مر عام علي انطلاق ثورة 25 يناير الذي ارتفع فيه الشعار الشهير والأثير الذي تردد صداه في كل ثورات الربيع العربي "الشعب يريد إسقاط النظام" فماالذي تحقق خلال ذلك العام؟ لست مع القائلين بأن شيئا لم يتحقق وأننا نحتاج لثورة ثانية وكأن المطلوب في كل ذكري أن نطلق ثورة ثانية، ولست أيضا مع من يرددون أن كل شيء تحقق فالنظام سقط ومصر أصبحت دولة ديمقراطية ، وجهتا النظر تحتاجان الكثير من الفحص والتمعن لتصحيحهما وتصويبهما وربطهما بسؤال مهم هو: ماذا كان يريد الشعب، وماذا تحقق مما أراده وحلم به في ثورته ؟ أديان ورسالات السماء وليس الثورات لم تستطع أن تغير البشر في أسابيع أو شهور لأن التغييرعملية شاقة ومعقدة ، الثورة نجحت في موجتها الأولي أن تزيح نظاما فعل كل شيء من أجل أن يبقي للأبد، لكنه ترك تراثا تفوح منه روائح الفساد والاستبداد والقهر وتوغل ليس فقط داخل مؤسسات وأجهزة الدولة ولكن في عقول وأذهان المصريين ولذا كان عام الثورة هو الأصعب لأننا بدأنا نمارس الحرية لأول مرة ونسعي للتغيير وهذا هو الأصعب ، الثورة كانت معجزة في قيامها لكننا نحملها بما لاتطيق في أن تكون حلقات متصلة من المعجزات ، البشر الذين عاشوا سنوات طويلة في زمن حرموا فيه من الحرية والعدالة وحق العيش هل كان متصورا أن يستيقظوا في الصباح ليجدوا كل شيء قد تغير وأنهم أصبحوا أحرارا وأصبحت بلادهم واحة للديمقراطية ونمرا من نمور الاقتصاد وكل مظاهر التخلف والفقر والجهل اختفت ، القضية هنا أننا أطلقنا ثورة وبدأت تثمر قليلا، لكن أوان الحصاد ليس قريبا ، عشنا عاما صعبا كنا في بدايته أشبه بسجين ظل طويلا حبيس زنزانة مظلمة ثم خرج للنور فجأة فماذا يمكن أن يحدث له ؟ لن يستطيع أن ينظر لضوء الشمس وستتعثر خطواته وربما يسقط ثم يقوم مرة أخري حتي يعتاد هواء وضوء الحرية.. هكذا كان حالنا طوال عام وربما تطول المدة لأعوام قادمة لأن المطلوب ليس أن نغير النظام فقط وإنما أن نتغير نحن أيضا ، أن نشعر بآدميتنا وإنسانيتنا وأن يكون كل منا حرا دون أن تكون حريته خصما من حرية الآخر.. فهل هذا ماحدث طوال عام؟! المرحلة الانتقالية لم تكن بالصورة التي تمناها الكثيرون من الشرفاء والمخلصين من أبناء هذا الشعب لأننا في جانب خرجنا من مرحلة مظلمة إلي النور فكان التخبط والارتباك وماحملناه من تركة ثقيلة سنظل لبعض الوقت نعاني منها، وفي جانب آخر فإن الثورة لم تبهر وتذهل العالم فقط ولكنها أذهلتنا نحن أيضا، السنة الأولي كانت اختبارا صعبا علي كل المستويات لقدرتنا علي إحداث التغيير وقدرتنا علي المضي فيه، حالة التربص ببعضنا البعض ومحاولة بعضنا إقصاء الآخر بينما النظام القديم لم يسقط بالكامل وبقاياه تعمل بنفس أسلوبه وطرقه ورأينا مهرجانا في التغني بالثورة من الكثيرين ممن تغنوا وأطربوا الناس في مدح النظام القديم وكأنهم لايرون الشعب أو أنه فقد ذاكرته، شاهدنا نخبا تعالت علي الشعب وحطت من قدره وكأنهم وحدهم من يملكون القدرة علي تمييز ماهو صالح ومايضر بحاضر ومستقبل هذا البلد، ونسي الكثيرون منهم أنهم كانوا جزءا من النظام القديم ، رأينا بعض شباب تلك الثورة وقد بدأوا ينظرون بأحادية لمجتمعهم وكأنهم أصحاب الفضل الأول في قيامها وأن من حقهم أن يمسكوا بزمام الأمور وأن تكون لهم الكلمة الفصل في كل مايجري ونسوا أنه لولا فضل الله وإرادته أولا ثم وقوف الشعب وراءهم لتم إجهاض هذه الثورة في مهدها، كما بدأ البعض في دفع الثورة بعيداً عن مسارها السلمي واستغل البعض ممن يتربصون بها ذلك للانقلاب عليها والادعاء بأنها قادت البلاد للفوضي والخراب!! وثمة مشكلة تمثلت في تعجل الكثيرين لجني الثمار قبل أن تنضج وتحول الأمر لفوضي عارمة في مناطق وشوارع مصر بين بلطجية يروعون البلاد والعباد ومطالب فئوية لاتتوقف يوما مصحوبة بأعمال عنف وقطع طرق وإرباك حياة الآخرين وتظاهرات خرجت عن طابعها السلمي وتجاوزات لاتنتهي في كافة أجهزة الدولة في تفسير وترجمة للبعض أننا في حالة ثورة! عجلة الاستقرار الأمني دارت قليلا لكنها لم تتم دورتها الكاملة التي يشعر فيها المواطن أنه يعيش آمنا في مسكنه والطرق التي يسير فيها وأنه أصبح يعامل بآدمية ، أما عجلة الاقتصاد فما تزال تتحرك ببطء شديد وتتوقف أحيانا عن الدوران وهو مايشكل عائقا كبيرا أمام عودة الحياة الطبيعية للبلد وأننا في طريقنا لإحداث نهضة شاملة ، كما نسي البعض أننا في ثورتنا لانتحرك في فراغ مفتوح معزول عن بقية العالم، فهناك من يتربص بتلك الثورة ولايريدها أن تمضي نحو تحقيق أهدافها، وقضية التمويل الأجنبي أثبتت أن الغرب يتربص بثورات الربيع العربي وبصفة خاصة النسخة المصرية ولايريد لنا أن ننهض من كبواتنا واستمرار تبعيتنا وهيمنة هذه القوي علينا ، لأنهم يعلمون جيدا أن نهضة مصر وخروجها من شرنقة التبعية سوف يكون أشبه بزلزال ستمتد موجاته الارتدادية عبر المنطقة لتصبح قوة يحسب لها ألف حساب في موازين القوي الإقليمية والدولية. ولنا أن نقول في النهاية إن مصر قامت ونهضت من سباتها العميق لكن علي الجميع تحمل مسئولياتهم من شباب هذه الأمة إلي مفكريها إلي كل قياداتها الجديدة حتي تظل شعلة الثورة متوهجة لتنير طريقنا نحو المستقبل. كلمة أخيرة ارم بسهمك نحو القمر حتي إذا أخطأته فسينتهي بك الأمر بين النجوم (مثل أسباني)