في مصر طرفان لا ثالث لهما ، من يصنعون الأزمات ومن يديرونها والمشكلة تكمن أن الطرفين يفعلون ذلك علي ساحة واحدة وبينهما يقف الشعب حائرا قلقا معذبا ، وهو يري تحولنا إلي بلد أزمات من القاعدة إلي القمة تتوالي وتتلاحق دون أن يلتقط الناس أنفاسهم ولو لقليل من الوقت يستردون فيه وعيهم وإدراكهم لما يجري حولهم !! أزمات علي الساحة بين فرقاء المشهد السياسي لاتتوقف ولا تهدأ وكأننا في حرب ضروس لافائز فيها والخاسر فيها هو الوطن والشعب ، الساحة ممتدة وواسعة من القاعات إلي الفضائيات إلي الميادين وكأننا أصبحنا إخوة أعداء ، لايطرحون حلولا لكنهم يعقدون المشاكل ويعمقونها حتي تمل المشاكل منهم ، تحولنا من استبداد فرد إلي ديكتاتوريات شتي في جزر منعزلة وبدلا من أن يكونوا جزءا من الحل صاروا هم المشكلة وأصبحوا صناعا للأزمات ! من يديرون الأزمات أصيبوا بعلل التخبط والارتباك والقرارات البطيئة المتثاقلة التي تأتي دائما متأخرة وبعد فوات الأوان وقد لاتأتي أحيانا لأن سياسة النفس الطويل وآليات مواجهة الأزمات مازالت تعمل بكفاءة حتي الآن وأهمها علاج الكارثة بعد وقوعها وليس قبل ذلك وعدم رؤية البوادر والمقدمات التي قادت لها ولأننا لسنا بعد دولة مؤسسات حقيقية فالحلول أحادية تعتمد علي القدرات والمواهب المحدودة والمتاحة وغالبا ما تأتي عشوائية بعيدة عن الواقع ، ثلاث حكومات من بعد الثورة فشلت في تغيير أوضاع البلاد أو حتي العودة للحالة الطبيعية أمنيا واقتصاديا قبل قيامها لأنها وجدت نفسها أمام واقع سريع التغير والإيقاع ولم تملك سرعة رد الفعل لمواجهتها فتراكمت المشاكل وتعقدت الأزمات وصار حال مصر كما نشهده هذه الأيام والشهور السابقة من تعثر لآخر . أما الذين يصنعون الأزمات فكثيرون علي الساحة السياسية وفي الشارع ، المطالبون بحقوقهم الضائعة منذ سنوات طويلة وظيفيا وماليا أحالوا حياة بقية المصريين إلي جحيم متحرك في كل الأرجاء من قطع طرق وإيقاف عجلة الإنتاج عن الدوران وصدامات في الشارع ولسان حالهم يقول أن هذه المطالب إن لم تجب هذه الأيام فلن تتحقق فيما بعد ، انفلات أمني تقوده عصابات تتمتع بحماية مباشرة وغير مباشرة من قيادات وأجهزة أمنية ورجال أعمال من فلول النظام القديم تشعر أن زمنها قد ولي وتتشبث بالبقاء فتنطلق جحافل المسجلين خطرا وأرباب السجون والبلطجية من كل الأصناف لترويع الآمنين في بيوتهم وفي الطرقات وسرقة ممتلكاتهم وصولا لقتلهم ، سلوكيات الكثيرين الذين ترجموا الثورة أنها حرية بلا ضوابط تسمح لهم بالتعدي علي حدود الآخرين في الشوارع وفي أماكن العمل وغيرها ، حولنا ميدان التحرير إلي ساحة للفوضي والبلطجة وشوارعنا إلي كتل من الحديد واللحم تصطدم ببعضها البعض تخنق أنفاسنا وتشل حركتنا وكأن التغيير أهم أهداف الثورة جاء بما هو أسوأ وبأيدينا وليس بأيدي الغير والمشاكل الحياتية التي نشهدها هذه الأيام هي بفعل من يصنعون الأزمات ونكمل نحن بقية السيناريو بتعقيدها وتعميقها !! وفي المشهد السياسي خلافات علي السطح وفي العمق والاتفاق الوحيد بين القوي هو علي الاختلاف ، حناجر زاعقة ناعقة وحالة مزمنة من التربص بين هذه القوي تتحول لحملات تشكيك وتخوين وكل يشهر سيفه في وجه الآخر ليثبت أنه الأقوي والأجدر والأحق من غيره بأن يقود مسيرة الوطن ، حولنا شاشات الفضائيات والإنترنت لساحات حروب لاتبقي ولاتذر ، وبدلا من أن تدير العقول المفكرة الأزمات بوعي وإخلاص تحولوا لصناع أزمات من الطراز الأول لأن الخلاف والصراع عند هذه القوي هو سيد الموقف !! ليس هناك طرف ثالث ولا لهو خفي فمن يقفون وراء مايحدث ينتمون للطرفين من يديرون الأزمات أو من يصنعونها ، فمن لايجيدون تلك الإدارة يقودون الوطن لكوارث حقيقية أما من يصنعون الأزمات بوعي أو دون ذلك فهم يعيشون بيننا لكنهم يخدمون مصالحهم الضيقة علي حساب المجموع، الكل يصارع من أجل البقاء ولو بإقصاء الآخر! مصر الآن علي مفترق طرق فإما أن تسير في طريق النهضة المنتظرة والمأمولة أو أن تتجه إلي منحدر الفوضي، والأمل معقود علي الشرفاء والمخلصين لهذا البلد في أن يقودوا سفينة الوطن إلي بر الأمان ، نحن علي مقربة من وضع دستور وانتخاب رئيس للبلاد وتسليم السلطة وهي خطوة عملاقة كي نبدأ البناء لبلد يملك الكثير من الموارد والإمكانات البشرية والمادية للنهوض ويمكنه أن يتبوأ مكانته التي يريدها ويتمناها كل مصري بين الأمم ، لكن ماهو المطلوب الآن ؟ أن نهدأ قليلا ونعقد هدنة بين كل الأطراف كي نلتقط أنفاسنا وأن نوقف حروب الهواء ونعيد حساباتنا وأن نضبط سلوكياتنا ونواجه الانفلات في كل مكان وأن يشعر كل منا أنه لايعيش وحده وأنه جزء من وطن يعيش الجميع فيه علي قدم المساواة دون تفرقة علي أساس العرق والجنس والدين والمستوي الاجتماعي ، وعلي من يديرون أزمات البلاد أن يقوموا بمهمتهم في مواجهتها حتي يسلموا الأمور لقيادة جديدة ، أما من يصنعون الأزمات فواجبنا أن نتصدي لهم ونطهر البلاد منهم ، الأسابيع القادمة مصيرية في تاريخ مصر علينا جميعا أن نعبرها بسلام. مصر جزء من محيط عربي وإسلامي وإفريقي وعالمي وعلي أبنائها المخلصين إعادتها لهذا المحيط الواسع وهي تملك تاريخا ممتدا في عمق الزمن تعثرت خلاله أحيانا لكنها سرعان ماقامت واستردت مكانتها وعادت حاضرة للأمم ومنارة للشعوب وسوف تعود بإذن الله كلمة أخيرة علمت أن رزقي لن يأخذه غيري فاطمأن قلبي ، وعلمت أن عملي لايقوم به غيري فاشتغلت به. )الحسن البصري)