الجماعة لم تضيع الوقت.. بمجرد عدول عمر سليمان، عن اعتذاره السابق عن عدم الترشح لماراثون الانتخابات الرئاسية، وإعلانه خوض المنافسة مجدداً، بعثت الجماعة بحزمة من الرسائل، من بوابة ترشيح الدكتور محمد مرسي، أهمها أن الإخوان جادون في السعي لاقتناص مقعد الرئيس، وأن الصدام مع المجلس العسكري حقيقي، وليس من باب المراوغات أو الصفقات، فإذا ما تم ضرب حظوظ خيرت الشاطر في الوصول إلي قصر العروبة، فمرشح آخر من الجماعة سيكمل المشوار، فيما تبقي الرسالة الأهم من قبل قيادات التنظيم، تلك التي أرسلت إلي قواعد الإخوان، ومفادها "لم ننقلب علي قرارنا السابق بعدم خوض انتخابات الرئاسة، نزولاً علي رغبة الشاطر، وإنما نصرة لله، ودينه، وانطلاقاً من مبدأ المسئولية تجاه الوطن والثورة"، بحسب ما أشارت الغالبية العظمي من قيادات الإخوان والحرية والعدالة، خلال الأسبوع الماضي. الرد الثاني، كشف عنه مختار العشري، رئيس اللجنة القانونية للحرية والعدالة، بأن الإخوان يستعدون لنشر صورة من العفو الشامل، الذي ناله الشاطر، من قبل المشير حسين طنطاوي، بصفته رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة، الذي يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية، في المرحلة الانتقالية، بينما خرج الشاطر نفسه عن صمته، ببيان رسمي، ذيل بإمضاء محاميه ومحامي الإخوان، عبد المنعم عبدالمقصود، جاء فيه نصاً "الجماعة تطمئن الرأي العام بصحة وسلامة موقف الشاطر، وكذلك صحة الإجراءات والمستندات واتفاقها مع صحيح القانون، بعد أن رد إليه اعتباره قضائيا بحكم المحكمة العسكرية العليا، إضافة لصدور قرار العفو، الذي شمله وأكثر من 200 شخص آخرين، من مختلف التوجهات السياسية، وفي قضايا متفرقة"، قبل أن يقطع البيان بحسم "العفو جاء كلياً ومستنداً لاحكام المادتين 74و 75 عقوبات، شاملا ومتضمنا إسقاط العقوبة الأصلية وكافة العقوبات التبعية وكافة الآثار الأخري، التي ترتبت علي الحكم الصادر ضده"، بينما تم نشر البيان مرفقاً بصورة ضوئية من الصحيفة الجنائية للشاطر، التي تضمنتها حافظة أوراقة الرسمية المقدمة للجنة القضائية العليا للانتخابات الرئاسية، وبدت خالية من أي معوقات قانونية تمنع مرشح الإخوان، حتي الآن، من ممارسة حقوقه السياسية. يأتي هذا بينما بدأت معركة تكسير العظام، بين الشاطر، أو مهندس النهضة، كما يطلق عليه أنصاره، وبين الجنرال، عمر سليمان، حيث تواترت أنباء غير مؤكدة، يروج لها النائب مصطفي بكري، عن تلقي الأخير لتهديدات بالقتل من قبل جماعة الإخوان المسلمين، بينما كان عبد المنعم عبد المقصود محامي جماعة الإخوان، يعلن تلقيه تهديدات علي هاتفه المحمول، بالتعرض له أثناء تقدمه، بأوراق الدكتور محمد مرسي صباح الأحد الماضي، فيما أرسل عبد المقصود عدداً من المحامين لتقديم بلاغ إلي النائب العام، معتبراً ما حدث بلاغاً إلي وزير الداخلية وقائد الشرطة العسكرية المسئولة عن تأمين مقر اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية. وفي المقابل يركز أنصار الجنرال علي التهديد بأن عمر سليمان بمقدوره فضح الإخوان بالصوت والصورة إذا ما كشف النقاب عن المحادثات السرية، التي تمت بينه وبين قياديي الجماعة محمد مرسي (علي وجه الخصوص)، والدكتور محمد سعد الكتاتني، في الأول من فبراير 2011 قبل موقعة الجمل ب 24 ساعة فقط، حيث دارت مساومة بين الطرفين (لم تنكرها الجماعة حتي الآن)، مفادها سحب أعضاء الإخوان وشبابهم من ميدان التحرير، لتخفيف وتيرة الثورة علي الرئيس السابق ونظامه، مقابل تمكين الجماعة من العمل السياسي دون حظر، والإفراج عن قيادييها، خيرت الشاطر وحسن مالك، اللذين كانا لايزالان محبوسين، علي ذمة قضية ميليشيات الأزهر. هيثم أبو خليل، القيادي الإخواني السابق، الذي قدم استقالته من الجماعة، علي خلفية تسرب أخبار اللقاء السري بين الجنرال والإخوان، يروي ل"آخر ساعة" تفاصيل اللقاء: "كان اجتماعاً آخر غير ذلك المعلن الذي حضره الكثير من القوي الوطنية، وفيه خص سليمان الإخوان بالتفاوض من أجل إنهاء مشاركتهم في الثورة مقابل حصول الجماعة علي حزب وجمعية ".. وتابع بمرارة " مجلس الشوري العام لجماعة الإخوان لم يتخذ أي إجراء حاسم ضد ذلك الأمر، وبدلاً من أن يقوم بإقالة مكتب الإرشاد بأكمله، أقسم أفراده علي عدم البوح بهذه المصيبة"، فيما تهكم علي منافسة الإخوان ممثلة في الشاطر أو مرسي لسليمان في ماراثون الرئاسة، بالإشارة إلي أن »ترشيح الدكتور محمد مرسي، حتي ولو احتياطياً، يعد إهانة كبيرة للثورة، تماماً كترشح من جلس معه سراً (يقصد سليمان) للتفاوض يوم 1فبراير 2011«. وتهكم أيضاً الناشط الإخواني، أحمد نزيلي، نجل القيادي الإخواني المعروف في الجيزة، سيد نزيلي، علي الدفع بمرسي، »أن الدكتور محمد علي بشر كان ثاني أعلي الأصوات بعد الشاطر في التصويت علي اختيار مرشح الإخوان«. لكن علي، ضفة المؤيدين لترشح الشاطر، وبديله مرسي، داخل الإخوان، يتجاهلون حديث الإخوان المنشقين أو المتمردين أو المفصولين، عن عوار قرارات الجماعة، ومن ثم يركزون هجومهم، ودفاعاتهم المضادة، ضد سليمان، حتي أن نبيل العشري، أحد أعضاء الجماعة الملتزم بقرارات مجلس شوراها وقياداتها يقول صراحة "أقول لكل من يظن أن ورقة عمر سليمان هي مؤامرة وتخطيط وتدبير ومكر وتربص وتمكن من تحريك الأوراق (يقصد في اللعبة الانتخابية) انسي لو سمحت وفكر في احتمالية أن تكون المسألة هي محض فردية وعشوائية وتخبط وارتباك وربما الورقة الأخيرة و .. الخاسرة !!"، فيما لا يخفي قناعته بتحقيق مهندس النهضة، لفوز كاسح، وربما هذا ما دفع الدكتور محمود حسين، أمين عام الجماعة للتأكيد علي أنها لا تخاف سليمان، لكنها ترفض ترشح أحد من النظام السابق، ويتوقع استفادة "مهندس النهضة" من أصوات حازم صلاح أبو اسماعيل، ويراهن حسين علي أن الشاطر سيحقق انتصاراً من أول جولة، أو أنه سيدخل جولة الإعادة، بفارق كبير عن منافسه فيها، والذي لن يكون، في رأيه، عبدالمنعم أبو الفتوح. كلام أمين عام الجماعة، تزامن مع انطلاق الشاطر في جولات مكوكية للتفاوض، مع قامات وشيوخ السلفية، فكان الظهور الأول له، في الجمعية الشرعية للإصلاح والتغيير، حيث غازلهم بإنشاء هيئة لأهل الحل والعقد، لمعاونة البرلمان، وتأكيده علي أن تطبيق الشريعة الإسلامية، وتواصل مع قيادات الدعوة السلفية في الإسكندرية، في لقاء مباشر، جدد فيه التزامه بالشرع والإسلام مرجعية ودستوراً في كل تصرفاته، ما اعتبره البعض محاولة لعدم تفتيت أصوات الإسلاميين بينه وبين عبد المنعم أبو الفتوح. المثير أن الدكتور محمد حبيب، نائب المرشد السابق، يطرح سيناريو مغايرا لنهاية معركة الشاطر، أو مرسي، مع سليمان، فيما يقطع بأن الأخير سيتواجد في جولة الإعادة، ضد مرشح الإخوان، إذا ما تم دعمه من قبل العسكر، ومن ثم ستحرص الجماعة علي التعامل بحظر مع "الجنرال"، وسيتعاطون معه بنوع من الكياسة أو اللباقة، وسيعملون حساب احتمالية أن يصبح رئيساً، خاصة أن الجماعة، بحسب مصدر مطلع في مكتب الإرشاد، تسعي لقنص موقع نائب الرئيس، في حال، ضياع كرسي الحكم منها. القيادي اليساري بهاء الدين شعبان يري أنه بترشيح الإخوان لمحمد مرسي، فضلا عن خيرت الشاطر، وبترشيح فلول النظام لعمر سليمان، فضلا عن عمرو موسي، اكتملت ملامح الصورة، وعدنا إلي ماكنا عليه يوم 24 يناير 2011 (قبل اندلاع الشرارة الأولي لثورة 25 يناير): خناقة، علي محفظة الشعب الفقير!. وتابع كلامه بكثير من الإحباط والتشاؤم: "أبشركم بأن محصلة هذا العبث، ستكون ثورة جديدة.. لكن هذه المرة سيتعلم الثوار ألا يتركوا الميدان قبل أن يتأكدوا من انتصار ثورتهم انتصارا كاملا.