في قلب الاحتفاء بمئوية أعظم أدباء الكون ينضح المشهد في مصر بنعيق الأقزام وفحيح الأشرار، هواة القبح والعدم، من يصنعون شهرتهم الزائلة من خلال الترويج لثقافة الموت والخواء شيد دنيا خالدة لن تعرف الفناء.. فكانت مصر (المحفوظية). فهناك قاهرة ما قبل نجيب محفوظ وقاهرة ما بعد المبدع النجيب. فدنيا محفوظ موازية لشخصياتها.. أماكنها حيث عبقرية المكان ونشوة الزمان لمصر علي أرض الواقع.. المجد لعالمه الشاهق الثراء والعمق، فلقد أقام هرما رابعا سوف ينازل الزمن، الغريم الأبدي للإنسان، هرم ليس من الحجارة ولكنه منحوت من رحيق الفكر، الفلسفة، وخلاصة الحكمة المجوهرة المرصعة بتجليات التجربة الإنسانية حيث الصراعات الأزلية من أجل الكمال، العدل، والحقيقة المنشودة. واليوم في قلب الاحتفاء بمئوية أعظم أدباء الكون ينضح المشهد في مصر بنعيق الأقزام وفحيح الأشرار، هواة القبح والعدم، من يصنعون شهرتهم الزائلة من خلال الترويج لثقافة الموت والخواء لتتحول حيوات المصريين إلي مجرد غرائز فجة، الطعام والجنس وشهوة السلطة لتصبح الحياة منزوعة التحليق والترنم بكل ما يجلي ويسمو بالروح. هؤلاء الجهلاء الجدد الذين يتطاولون، يعربدون بقاماتهم الضئيلة، الدميمة علي كل ما تكتنزه مصر، بل التراث الإنساني بأسره. هؤلاء من يرون أنهم يستطيعون أن يعبدوا تمثالا.. عزيزي القارئ هل سمعت عن أحد في بر مصر يعبد رمسيس الثاني مثلا!!؟ أو ربما التماثيل التي لا تتدثر بالإسدال أو النقاب تفجر لديهم غرائز جامحة أو شهوات قاتمة، من يشعرون أن تماثيل القدماء محملة بالغواية هؤلاء في قلوبهم مرض ومكانهم عنبر الخطرين في العباسية. إن من لا يستطيع الولوج إلي روعة القيم التي يبثها أدب نجيب محفوظ بل وشخصه هم يفتقدون البصر والبصيرة. إن نجيب محفوظ شعبي الإبداع أرستقراطي القيم، توحد مع البسطاء في الزقاق، الحارة، والمقهي الرحم الشرعي لمن لفظهم الظلم، القهر والبؤس، ثار علي الفقر والاستبداد فكان أول بطل ثوري في تاريخ الأدب العربي علي طه في (القاهرةالجديدة) وليفهم من لا يفهم أن العاهرات في أدبه يرمزن إلي أن المومس قد تكون فاضلة بالمقارنة للسياسي العفن، الفاسد، فالساسة أحيانا يقولون ما لا يفعلون، يفتقدون الشفافية، أما المومس فهي واضحة لا تحيك الفخاخ والمزايدات. إن دنيا أديبنا الفذ مكتظة بكل أنواع البشر الحرافيش والسلاطين، اللصوص والكلاب، الفتوات والعاهرات، الطبقات الدنيا والعليا، الثوار والخونة، البدايات والنهايات، الخبز، الجنس، والموت والعقيدة ركائز الوجود في كل زمان ومكان. كان دوما مولعا بغواية الأمكنة، فالمكان أحيانا يكون أشبه بالجسد. نوع من التواصل والالتحام العجيب فكانت الأمكنة تحظي أيضا بالبطولة وليس الأشخاص فحسب، (بين القصرين)، (قصر الشوق)، (السكرية)، (ميرامار)، (قشتمر)، (القاهرةالجديدة)، (خان الخليلي)، (زقاق المدق). نجيب محفوظ المولع بمصر ذبح حيا ويذبح ميتا ولكن لن تنال منه السهام الناحرة.. الحقد، الجهل، والغل، والتعصب. أينعت اليوم كلماته السرمدية: »العلم يجمع البشر في نور أفكاره، والفن يجمعهم في عاطفة سامية إنسانية، وكلاهما يطور البشرية ويدفعها إلي مستقبل أفضل«.. ويقول: »الحق أن أخطر ما تمخض عنه تاريخ البشرية من جلائل الأمور يمكن إرجاعه في النهاية إلي الكلمات، الكلمة العظيمة تتضمن الأمل والقوة والحقيقة نحن نسير في الحياة علي ضوء الكلمات«.. نعم الكلمات تلك القناديل المتوهجة بالعدل، التسامح والجمال والتي يرجمها البعض متكئا علي مولد سيدي صندوق الانتخابات الذي سرعان ما تتعري أحشاؤه وستتجلي حقيقة ما كان وهنا أردد ما جاء في ميرامار: »فإن من يعرف من لا يصلحون له فقد عرف بطريقة سحرية الصالح المنشود«.. كتب: من يستطيع أن يقضي علي إنسان بتهمة كالإلحاد، ولا مطلع علي الفؤاد إلا الله«.. أهديها لمن يبعثون محاكم التفتيش. لقد عرفت الأستاذ منذ نيف و27 عاما احتلتني رهبة جامحة إزاء تواضعه الجم، أجريت معه. 04حوارا دائما في حضرة النيل الذي عشقه سواء في منزله أو في الأمكنة التي يطوقها الكائن الفضي الخالد، تكلمنا عن الطريق فدلفت إلي مكمن الرواية ورسالتها: الطريق إلي الله..