إنما بتأمين كل فرد شرطة في عمله، وتأمين الشوارع، وفرض قوة القانون، والإعلان الذكي عن نجاحات الشرطة في حملاتها.. ليس بإصدار البيانات الجافة التي فقدت مصداقيتها لأسباب كثيرة، منها تناقضها مع شكل وحال الشارع. وأطلب من وزير الإعلام وهو رجل عسكري، أن يعيد تهذيب برامج اللت والعجن والتفاهة والفتاوي التي يدلقها علينا بغبغانات ملونة وقرود لابسة بدل، في شكل مذيعين وضيوف سئمنا ثرثرتهم.. التليفزيون المصري مسئول ومطالب بالمشاركة في تأمين المواطن والوطن.. نحتاج برامج توعية وترشيد لكيفية تأمين أطفالنا وأنفسنا وبيوتنا وممتلكاتنا.. برامج ذكية علمية أمنية مدروسة أهدافها ونتائجها، ومجرب نجاحها من تجارب الدول التي ارتفعت فيها نسبة الأمان وانخفضت نسبة الجريمة.. برامج تعلم المواطن تأمين نفسه ومشاركة الأمن في كشف الجرائم، وتكشف أساليب اللصوص وتعرضهم بعد القبض عليهم ليحكوا كيف استغفلوا الضحية ولماذا تمادوا حتي القتل، وكيف أنفقوا المسروقات وماذا ينتظرهم من عقاب فوري سريع باتر مخيف بسيف قانون ونزاهة القضاء الناجز.. وياريت أبو إسماعيل يتبرع بباقي ملايين الدعاية الانتخابية لكمرتة الشوارع كواجب ديني.. ويارب بارك بلادي.