أيام قليلة ويسدل الستار علي أحداث ووقائع عام يمكن أن يحمل عنوانا كبيرا هو عام الصدمات ، من طبيعة غاضبة سجلت أرقاما قياسية في كوارثها وضحاياها وانهيار اقتصادي عالمي طال الجميع صغارا وكبارا علي حد سواء ، وعربيا غضبة شعوب علي نظم القهر والاستبداد.. لكن الأيام التالية للثورات حملت انقسامات وتعثرا في استمرارها لإكمال مهام التغيير الذي تنشده تلك الشعوب، وتربصا بها من الداخل والخارج وصراعا علي الهوية بين أبنائها.. لكن هناك ثورات مازالت تتعثر في إسقاط النظام بفعل آلة القمع والقهر الوحشية (نموذجا اليمن وسوريا).. لكنه العام الأهدأ بالنسبة لإسرائيل التي تمضي في مخططاتها لابتلاع المزيد من الأرض العربية بضمان الغرب ورعايته دون أن يحقق الجانب العربي شيئا يذكر في هذا الملف!! أما الصدمات العالمية فكانت سلسلة من الكوارث الطبيعية طالت كافة قارات العالم في أسوأ موجة جفاف حصدت أرواح عشرات الآلاف من أرواح سكان منطقة القرن الإفريقي خاصة الصومال من بوابة المجاعات، وعلي النقيض سيول وفيضانات غمرت وأغرقت مناطق الشرق الآسيوي خاصة ماحدث في اليابان من زلازل ومد بحري (تسونامي) وضحايا بعشرات الآلاف من البشر وخسائر فادحة وتهديد نووي من تصدع المفاعلات الذي تعاني منه البلاد حتي اليوم، إلي أندونيسيا وباكستان والصين وتركيا وصولا لنيوزيلندة والبرازيل وأمريكا التي شهدت ثورة براكين وفيضانات وزلازل والأرقام تشير لخسائر وصلت إلي 053 مليار دولار! الاقتصاد العالمي نال نصيبه من الكوارث هذا العام بفضل تصدع اقتصادات بلدان منطقة اليورو والتعثر في الاقتصاد الأمريكي وتداعياته في باقي العالم بفعل عوامل الركود والديون وتباطؤ النمو وارتفاع أسعار السلع وتذبذب مؤشرات البورصات العالمية خاصة وول ستريت، ووصل الاقتصاد العالمي لمنعطف خطير باعتراف المسئولين والخبراء، تلك الأزمات تركت آثارها الكارثية علي البشر الذين خرجوا لاحتلال الميادين في أوروبا وأمريكا (علي طريقة ثورات الربيع العربي)، احتجاجا علي ما أوصلته السياسات الاقتصادية، في انقلاب علي النظام الرأسمالي الذي أعطي ظهره لحياتهم ومصالحهم لحساب أصحاب رؤوس الأموال في اختبار حقيقي للأنظمة الليبرالية الغربية والدعامة الرئيسية التي تقوم عليها. الشرق شهد هذا العام ثورات الربيع العربي التي بدأت بثورة الياسمين في تونس في بدايات العام تلتها ثورة 52 يناير في مصر ثم ثورة 71 فبراير في ليبيا وثورة التغيير في اليمن ثم الثورة السورية.. وأطاحت ثلاث ثورات منها برؤوس الحكم فيها (بن علي ومبارك والقذافي) بينما تتعثر ثورتا اليمن وسوريا فتواجهان وحشية ودموية نظامي الأسد وصالح ، لكن المشكلة أن عملية الانتقال من أنظمة حكم شمولية إلي ديمقراطية أمامها مشاكل وعقبات كبري تعوقها.. وربما تجاوزت الثورة التونسية تلك المشاكل ونجحت في تخطيها نسبيا لكنها قد تواجه علي المدي القريب مشكلة وضع الدستور الجديد وما يتعلق بهوية الدولة وسط صراع مستمر بين القوي العلمانية والإسلامية. لكن مشكلة الثورة المصرية التي تمر هذه الأيام بأصعب وأخطر مراحلها أن المصريين منذ تنحي الرئيس السابق عن الحكم في 11 فبراير الماضي يعانون من حالة من الانقسامات في أوساط النخب السياسية ومن يديرون شئون الحكم وتصاعد الخلافات وبطء عملية الانتقال رغم الاستفتاء الذي جري في 91مارس بعد الثورة وحدد فترات ومواعيد ومراحل الانتقال لتشكيل برلمان واختيار الرئيس القادم ووضع الدستور، وشهدت شوارع وميادين مصر مليونيات وتظاهرات واعتصامات ثم أحداث عنف شعبية وطائفية بالإضافة إلي الانفلات الأمني والتعثر الاقتصادي مما ينذر بعواقب وخيمة علي مرحلة مابعد الثورة ويهدد استمرارها لتحقيق أهدافها. ورغم بطء عملية الانتقال إلا أن المصريين أقبلوا علي المشاركة علي نطاق واسع سواء في الاستفتاء أو الانتخابات.. فلأول مرة يشعرون أنهم يملكون قرارهم دون وصاية من أحد لكن هناك قوي في الداخل والخارج تقف بالمرصاد تجاه عملية التحول الديمقراطي وتدفع البلاد نحو حافة الانقسام بالتربص والإقصاء والتخوين للآخرين وباستغلال وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، وحولت الساحة السياسية خلال الشهور الماضية إلي حرب وصراع مفتوح، وانعكس ذلك بدوره علي الشارع بما شهده من موجات احتجاج سرعان ما تحول بدوره إلي ساحات للعنف عبر سلسلة متصلة من ماسبيرو إلي السفارة الإسرائيلية إلي شارع محمد محمود إلي أحداث مجلس الوزراء الأخيرة والصدام بين قوات الأمن والجيش والمتظاهرين وسقوط الكثير من الضحايا علي الجانبين. لكن الخطير في الأمر هو أن هناك بعض القوي بدأت عملية الشحن ضد القوات المسلحة والدعوة لإسقاط الدولة، كما ظهر في المشهد عمليات تأجير للبلطجية وأطفال الشوارع للقيام بالهجوم علي قوات الأمن والجيش وإحراق المنشآت التاريخية والعلمية في تطور خطير لمجريات الأمور وكأنهم يستنسخون مقولة مبارك »أنا أو الفوضي« إلي نحن أو الفوضي، اللوم لايجب أن يوجه للقوي التي لاتريد لمصر أن تنهض من جديد لكن لسوء إدارة شئون الحكم في البلاد وتدخل بعض النخب السياسية في تعطيل المسار الديمقراطي والملفات المفتوحة لقضايا الفساد ومن يقفون وراء دوامات العنف ويمولون المشاركين فيها وصار الفرز صعبا بين الثوار ومرتكبي حوادث العنف. إن الثورة المصرية تواجه في نهاية عامها الأول أصعب الاختبارات، فإما أن تمضي لتحقيق أهدافها أو تدخل البلاد في حالة من الفوضي الشاملة وسط مؤامرات من قوي الداخل والخارج، لكن من المهم سرعة كشف هذه المؤامرات والمتورطين فيها أيا ما كانت هوياتهم، وعلي الشعب الذي ذهب إلي مراكز الاقتراع أن يبقي متيقظا ومشاركا في حماية بلده والتصدي لمن يريدون إحراقه وتحويله إلي عراق أوصومال جديد وهذا لن يحدث طالما أن هذا الشعب أصبح يعرف قيمة صوته ومشاركته وأهمية أن يكون حرا. كلمة أخيرة المتفائل إنسان يري ضوءا غير موجود، والمتشائم أحمق يري الضوء ولايصدقه. (الشاعر الإنجليزي بيرون)