في كل أزمة مالية يمر بها العالم .. كان السؤال المطروح دائما: لماذا أمريكا هي السبب في كل مرة.. ثم من سيسدد فاتورة العم سام الذي يسيطر وحده علي ربع اقتصاد العالم.. والإجابة لم تتأخر هذه المرة مع أزمة الديون الأمريكية.. وبسرعة بدأت مؤشرات البورصات في كل ربوع العالم .. في التراجع حتي وصلت إلي مصر .. وفاقت الخسائر التوقعات وبدأت الاقتصاديات في المعاناة والبحث عن البدائل.. والأهم في التجمع معا ولمرة نادرة لسداد ديون عم العالم كله : أمريكا!! وهذه المرة.. كانت مختلفة.. فلأول مرة تقوم مؤسسة عالمية لها كلمتها هي ستاندرد أند بورز للتصنيف الائتماني بتخفيض تصنيف أمريكا لدرجة واحدة وازاحته عن درجة الممتاز لأول سابقة في تاريخ الدولة التي تسيطر وحدها علي 52٪ من اقتصاد العالم كله. وبسرعة كانت التداعيات علي العالم كله من أدناه لأقصاه حتي وصلت للبورصة المصرية التي خسرت ومازالت تخسر عشرات المليارات من الجنيهات كنتيجة للأزمة. والمثير هذه المرة أيضا.. إن الأزمة جاءت ومازالت بلدان كثيرة حول العالم تعاني من آثار أزمة اقتصادية طاحنة منذ 3 سنوات.. ومع تدهور واضح في اقتصاديات منطقة اليورو الأوروبية في بلدان مثل: أسبانيا وإيطاليا والبرتغال وإيرلندا.. بل ووصلت لحد شفا الإفلاس في بلد مثل : اليونان. وفي الصين .. التي تعاني منذ سنوات من ارتفاع كبير في معدلات التضخم .. ومع امتلاكها لنحو 061 مليار دولار كأذون تملكها للخزانة الأمريكية.. وتوسعت الأزمة أكثر لتطال بلدانا مثل : باكستان وسيريلانكا واستراليا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية وأندونيسيا.. وكلها اصيبت بشكل مباشر لأنها تفتح أسواقها بشدة علي الأسواق الخارجية خاصة.. الأمريكية والأوروبية. وأصبح العالم مع موعد كل صباح وسؤال لايمل : خسرنا كم النهاردة؟ وكانت الإجابة: 5.2 تريليون دولار في ال 6 أيام الأولي من الأزمة ارتفعت بعد الأسبوع الأول لها ومع ترامي أطراف المشكلة لتكون تريليون دولار يوميا!! ووقف آخرون متنمرون لما تسفر عنه أرقام مؤشرات البورصة ليكتشفوا تراجعها مابين 1 - 4٪ يوميا بلا استثناء في بورصات : أمريكا الجنوبية وأوروبا وفي آسيا وفي .. بلدان الخليج وحتي مصر. واتضحت الصورة أكثر بالأرقام : ففي أمريكا فاق الدين القومي لأول مرة ووفقا للخزانة الأمريكية.. دين الدولة الفيدرالي كله ليصل إلي 832 مليار دولار في يوم واحد وإلي نحو 7.08541 مليار دولار حاليا.. متخطيا الناتج القومي لأمريكا العام الماضي والذي بلغ 5.62541 مليار .. وبلغت نسبة البطالة ذروتها لتصل إلي 2.9٪ حاليا. ومازاد الطين بلة .. هو ارتباط اقتصاديات كثيرة حول العالم بالاقتصاد الأمريكي.. ففي الخليج يتحدثون عن استثمارات سيادية خليجية وعربية في أذون الخزانة الأمريكية وصل رقمها إلي 027 مليار دولار. وفي أوروبا التي تعاني فعليا من أزمة ديون طاحنة تم تسجيل مئات المليارات من اليورو كخسائر مبدئية.. ومن هنا كان التحرك الأوروبي بشكل صندوق للاستقرار المالي تكون مهمته التدخل مباشرة في عدة أسواق ثانوية وبسرعة لتلافي نتائج أي أزمة مالية عالمية. بالإضافة لخطة للتحفيز المالي وتنشيط البورصة والأسواق الأوروبية. وتغيير في السياسات النقدية. وفي سياسات التعامل مع أسواق مثل : الخليج وجنوب شرق آسيا. ولكن هل ينتهي الأمر عند هذا الحد؟ والإجابة.. لا بالطبع.. فالمؤسسات المالية العالمية وبخاصة تلك المتخصصة في التصنيف الائتماني تقول أن هناك تخفيضا منتظرا آخر للاقتصاد الأمريكي والسبب أن الخطط التي وضعها الرئيس أوباما مع مجلس النواب والشيوخ لم تكن كافية وأنها يمكن أن تؤدي مستقبلا لمزيد من الديون مع ارتفاع أعباء تسديدها وأن خطة التعزيز التي أقرتها الإدارة الأمريكية مع المجلسين لاتصل للطموحات المطلوبة للقبض علي قنبلة الديون.. التي تنتظر الانفجار في أي لحظة. والمشكلة الأخطر.. أن هناك دولا مثل الصين قالت وبصراحة أن مشكلة الديون الأمريكية التي أصابت العالم كله في مقتل سببها شيئان : الأول الإسراف المبالغ فيه أمريكيا علي أنظمة التسلح وتجارة السلاح.. ثم وهو الأهم أن أمريكيا لاتعيش واقعيا وفق إمكانياتها الحقيقية بل تعيش فوق إمكانياتها المتاحة بكثير.. ويدفع العالم كله ثمن ذلك! بقي أن تعرف.. أن سبب انزعاج الولاياتالمتحدةالأمريكية من الأزمة الحالية أكثر من أي أزمة سابقة.. يعود لعاملين الأول: إن هناك تصميما دوليا هذه المرة علي عدم تحمل الفاتورة عن العم سام كما يحدث كل مرة ومن هنا ظهرت بوادر تعاون آسيوي أوروبي وأوروبي خليجي.. في مواجهة أميركا ويدعم ذلك كله جهود صينية وروسية.. لكبح سيطرة الدولار علي العالم وإيجاد نظام عالمي اقتصادي مواز يمنع الاحتكار الأمريكي أو يحد منه علي العالم. والعامل الثاني : أن خفض التصنيف الأمريكي جاء من مؤسسة دولية محترمة ومعترف بها ولها دورها في توفير المعلومات للمستثمرين وفي المساهمة في اتخاذ القرارات الاستثمارية وتصنيف الأوضاع المالية للدولة وللشركات العاملة حول العالم.. وتقدير مدي ملاءمة ذلك كله في مواجهة الأزمات المالية والاقتصادية والمالية بأقل الأضرار والاستفادة من البدائل المتاحة لزيادة حجم العمليات الاستثمارية عالميا. ثم إن ماحدث .. يعني وببساطة أولا وأخيرا.. أن أوباما نفسه أصبح علي المحك فإما أن يبدأ ولايته الثانية إذا قدر له الفوز بالتغلب علي أعنف أزمة تمر بها أمريكيا.. أو أن يحزم حقائبه من الآن تاركا الجمل بما حمل من أعباء وأزمة طاحنة ستطول العالم كله وليس .. أمريكا وحدها.