الساعات والأيام الأولي لبرلمان الثورة تابعها ملايين المصريين علي الهواء باهتمام وشغف بالغ، لكن ثمة مخاوف بدأت في الظهور في أن ينتقل الصراع بين التيارات السياسية وماجري في ميدان التحرير في الأيام التي تلت الجلسة الافتتاحية إلي داخل المجلس في الجلسات القادمة، حيث وجهت للأغلبية اتهامات من المعارضة الليبرالية بأنها تمارس نفس دور الحزب الوطني المنحل ورد ممثلو التيار الإسلامي بالقول بأن ماتقوم به هذه القوي يمثل ديكتاتورية تمارسها الأقلية بالصراخ وإلقاء التهم جزافا لنجد أنفسنا أمام حالات ومواقف تربص واستقطاب وتصفية للحسابات بين الطرفين قد لاتنتهي!! الشعب قال كلمته واختار برلمانه وعلي الجميع أن يقبل بما انتهت إليه العملية الديمقراطية التي جاءت بهذا المجلس ولايجب الالتفات للحظة أمام من اتهم الشعب بالجهل وقلة الوعي لأنها نفس ادعاءات وأكاذيب أقطاب النظام القديم، والذين جاءت بهم الصناديق هذه المرة ربما لن تأتي بهم مرة أخري إذا فشلوا في مهمتهم ولم ينجحوا في حل مشاكل الشعب عبر سن التشريعات التي تحقق مصالحه أو لم يفلحوا في دو الرقابة والمحاسبة لأجهزة الدولة والتصدي لكل صور الفساد، أما أن يقف البعض ويتربص بكل حركة وسكنة للأغلبية فإن ذلك سيحول البرلمان لساحة صراعات وفوضي لن تنتهي ليفقد الشعب ثقته في هذا البرلمان وأعضائه ويكفر بالديمقراطية وماجلبته لهم وعليهم ، وليس مطلوبا أيضا أن تعطي الأقلية شيكا علي بياض للأغلبية لتفعل ماتريد دون أن تقول كلمتها بوضوح وشفافية وإخلاص وأن تقوم بدورها كمقومة لحركتها وإضافة فعالة لها لصالح الوطن والمواطن. الشعب ينتظر ويأمل الكثير من هذا البرلمان في أن يتمتع بروح ثورية لكن بعقلانية وحكمة وموضوعية عبر مراجعة كل القوانين التي شابها العوار في النظام القديم وحمت الفاسدين وأن يكون عينه علي كل مايجري علي أرض مصر حتي يتم استئصال الفساد بكل صوره ويتوقف القهر والاستبداد بأشكاله البغيضة التي دفع الناس ثمنها طويلا وغاليا وأن تقوم دولة العدل والقانون وتعود لمصر مكانتها ودورها الذي فقدته علي مدي عقود من الزمن! مايريده الشعب من الأغلبية والمعارضة ألا يتحولوا لخصوم يديرون صراعا البعض من أجل الشو الإعلامي والانتماء الحزبي والأيديولوجي أو يستعرض البعض قدراته في طرح الآخرين أرضا، القضية هي أن يتعاون الجميع لإنقاذ أمن واقتصاد مصر وانتشال البلاد من حالتها الراهنة وعندما ينجزون ذلك سوف نحملهم فوق الأعناق ونجدد ثقتنا بهم للاستمرار تحت قبة البرلمان. لقد رأينا صورا مشرقة في بداية جلسات مجلس الشعب ، تم اختيار رئيسه علي الهواء وكذلك الوكيلين وماحدث من جدل حول القسم الدستوري وقيام بعض النواب علي اختلاف توجهاتهم بإضافة كلمات للقسم ولم يفسد ذلك فرحة المصريين بتحقق أحد أهداف الثورة بأن يكون هناك انتخابات نزيهة وانعقاد أول برلمان بإرادة واختيار الشعب بكل حرية وشفافية رغم بعض التجاوزات التي لم تصل إلي حد بطلان العملية الانتخابية أو التشكيك في نزاهتها ، رأينا نوابا يبكون وهم علي أبواب المجلس غير مصدقين بأنهم أصبحوا ممثلين للشعب ، رأينا نائبا يبكي لما أصاب ابنه خلال الثورة ويطالب بالقصاص فيبكي المجلس معه وهي صورة لم نرها من قبل في يوم من الأيام في البرلمانات السابقة التي تمتعت بانعدام الإحساس بالشعب أو تأثرهم بما يحدث له ، رأينا رئيسا للمجلس كان نائبا معتقلا لينقلب الحال ويعتلي هو المنصة بينما الرئيس السابق خلف القضبان ، رأينا ضباط المجلس يؤدون التحية للنواب الجدد في حين كان زملاء لهم في الماضي القريب يقتادون هؤلاء ويعاملونهم معاملة المجرمين والإرهابيين فإذا بهم يشكلون غالبية المجلس ويجلسون في نفس مقاعد الكثير من الفاسدين الذين يقبع معظمهم خلف أسوارالسجون أو الذين لفظهم الشعب من فلول النظام القديم الذي لن يكون له من يسانده أو يغطي علي جرائمه في المجلس الجديد كما حدث في السابق !! لكن مايجري خارج البرلمان يثير الانزعاج والقلق فيما يتعلق بالشرعية الدستورية أو شرعية البرلمان والشرعية الثورية في الميدان وهي مقارنة ليست في مصلحة الشعب ولا شباب هذا الوطن الذين شاركوا مثل غيرهم في التصويت في الانتخابات التي جاءت بهذا المجلس أي بالاختيار الحر وبإرادة هذا الشعب وليس شعبا آخر ولم يهبط هؤلاء المرشحون علينا فجأة من السماء ، وهذا البرلمان من أهم إنجازات الثورة حتي الآن واستكمالا لمسيرتها ، البعض يستبق ماسيفعله البرلمان ويحكم عليه مبكرا بالفشل وأنه لا يمثل الثورة ولا كافة الأطياف السياسية وأن ممثلي تيار الأغلبية خطفوها وكأنها كرة يتقاذفها الجميع فيما بينهم أو كعكة يتسابقون علي التهامها ، واتهامات التخوين التي رددتها بعض القوي السياسية والكائنات الفضائية الزاعقة في كل واد عادت من جديد في اتجاه البرلمان الذي لايزال عند محطة البداية ، وهنا نتساءل لمصلحة من وأد هذه التجربة في مهدها وإعادة عقارب الساعة للوراء وخلط الأوراق والتي قادت للصدامات التي حدثت بالميدان خلال الأيام الماضية وربما تتصاعد؟ وهل نعود للدوران في حلقات مفرغة مرة أخري؟ وهل لو جاءت نتيجة الانتخابات بأغلبية مختلفة كنا سنري مايحدث الآن ؟! ونقول في النهاية أنه لابد أن تحترم إرادة واختيار هذا الشعب ، والمشوار طويل وشاق لإكمال مسيرة الثورة وإزالة تراكمات الماضي الثقيلة وعلي الجميع أن يتوافقوا ميدانا وبرلمانا وشبابا وشعبا لمصلحة هذا البلد الطيب العظيم. كلمة أخيرة رأيت الدهر مختلفا يدور فلا حزن يدوم ولاسرور، وقد بنت الملوك به قصورا فلم تبق الملوك ولا القصور (الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه)