أهم مايحدث هذا العام أن معظم المسلسلات التي اتفق عليها الجمهور ويتابعها بشغف هي من تأليف كتاب جدد، عمرو الدالي "دوران شبرا"، محمد الحناوي "خاتم سليمان" وربما يكون لمحمد ناير أعمال سابقة في السينما ولكن علي مدي علمي أن "المواطن إكس" هو عمله التليفزيوني الأول،تلك هي المسلسلات التليفزيونية الثلاثة التي تحظي باهتمام وتحترام المشاهد، وهي تضرب نظام النجوم في مقتل، وتؤكد ان العمل الفني الجيد لايعتمد علي أسماء نجوم معدين سابقا.ولكنه يخلق نجومه، وأعتقد أن أهم موهبة تم إطلاقها من مسلسلات هذا العام هو هيثم أحمد زكي، صاحب شخصية "ناصر السحيمي" في مسلسل "دوران شبرا"، بين كل أبناء النجوم الكبار الذين اقتحموا مجال التمثيل لم ينجح سوي هيثم ابن أحمد زكي، رغم أن نجاحه جاء بعد وفاة والده، يعني الممثل العبقري الراحل لم يفعل مثل غيره ويزق ابنه ويرشحه ويلزقه لأصدقائه من المخرجين والمنتجين! هيثم نجح بفضل موهبته فقط، بل بالعكس لقد صادف تعنتاً من الوسط الفني الذي يشتهر بالجحود ونكران الجميل! كان أول ظهور لهيثم أحمد زكي في فيلم العندليب الذي أخرجه شريف عرفه وكان آخر عمل يلعب بطولته أحمد زكي، الذي توفي أثناء تصوير الفيلم ولم يجد مخرج الفيلم ومنتجه عماد أديب حلا للأزمة سوي الاستعانة بهيثم أحمد زكي ليكمل مابدأه والده، فقد كان الاتفاق المبدئي علي أن يقدم هيثم بعض المشاهد لمرحلة شباب عبدالحليم حافظ، ولكن بعد وفاة أحمد زكي تم تحويل كل مشاهده إلي ابنه هيثم، ولذلك بدا صغيرا جدا أمام سلاف فواخرجي التي كانت تجسد دور الفتاة التي أحبها عبد الحليم حافظ في بداية حياته! ورغم ذلك فقد عوض هيثم صغر سنه بتلقائية الأداء وطلته التي أكدت أننا أمام مولد نجم ! وفي الحفل الذي أقامه عماد الدين أديب في أحد مطاعم مدينة كان الفرنسية الفاخرة بمناسبة عرض فيلم العندليب، في سوق مهرجان كان، كنت بين الحضور وسمعت عماد أديب يصرح لأحد الصحفيين أنه سوف يتبني موهبة هيثم أحمد زكي وفاء لوالده الذي ربطته به صداقة وثيقة! ولكن يبدو أن هذا الكلام كان للاستهلاك المحلي فقط، فقد استغل عماد أديب صداقته بأحمد زكي أسوأ استغلال وبعد وفاته لم يعر ابنه أي اهتمام، ومرت سنوات قبل أن تفكر إسعاد يونس في تقديمه في فيلم البلياتشو وهو فيلم كان مقدرا له الفشل لأن مؤلفه ومخرجه هو عماد البهات ولو كان أحمد زكي نفسه هو من لعب بطولة الفيلم وشاركه البطولة روبرت دي نيرو وآل باتشينو برضه كان حيفشل، والمؤسف إن الناس والنقاد حملوا هيثم أحمد زكي وحده فشل الفيلم، واختفي الفتي من الساحة الفنية، حتي ظهر العام الماضي في مشاهد قليلة في مسلسل الجماعة وكانت تلك المشاهد القليلة دليلا ساطعا علي موهبة الفتي، الذي يشبه والده طبعا ويبدو أنه أيضا ورث منه دون أن يقصد تلك الموهبة العبقرية في التمثيل مع الوضع في الاعتبار أن موهبة أحمد زكي لم تكن ظاهرة في تجاربه الفنية الأولي مثل مدرسة المشاغبين والعيال كبرت وهاللو شلبي بينما تبدو التجارب الأولي لهيثم أحمد زكي أكثر نضجا! شخصية ناصر السحيمي التي صاغها السيناريست عمرو الدالي واحدة من أجمل شخصيات مسلسل دوران شبرا المليء بشخصيات تنبض بالحياة من فرط صدقها وقد وقع اختيار المخرج خالد الحجر علي أفضل من يجسدها، عزة "حورية فرغلي " تقدم دروا بلا أي زخرفات خارجية، فهي ترتدي جلبابا قذرا طوال الأحداث أو معظمها، وتشعر بشقائها وآلامها وهي تغسل سلالم العمارة وتخدم في بيوت سكانها كي توفر القرش علي القرش لتحمي نفسها من شر سؤال اللئيم وتعيش حياة شريفة تنتظر زوجها الشاب الذي قضي سنوات من عمره خلف قضبان السجن، وهي تقوم برعاية شقيقه الأصغر يوسف وكأنه ابنها، وعندما يخرج ناصر السحيمي من السجن وينوي أن يعيش حياة شريفة راضيا بالمكسب القليل، يجد نفسه محاصرا بين قوتين تحاول كل منهما سحبه في طريق لايرضاه ولايتفق مع ماخططه لمستقبله القوة الأولي هي الضابط عمر "يلعب دوره باقتدار شديد أحمد كمال " ويحاول عمر تجنيد ناصر، ليعمل لحسابه مخبرا يوقع بعصابات بيع المخدرات، والقوة الثانية تكمن في صديقه القديم ويلعب دوره "نبيل عيسي" وهو ديلر لعصابة مخدرات متوغلة في حواري وشوارع شبرا، ناصر يحاول ان يكسب رزقه بشرف ويأخذ ركنا يبيع فيه بعض الملابس القديمة، ويكتفي بهذا الرزق ولكن العصابة تحرق المكان كله حتي تضمن أن ظهر ناصر أصبح ملاصقا للحائط فيقبل التعامل معها! حكاية ناصر السحيمي هي واحدة من ضمن حكايات كثيرة تزخر بها أحداث دوران شبرا مثل حكاية لولا "دلال عبد العزيز" وهي سيدة مسيحية تفقد زوجها وتتفرغ لابنها أحمد عزمي وتعامله وكأنه لايزال طفلا، الابن يتمرد علي وصاية أمه ويحول دكان والده الذي كان يبيع فيه العطور إلي سايبر ونت كافيه يتجمع فيه أبناء المنطقة، أما جارة الست لولا فهي سيدة مسلمة ترتبط معها بصداقة وثيقة" الباب في الباب" يتبادلان الشكوي من الابناء وتواسي كل منهما الأخري عندما يشتد بها الضجر والحزن، صعب أن تحصر عدد الممثلين الشباب في مسلسل دوران شبرا فمعظمهم يتمتع بموهبة تبشر بالخير وتعلن عن نفسها بوضوح مثل ملك قورة وميرهان، وهاني عادل واستطاع المخرج خالد الحجر أن يقدم قطعة فن شديدة الصدق عن أحد أهم أحياء القاهرة "شبرا" الذي يمتاز بكثافة سكانه ووجود عدد لابأس به من الكنائس مثل سانت تريزا وعدد آخر من الجوامع وتتجلي فيه مظاهر الوحدة الوطنية، كما تتجلي فيه معظم مشاكل أهالي القاهرة المسلسل يقف في المقدمة بين ما نشاهده من أعمال رمضان ولاينافسه إلا المواطن إكس وخاتم سليمان .