بينما تظُن كل قرية علي الساحل الشمالي أن لها شاطئاً خاصاً تفتحه لمن تشاء وتمنعه عمن تشاء، وتصطفي المقيمين فيه وفق شروطها الخاصة، فجأة ظهر المالك الحقيقي لكل الشواطئ، وقرر بوضوح منع الجميع من النزول إلي البحر، ووضع إشارات واضحة علي مسافات متقاربة كل عشرة أمتار للتنبيه بهذا الأمر. لقد ظهرت "قناديل البحر" من النوع العملاق "nomadic jellyfish" لتغزو الشواطئ المصرية، وليقف لها الجميع باحترام ورهبة وطواعية علي شاطئ البحر ينظرون بحسرة إلي تلك المياه التي أصبحت مُحرمة عليهم بين عشية وضحاها في مشهد عجيب شمل الجميع رجالاً ونساء وأطفالاً وأصحاب نفوذ وأغنياء ومصطافين فقراء، فبعد أن اعتدنا مشاهدة الغروب في البحر، وهو يحتضن آلاف البشر في الصيف، أصبح البحر خالياً تماماً وبات يشبه في صفائه جزر المالديف. "العين فلقت الحجر"، هذا هو العنوان الأبرز الذي وصف به مصطافو الساحل الشمالي والإسكندرية وبورسعيد ما تعرضوا له بعد هجوم أسراب القناديل عليهم ومنعهم بالقوة من نزول البحر، ورغم أن إجازة العيد تخطت العشرة أيام، وحظي بها معظمهم، إلا أنها لم ترض آمالهم في إجازة سعيدة فقد جلسوا علي الشاطئ دون الاقتراب من مياه البحر. قناديل البحر ليست ظاهرة طارئة علي المصريين، بل إنهم اعتادوا ظهورها مُنذ زمن بعيد خاصة علي شواطئ الإسكندرية، والاختلاف يكمُن تلك المرة في المناطق الكثيرة التي تعرضت لها وكذلك توقيتها ودرجة خطورة القناديل ذاتها. حالة من الذعر والقلق وتعكير الصفو أصابت العديد من المواطنين بعد تعرضهم وذويهم للسعات القناديل، خصوصًا بعد انتشار أنباء تؤكد أن هذه الانواع سامة وقد تعرض المصاب لأمراض خطيرة بخلاف حساسية الجلد وتورمه. القناديل آمنة من جانبها قامت وزارة البيئة بتشكيل مجموعة عمل متخصصة في مجال علوم البحار لبحث هذه الظاهرة وأسبابها وكيفية التعامل معها، وذلك بالتنسيق مع أجهزة الوزارة وجهاز شئون البيئة وفرع الجهاز بالإسكندرية والمحميات الطبيعية وقد تبين أن النوع المتسبب في هذه الظاهرة هو نوع کhopilema nomadica وهو من الأنواع المسجلة في البحر المتوسط منذ عقود، وقد تبين أنه تم تسجيل انتشار هذا النوع خلال هذا العام في موسم الشتاء في لبنان وإسرائيل وقبرص وهي ظاهرة غير مسبوقة. وقالت وزارة البيئة، في بيان لها، إن انتقال قناديل البحر علي مستوي بحار ومحيطات العالم ظاهرة طبيعية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتغيرات المناخية والتلوث والصيد الجائر للأسماك والسلاحف البحرية. فقد سجل التاريخ انتقال نوع Mnemiopsis leidyi من المحيط الأطلسي عبر مضيق جبل طارق، وقد عرف هذا النوع بشراسته بل وامتد غطاؤه الجغرافي إلي البحر الأسود حيث تسبب في خسائر مادية هائلة، كما أكدت أن القناديل المتواجدة في المياه المصرية لا تمثل خطراً جسيماً للإنسان، ومن الضروري توعية الأطفال بعدم لمسها وتجنب حملها. وأكدت الوزارة عدم صحة ما ورد ببعض المواقع الإلكترونية من غلق بعض الشواطئ المصرية نتيجة ظهور أحد أنواع تلك القناديل السامة الزرقاء المعروفة باسم البارجة البرتغالية"Physalia physalis" حيث إن المسوح الميدانية لم تظهر أي تواجد لهذا النوع بالشواطئ المصرية وإن كان قد تم تسجيله في البحر المتوسط سابقاً مرة واحدة أمام السواحل الأسبانية في عام 2010 ولم يتم تسجيله بعد ذلك. أساليب المكافحة أُجريت عدة دراسات لتحديد أفضل وسائل المكافحة للحد من ظهور قناديل البحر علي الشواطئ، بعيدًا عن الطرق الكيميائية المرفوضة لما تسببه من موت للأحياء البحرية الأخري، وسيتم الاعتماد علي طرق الجمع الميكانيكي باستخدام الشباك، وينصح باستخدام الشباك في المناطق المتواجد فيها مصطافون من ناحية البحر لحجزها ومنع دخولها. فترة مؤقتة من جانبه أكد الدكتور أسامة الشويفي خبير الاستزراع السمكي، أن تواجد القناديل في فصل الصيف أمر طبيعي ووارد الحدوث، نظرًا لكثرة توافر الغذاء المناسب لها، مشيرًا إلي أنها فترة مؤقتة وستعود من حيث أتت، ولفت إلي أن تجمع تلك الأعداد الضخمة أمر طبيعي بسبب زيادة نسبة الملوثات العضوية في المياه، فضلاً عن أن فصلي الربيع والخريف هما موسم التكاثر المناسب لها. وأكد الشويفي، أن ظهورها بنسب كبيرة يأتي بعد الانخفاض المتزايد للمفترسات الطبيعية للقناديل مثل السلاحف البحرية وبعض الأسماك مثل سمكة الشمس، وعلي رأسها السلاحف البحرية التي تعرضت في السنوات الأخيرة لإبادة كبيرة. تابع قائلًا: "ازدياد تلوث الشواطئ والمياه البحرية بالمخلفات البلاستيكية، مما أدي إلي خداع السلاحف بالأكياس البلاستيكية الشفافة المليئة بالمياه، وابتلاعها ظناً منها أنها قناديل بحر، مما يؤدي إلي انسداد أنبوبها الهضمي وموتها". قناديل بالصلصة ورغم ما يسببه القنديل من أضرار، إلا أن له العديد من الفوائد التي لا يعلمها كثيرون، فقد تبين أنه غذاء صحي يوصف بأنه لذيذ، حيث يعد من الوجبات الشهية لدي دول شرق آسيا ومن الأطباق الشهية التي تلقي رواجًا كبيرًا في أسواقها، ويتم طبخها بالطرق التقليدية للجمبري والسمك إما بالقلي في الزيت أو طاجن بالصلصة وتقدم بعد نزع الأذرع التي تستخدم هي أيضًا في إنتاج بعض القلويات التي يستفاد منها في صناعة المنظفات، وكذلك يستخرج منها بعض الأمصال التي تستخدم في الطب، كما يستخدمون الجزء العلوي منه والذي يتراوح قطره بين 2 و10 سم فقط في صناعة بعض مستحضرات التجميل والمنظفات الصناعية المختلفة، وللقناديل قيمة دوائية كبيرة في علاج أمراض النقرس وضغط الدم.. وقد بلغ ما استوردته الصين من قناديل البحر المصرية في عام 2004م حوالي 600 طن، ومن المتوقع تضاعف هذه الكمية من خلال تحول أنشطة الصيد لصيد قنديل البحر وتحويل مصدر تهديد دائم لحركة السياحة إلي مصدر رزق لهؤلاء الصيادين. الإسعافات الأولية من جانبه عرض الدكتور هاني الناظر، أخصائي الأمراض الجلدية العديد من الخطوات التي يتم اتباعها فور التعرض للسعات القنديل علمًا بأن تلك اللسعات تختلف من نوع لآخر وفقًا لحجمه ولعدد الخلايا اللاسعة وقدرتها علي اختراق الجلد، ويؤكد الناظر خطورة الاقتراب من القنديل سواء كان ملقي علي الشاطئ "ميت"، أو كان في البحر لافتًا إلي قدرته علي اختراق جلد الإنسان ولسعه حتي وإن كان ميتًا. وقدم الناظر عددًا من الحلول التي يجب اتباعها فور التعرض للسعة القنديل، وهي غسل المكان فوراً بماء البحر، ومن ثم دهان المكان المصاب بالخل أو الزبادي حتي يتم معادلة التأثير القلوي للمادة التي يفرزها القنديل، وإذا حدث الالتهاب بالفعل نبادر بدهانه بكريم مضاد للالتهاب مثل تكساكورت أو درماتوب أو بتنوڤيت بمعدل مرتين يومياً مع تناول قرص كاتافلام في حالة الإحساس بحرقان شديد. القناة بريئة مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، كان حريصًا علي الرد علي ما أشيع من أنباء تُفيد بتسبب قناة السويس الجديدة في ظهور قناديل البحر، حيث تواصل المركز مع وزارة البيئة، التي نفت صحة تلك الأنباء جملة وتفصيلاً، مؤكدة عدم وجود أي علاقة أو ربط بين القناة وظهور القناديل علي سواحل البحر المتوسط. وأشارت وزارة البيئة، إلي أن هناك بعض الجهات التي تحاول الترويج لتسبب قناة السويس الجديدة في انتشار قناديل البحر، وذلك لأغراض سياسية، وهو أمر بعيد كل البعد عن الواقع والحقيقة، مؤكدة انتشار القناديل بجميع البحار والمحيطات علي مستوي العالم، كما أنها منتشرة بالبحر المتوسط منذ أواخر السبعينيات.