مشهد من الفيلم لم تكن مفاجأه أن يحصل فيلم الفنان ""The artist للمخرج الفرنسي "ميشيل هازانوفيتش "علي جائزة اتحاد المخرجين الأمريكيين فقد سبق له الحصول قبل عدة أيام علي جائزة الجولدن جلوب لأفضل فيلم كوميدي أو موسيقي، كما حصل بطله الفرنسي "جين دي جاردين" علي جائزة أفضل ممثل، وهو ينافس بشدة علي جائزة الأوسكار التي سوف تعلن نتائجها منتصف الشهر المقبل! فيلم الفنان عرض للمرة الأولي في مهرجان كان، وانطلقت شهرته منذ العرض الأول، ليستولي علي اهتمام كل من الجمهوروالنقاد، فهو من التحف الفنية، التي يندر أن يجود الزمان بمثلها، ويستدعي حقبة شديدة الأهمية من تاريخ صناعة السينما، تلك التي بدأ معها دخول الصوت علي الفيلم السينمائي، بعد أن ظل صامتاً يعتمد علي سحر الصورة وقدرتها علي التعبير، والسرد دون الحاجة للحوار أو المؤثرات الصوتية! - فيلم الفنان تدور أحداثه في عام 1927وفي مرحلة فاصلة بين السينما الصامته، والسينما بعد دخول الصوت عليها، وحتي يدخلك إلي هذا العالم، يقدم المخرج "ميشيل هازانوفيتش" فيلمه بالأبيض والأسود، وعلي طريقة السينما الصامتة أيضا، حيث نتابع علي الشاشة لوحات يكتب عليها القليل جدا من الجمل التوضيحية، مع الاستعانة بموسيقي تصويرية، تصاحب كل الأحداث، وتمنحك التأثير الدرامي المناسب، من المرح والحزن، والإثارة والغموض، حتي تترات الفيلم كتب عليها أسماء المشاركين بنفس طريقة كتابة الأفلام القديمة، مع الاستعانة بنفس أسلوب النقل بين المشاهد من الاختفاء التدريجي إلي الظهور التدريجي، والمزج بين مشهد وآخر، هذا بالطبع بالإضافة إلي أسلوب القطع السلس، والمونتاج المتوازي، وطريقة الإنقاذ في اللحظات الأخيرة، علي طريقة "جريفيث"، أي أن الفيلم نوستالجيا لزمن قديم نتابعه من خلال بعض أفلام شارلي شابلن التي سبق إنتاجها قبل دخول الصوت علي الشريط السينمائي! يقدم الفيلم حياة واحد من نجوم تلك المرحلة وهو النجم الوسيم ذائع الصيت"جورج فالنتين"، يلعب دوره الممثل الفرنسي "جين دي جاردين"، وهو فتي أحلام النساء، ويقدم أفلاما تحقق لشركة الإنتاج أرباحاً خيالية، والرجل مثل معظم نجوم السينما علي مر العصور، يعيش في عالمه الخاص يتسم بالزهْو والغرور، ويعتقد أن الزمن يتوقف تحت قدميه، ولايخشي من أي نوع من المنافسة، فهو النجم الأول الذي تسعي إليه كل شركات الإنتاج، ويستطيع أن يفرض شروطه ويأمر فيطاع، يعيش جورج فالنتين في قصر فاخر، مع زوجة جميلة وباردة المشاعر، ويلازمه كلبه الأمين في كل تحركاته، بل إنه يفرض ظهوره في أفلامه أيضا، وينافس الكلب في الإخلاص للنجم الشهير، سائقه الخاص الذي يلازمه كظله ويعمل مديراً لأعماله وكاتماً لأسراره، ولكن حياة "فالنتين"، تتبدل مع ظهور فتاة شابة في حياته "ريبي ميللر"، وهي عاشقة لأفلامه وتتمتع بموهبة تتمني أن تجد لها طريقا للشهرة، ويمد فالنتين لها يد المساعدة، فتبدأ رحلة الصعود، وتقبل بأدوار متناهية الصغر في بعض أفلامه، ثم يبدأ نجمها في الصعود، في الوقت الذي يحدث فيه، انقلاب في فن صناعة السينما، بدخول الصوت علي الأفلام، ويقف فالنتين مثل معظم نجوم السينما الصامتة، موقفا متشدداً، من دخول الصوت للأفلام، بل إنه يرفض التمثيل في تلك الأفلام باعتبارها سوف تهدد الصناعة، وهو نفس الموقف الذي اتخذه في الحقيقة شارلي شابلن، ولكنه اضطر إلي تغيير موقفه عندما أدرك أن المستقبل للسينما الناطقة، أما فالنتين فقد اكتشف أنه أصبح فجأة خارج الزمن، وأن شعبيته آخذة في التحلل، وأعرض المنتجون عن طلبه، وبدأت حياته في الانهيار وهجرته زوجته، وأصبح وحده في خندق يقاوم قطار الزمن ، الذي مر سريعاً دون أن يستطيع ان يلحق به، وعاقه غروره وكبرياؤه عن الاعتراف بخطأ تقديراته، وقرر أن يغامر بكل مايملك وينتج فيلماً يقوم بإخراجه وبطولته ليؤكد قدرة السينما الصامتة علي المنافسة، ولكن تجربته تواجه بفشل عظيم، ويخسر معها أمواله وشهرته، في الوقت التي تصبح فيه "ريبي ميللر" نجمة السينما الناطقة، وتحقق أفلامها نجاحاً ورواجاً عالمياً، ومن باب الوفاء لرجل قدم لها العون والدعم وهي في بداية حياتها، تحاول "ميللر"، أن ترد الجميل وتعيد للرجل اعتباره، ولكنها تفشل المرة تلو الأخري نظراً لتعنته وغروره، روعة الفيلم أنه يستخدم كل مفردات الماضي في تقديم فن طازج، يتحدي الزمن، فالقصة كما يبدو تميل للميلودراما، وهي رحلة صعود فتاة موهوبة يقابلها بالتوازي رحلة انزواء وخفوت الأضواء عن نجم كان اسمه يملأ الدنيا ضجيجا، ثم أصبح في خبر كان، منبوذا وحيداً لايهتم بأمره إلا كلبه المخلص وسائقه الذي ظل ملازماً له، رغم أنه أصبح لايتقاضي أجراً علي خدماته نظراً لإفلاس سيده، ولكن هذه الحكاية التي لابد أن تكون قد شاهدت مثلها في عشرات الأفلام، يعاد تقديمها بأسلوب فني شديد الروعة، ليؤكد للمرة المليون أن الفيلم السينمائي لا يعتمد علي الحدوتة فقط، ولكن كيفية سرد تلك الحدوتة، باستخدام عناصر السينما، سيناريو، تصوير ديكور، ماكياج، مونتاج تمثيل، موسيقي وإخراج! الإبداع الفني لايتوقف وعالم السينما له سحر متجدد لايُدركه إلا من يُقدر قيمة الفنون!