لم تكن مفاجأة أن يحصل فيلم الفنان ""the artist للمخرج الفرنسي "ميشيل هازايافيكس "علي جائزة الجولدن جلوب أفضل فيلم كوميدي أو موسيقي، وأن تحصل بطلة "جين دي جاردين" علي جائزة افضل ممثل في الحفل رقم 69 للجولدن جلوب التي اعلنت نتائجها مساء الاحد 15 ينايرالماضي، وبالتأكيد سوف نعرف اليوم أو غدا عند إعلان ترشيحات الأوسكار أن الفيلم ينافس بشدة بين عشرة افلام هي الافضل للعام المنصرم! فيلم الفنان عرض للمرة الاولي في مهرجان «كان» وانطلقت شهرته منذ العرض الأول، ليستولي علي اهتمام كل من الجمهور والنقاد، فهو من التحف الفنية، التي يندر أن يجود الزمان بمثلها، ويستدعي حقبة شديدة الأهمية من تاريخ صناعة السينما، تلك التي بدأ معها دخول الصوت علي الفيلم السينمائي، بعد أن ظل صامتاً يعتمد علي سحر الصورة وقدرتها علي التعبير، والسرد دون الحاجة للحوار أو المؤثرات! في عام 1895 اخترع الاخوين لوميير، آلة السينما"الكاميرا"، وكان لهذا الاختراع دوي عظيم، حيث اعتبره البعض نقلة حضارية كبيرة، غيرت شكل الحياة في القرن العشرين، حيث قامت بالإمساك بكل لحظة مر بها التاريخ الإنساني، الحرب العالمية الاولي، الثورات الشعبية، أهم الاحداث السياسية، إن عقدة الانسان الدائمة هي في عجزه السابق علي الإمساك بعجلة الزمن، فلا يستطيع أن يعيد مافات، ولايستقدم ماهو قادم من أحداث، ولكن آلة السينما منحته، هذه القدرة العبقرية التي نتعامل معها ببساطة الآن، وعن طريقها تستطيع أن تستعيد شكل الحياة في مصر أو في أي مكان من العالم من نصف قرن، لتتعرف علي شكل الحياة والمباني ونوع السيارات والأزياء، بل تستطيع أن تسترجع صورة وصوت أناس رحلوا عن العالم من عشرات السنوات، هذا إذا تعاملنا مع كاميرا السينما كجهاز لتسجيل اللحظة ثم استعادتها، ولكن مع بداية السينما الروائية، اصبح من الممكن أن نعود الي أزمنة أكثر قدماً من تاريخ صناعة السينما، فالافلام الروائية تستحضر زمن الانسان الاول، أو ظهور السيد المسيح، أو حروب الرومان، أو اكتشاف أمريكا كل هذا تتيحه لنا الافلام السينمائية، بما لها من قدرة علي إعادة التاريخ من خلال الديكورات والازياء والماكياج وفن التمثيل!أما المستقبل فقد منحتنا السينما وخيال صناعها عشرات الأشكال والتصورات لما يمكن أن تكون عليه المستقبل القريب أو البعيد! فيلم الفنان تدور احداثه في عام 1927 وفي مرحلة فاصلة بين السينما الصامتة، والسينما بعد دخول الصوت عليها، وحتي يدخلك الي هذا العالم، يقدم المخرج ميشيل هازايافيكس فيلمه بالأبيض والأسود، وعلي طريقة السينما الصامتة ايضا، حيث نتابع علي الشاشة لوحات يكتب عليها القليل جدا من الجمل التوضيحية، مع الاستعانة بموسيقي تصويرية، تصاحب كل الأحداث، وتمنحك التأثير الدرامي المناسب، من المرح والحزن، والاثارة والغموض، حتي تتر الفيلم كتب عليه أسماء المشاركين بنفس طريقة كتابة الأفلام القديمة، مع الاستعانة بنفس أسلوب النقل بين المشاهد بين الاختفاء التدريجي الي الظهور التدريجي، والمزج بين مشهد وآخر، هذا بالطبع بالاضافة الي اسلوب القطع السلسل، والمونتاج المتوازي، وطريقة الانقاذ في اللحظات الأخيرة، علي طريقة "جريفيث"، أي أن الفيلم نوستالجيا لزمن قديم نتابعه من خلال بعض افلام شارلي شابلن التي سبق انتاجها دخول الصوت علي الشريط السينمائي! قطار الزمن يقدم الفيلم حياة واحد من نجوم تلك المرحلة وهو النجم الوسيم ذائع الصيت"جورج فالنتين"، يلعب دوره الممثل الفرنسي "جين دي جاردين"، وهو فتي احلام النساء، ويقدم أفلاما تحقق لشركة الانتاج أرباحاً خيالية، والرجل مثل معظم نجوم السينما علي مر العصور، يعيش في عالمه الخاص يتسم بالزهو والغرور، ويعتقد أن الزمن يتوقف تحت قدميه، ولايخشي من أي نوع من المنافسة، فهو النجم الاول الذي تسعي إليه كل شركات الانتاج، ويستطيع أن يفرض شروطه ويأمر فيطاع، يعيش جورج فالنتين في قصر فاخر، مع زوجة جميلة وباردة المشاعر، ويلازمه كلبه الأمين في كل تحركاته، بل انه يفرض ظهوره في أفلامه أيضا، وينافس الكلب في الإخلاص للنجم الشهير، سائقه الخاص الذي يلازمه كظله ويعمل مديرا لاعماله وكاتماً لأسراره، ولكن حياة "فالنتين"، تتبدل مع ظهور فتاة شابة في حياته "ريبي ميللر"، وهي عاشقة لافلامه وتتمتع بموهبة تتمني أن تجد لها طريقا للشهرة، ويمد فالنتين لها يد المساعدة، فتبدأ رحلة الصعود، وتقبل بأدوار متناهية الصغر في بعض أفلامه، ثم يبدأ نجمها في الصعود، في الوقت الذي يحدث فيه انقلاب في فن صناعة السينما، بدخول الصوت علي الافلام، ويقف فالنتين مثل معظم نجوم السينما الصامتة، موقفا متشدداً، من دخول الصوت للأفلام، بل انه يرفض التمثيل في تلك الأفلام باعتبارها سوف تهدد الصناعة، وهو نفس الموقف الذي اتخذه في الحقيقة شارلي شابلن، ولكنه اضطر الي تغيير موقفه عندما أدرك أن المستقبل للسينما الناطقة، أما فالنتين فقد اكتشف أنه اصبح فجأة خارج الزمن، وأن شعبيته آخذة في التحلل، وأعرض المنتجون عن طلبه، وبدأت حياته في الانهيار وهجرته زوجته، وأصبح وحده في خندق يقاوم قطار الزمن، الذي مر سريعا دون أن يستطيع أن يلحق به، وعاقه غروره وكبريائه عن الاعتراف بخطأ تقديراته، وقرر أن يغامر بكل مايملك وينتج فيلما يقوم بإخراجه وبطولته ليؤكد قدرة السينما الصامتة علي المنافسة، ولكن تجربته تواجه بفشل عظيم، ويخسر معها أمواله وشهرته، في الوقت التي تصبح فيه ريبي ميللر نجمة السينما الناطقة، وتحقق افلامها نجاحا ورواجاً عالمياً، ومن باب الوفاء لرجل قدم لها العون والدعم وهي في بداية حياتها، تحاول "ميللر"، أن ترد الجميل وتعيد للرجل اعتباره، ولكنها تفشل المرة تلو الاخري نظرا لتعنته وغروره، روعة الفيلم أنه يستخدم كل مفردات الماضي في تقديم فن طازج يتحدي الزمن، فالقصة كما يبدو تميل للميلودراما، وهي رحلة صعود فتاة موهوبة يقابلها بالتوازي رحلة انزواء وخفوت الاضواء عن نجم كان اسمه يملأ الدنيا ضجيجا، ثم أصبح في خبر كان ، منبوذا وحيدا لايهتم بأمره إلا كلبه المخلص وسائقه الذي ظل ملازما له، رغم انه اصبح لايتقاضي أجرا علي خدماته بعد أن افلس سيده، ولكن هذه الحكاية التي لابد وأن تكون قد شاهدت مثلها في عشرات الافلام، يعاد تقديمها بأسلوب فني شديد الروعة، ليؤكد للمرة المليون أن الفيلم السينمائي لا يعتمد علي الحدوتة فقط، ولكن كيفية سرد تلك الحدوتة، باستخدام عناصر السينما، سناريو، تصوير، ديكور، ماكياج، مونتاج تمثيل، موسيقي وإخراج ! الزهايمر وحصلت ميريل ستريب علي الجولدن جلوب كافضل ممثلة عن دورها في فيلم «المرأة الحديدية»، ولاشك أنه سوف ترشح للأوسكار عن نفس الدور الذي قدمته بإبداع منقطع النظير، لتجسد عشرين عاما أو يزيد من حياة مارجريت تاتشر رئيس وزراء بريطانيا السابقة، التي كانت تلقب بالمرأة الحديدية، قدمت ستريب مراحل من حياة تاتشر وهي سيدة طموحة في مقتبل الحياة، تعيش مع زوج تحبه ويبادلها الحب ويدعم طموحها، ثم وهي سيدة في خريف العمر تعاني من الزهايمر وقد اصبحت وحيده تعيش مع ذكريات الماضي، وتتحدث الي زوجها الذي رحل عنها ولكنها تراه معها في كل مكان في المنزل، حتي قررت أن تتخلص من محاصرته لها وتواجه نفسها بغيابه فجمعت كل ملابسه وأحذيته التي كانت تحتفظ بها وقررت أن تستبعدها، ومع ذلك لم تستطع أن تتخلص من وجوده معها ربما لانها كانت تحتاج له في سنوات الشيخوخة والعزلة أكثر من احتياجها له في أي وقت مضي، يمكنك أن تتابع أروع نموذج في فن الأداء التمثيلي، ذلك الذي قدمته ميريل ستريب حتي أن رعشة يديها، وهزة من رأسها أو ابتسامة خفيفة دون أن تنطق بكلمة كانت كافية للتعبير عن معان ربما تستهلك صفحات لشرحها، استخدام الصوت في مرحلة الشباب بما يحمله من قوة وتحد واصرار وثقة، ثم ارتعاشة نفس الصوت في وهن وهي في مرحلة الذبول، حتي اللهجة التي استخدمتها وهي تنطق الانجليزية علي الطريقة البريطانية المميزة، وشرب الشاي في فنجان حركة اليد أو طريقة المشي والجلوس كلها وسائل تعبير عن الشخصية قدمتها ميريل ستريب في مهارة حاوي يعرف أنه يستطيع أن يدهشك بما يقدمه حركات مذهلة لاتعرف كيف ومتي أتقنها ! سيريانا نال جورج كلوني جائزة افضل ممثل في فيلم درامي عن الأحفاد، وهي الجائزة التي لم يكن يليق أن يحصل عليها سواه، رغم منافسة كل من براد بيت، وليوناردو دي كابريو، قدم جورج كلوني حالة رجل من عائلة ثرية، تصاب زوجته في حادث أثناء قيامها برياضة التزلج علي الماء، وينتج عن الحادث دخولها في غيبوبة، ويصارحه الطبيب أن حالتها ميئوس من شفائها وعليه أن يدبر لحاله ويستعد لرفع أجهزة الإعاشة وإعلان وفاتها رسميا، ويتقبل "مات كينج" الحقيقة بقلب جريح، فلم تكن إليزابيث زوجته فقط بل حبيبة قلبه وأم طفلتيه، ويستجمع الرجل رباطة جأشه ليخبر طفلتيه بالأمر ويعدهما لتقبل الحقيقة، يفاجأ بابنته الكبري 17 سنة تخبره بأن والدتها كانت تخونه وكانت قد عقدت النية علي طلب الطلاق منه !ويصاب الرجل بحالة من الغضب الشديد ولكنه في نفس الوقت، لايستطيع أن يتخلي عن الزوجة المريضة ولايستطيع أن يحتمل عذابه، ويسعي لمعرفة الرجل الآخر، والتقرب منه وعندما يلقاه يجده زوجاً وأب لأسرة صغيرة تبدو سعيدة، فيتراجع عن فضح أمره أمام أسرته، ولكنه يسأله في مرارة وعلي انفراد كيف تعرف علي زوجته، وماذا قدم لها ليغريها بترك أسرتها والارتماء في أحضانه، ويخبره أنه لايمانع في أن يلقي عليها النظرة الاخيرة، ورغم هذا الغضب إلا أن مات كينج، يودع زوجته بدموع ساخنة ويناجيها ويطلب منها الصفح إن كان قد أساء إليها أو انشغل عنها وتركها تشعر بالوحدة ومن ثم تلجأ الي حب رجل آخر، "الأحفاد" من نوعية الأفلام التي تعتمد علي التفاصيل الدقيقة وعلي عبقرية أداء الممثل الذي يتقلب بين مشاعر الحب والغضب والإحساس بالمسئولية والانكسار والكبرياء ، والتعالي عن الانتقام كل هذا في آن واحد! وبدون شك سوف يحصل جورج كلوني علي الأوسكار ايضا عن هذا الدور، الذي سبق له الحصول عليه في عام 2005 عن فيلم "سيريانا"، بينما تم ترشيحه ثلاث مرات!