لم يكن سندباد بحريا ولا شهرزاد عربيا حضرا القمة وقطعا الشريط وتقاسما الكعكة العربية، ورغم ذلك أنجزا للقمة وعن القمة من خارج القمة.. هذه القمة المرجوّة من أولوّياتها إطفاء اللهب السورية بخرطوم مياه عربية، لم تأت بأي تغيير لدمشق من الخارج، كما لم تكن لها أذن دمشقية صاغية من الداخل، عجيبٌ وغريب، ان من يخاف علي العرب يأتي دائما من خارج المنظومة العربية، كما والعرب يستمعون جيدا لمناديهم من خارج المنظومة العربية.! "سندباد وشهرزاد" خيالان صورتهما لي أفكاري بشخصيتي (كوفي عنان وبانكي مون)، حيث جاء قرار موافقة الرئيس السوري علي البنود الستة لكوفي بعد رحلاته الكوفية المكوكية السندبادية للأخير، وهو المبعوث من شهرزاد الأممالمتحدة بانكي مون .. والقمة هذه التي منذ النشأة وحتي الآن، وكأنّ واجب كل رئيس يحضرها أن يحني لآخر لم يحضرها، وآخرٌ لآخر لن يحضرها، وهكذا دواليك. بغداد المستضيفة بالمعارضة والموالاة، دمشق الغائبة الحاضرة بالمعارضة والمعارضة، وبلدان الربيع العربي بلا معارضة ولا موالاة، وبلدان أخري بالموالاة ولا معارضة، وقمة بغداد 2012 بنداء العودة للعرب، والعرب لها بقبول العودة لبغداد تلك التي كانت قبل عشرين عاماً بقمة تمهيدية لغزو العرب، فغزت الجارة الشقيقة الكويت العامرة بعد عام من انعقاد تلك القمة.! ماكنت مولودا ولا انتم قرّائي الأعزاء يوم ولدت الجامعة العربية ببروتوكول الإسكندرية في 22 مارس 1945 لكننا اليوم عندما نتكلم عن الجامعة العربية وقممها بلا قيعان، فذلك يعني اليقين والإيمان بعالم عربي كله بلامجاعة، ناهيك عن صومال العروبة الجائعة المُجفّفة، فلو تم استصلاح واستزراع واستغلال مساحات 13،953،041 كم2 يملكها 350 مليون عربي قادر علي البناء والإنتاج، ذلك يعني أن هذا العربي يملك من مقديشو الي بيروت، ومن القدس إلي نواكشوط من المساحات مايحق له أن يدّعي (أنا الرجل الثاني عالميا بعد روسيا بمساحاتي الأرضية، وأنا الرجل الرابع عالمياً بعد الصين، والهند والاتحاد الأوروبي بطاقاتي البشرية.!) بعد مشاهدة قمة بغداد مباشرة من الألف للياء علي الفضائيات مستلقيا في غرفة النوم، بدأت أتخيل المواطن العربي ممن كان في سن الرشد قبل 67 عاما، أنه إذا سمع في يومه عن قمة عربية تعقد في بغداد مثلا، فكان هو يومذاك بصوته نحو الاتجاهات الأربعة: (أليس فيكم رجل رشيد يرشدني إلي بغداد؟ هل سأصلها سندباد بحريا أو شهرزاد رومانسيا؟) هذا المواطن الطموح بات بوسعه اليوم، وأينما وجد في موطنه أو دول الجوار من داكار إلي بوجنبورا أو جزر القمر ومالديف، صار بمقدوره أن يطير بخياله ومشاهداته ليري كل الأحداث في الدهاليز مباشرة من غرفة نومه وبتكلفة تقل حتي عن مئة دولار للصحون اللاقطة للفضائيات. بينما قمة بغداد 2012 التي كنا نشاهدها مجانا من الافتتاح إلي إعلان بغداد في 29 مارس 2012 ب: (نحن قادة الدول العربية المجتمعون في الدورة الثالثة والعشرين لمجلس جامعة الدول العربية علي مستوي القمة في بغداد المحبة والسلام، في جمهورية العراق وانطلاقا بمباديء وأهداف ميثاق جامعة الدول العربية إلي آخرها ....)، يقال عنها إن تكلفة الحكومة العراقية لعقد هذه القمة، التي كنا نستمتع بمشاهدتها مجانا بتكلفة كهرباء التلفزيون، تكلفة انعقادها في بغداد، تجاوزت 2.5 مليار دولار.! طبعا الجانب الأمني هو السبب، فماذا عن كلفة بغداد بلا أمن، لتلك المليارات الفلكية لموازنات طوال الأعوام التسعة الماضية؟ هذا يؤكد علي أن الهمّ الأول للمواطن العربي أينما وجد هو أن يجد الأمن بجواره، فإن توفر فإنه لم يعد يطمع بالكثير.. إذن وفروا له الأمن، وهو كفيل بالرغيف والكساء، لايريد غير حقوق المواطنة بسيادة القانون.. فلنحترم بالإجماع العدالة، ولانعطيها الإجازة ولاندوسها بالأقدام، ونروّض الكل علي الانحناء لقدسية القضاء، ومحاربة الفساد، فسادٌ يتنزّه عنه الإنسان الكريم الأصيل، فيندسّ بيننا من خلال اللئيم الدخيل. وأيضا علينا مراقبة استغلال البنوك الربوية بخبراتها الانتهازية للمواطنين البسطاء، حيث بنهاية كل سنة مالية عشرات المواطنين في السجون، علي حساب مديري تلك البنوك الذين يمسحون علي شواربهم الاستعراضية بأرقام فلكية للأرباح .. فلو قمنا بتلك الإصلاحات في الوطن كله، فإن الوطن كله سيتحول من الداخل إلي الربيع العربي، ودون أن يأتيه خريفٌ تتعطش أوراقه المتساقطة في ميادين التحرير للدماء والدموع.