عروس آل البيت، جاءت إلي مصر مع إدريس بن عبد الله المحض هربا من بطش الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، كما جاء معها الكثير من آل البيت سنة 145ه، وعلي رأسهم أخوها إسحاق المؤتمن، والعالمة الجليلة السيدة نفيسة آل البيت، وأبيها الحسن الأنور وأخواتها، ولم تجد أفضل من بلاد النيل لتكون مستقرا ومأمنا لها ولأسرتها، هكذا كان خيار السيدة عائشة بنت جعفر الصادق سليلة بيت النبوة، التي وصلت إلي درجة عالية من العلم والفقه علي الرغم من وفاتها المبكرة، لكن المصريين حفظوا لها ذكري طيبة في نفوسهم، فكثر المترددون علي قبرها وتحول مع الوقت إلي مقام ومسجد يزوره الملايين من كل حدب وصوب، لتظل ملجأ للزاهدين ومجمعا لمحبي آل البيت. مر آل البيت بظروف صعبة مع تولي العباسيين مقاليد الحكم في العالم الإسلامي، فالخلافة العباسية قامت علي مشروعية أن الحكم لآل البيت، لذلك بدأوا في اضطهاد آل البيت من أبناء السيدة فاطمة الزهراء وعلي بن أبي طالب، حتي ينفردوا بالحكم وحدهم، لذلك بدأ آل البيت العلوي في النزوح من شبه الجزيرة العربية للهرب من ملاحقات الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، وسافر آل البيت شرقا وغربا، لكن الكثير منهم فضل أن يأتي إلي مصر، ففيها الأمن والأمان، والبعد عن خطر ملاحقات العباسيين، خاصة أن أهل مصر عرف عنهم حب أهل البيت والعطف عليهم والدفاع عنهم، لذلك لم يكن غريبا أن تأتي السيدة عائشة بنت جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن الإمام علي بن أبي طالب إلي مصر وتعيش فيها. وصلت السيدة عائشة، وهي شقيقة موسي الكاظم وإسماعيل الإمام، إلي مصر مع الكثير من آل البيت، في وقت تعرض أبناء الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب للحبس ثم القتل علي يد الخليفة أبي جعفر المنصور، الذي أفشل ثورة النفس الزكية محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن وأخيه إبراهيم، لذلك هرب الفرع الحسيني من الحجاز إلي مصر، حتي لا يناله من بطش الخليفة العباسي ما نال الفرع الحسني، وكان من ضمن الواصلين السيدة عائشة التي أقامت بمصر، وكثر مريدوها من أهلها، حتي توفيت العام 145 هجريا، ودفنت في منزلها الذي عاشت فيه، وكانت السيدة عائشة من أعلي أهل زمانها علما وثقافة، فهي خريجة بيت النبوة، لذلك خرجت السيدة عائشة للدنيا وهي علي مكانة عالية من الأدب والفصاحة بجانب تقواها وورعها وحسن عبادتها، فضلا عن أنها كانت شاعرة تقرض الشعر وتنقده. وأجمع المؤرخون علي قدوم السيدة عائشة إلي مصر ووفاتها فيها، إذ يقول السخاوي في كتابه "تحفة الأحباب"، إنه عاين قبرها في تربة قديمة علي بابها لوح رخامي مدون عليه هذا قبر السيدة الشريفة عائشة من أولاد جعفر الصادق .. وكان ضريحها في البداية صغيرا وبسيطا ثم اهتم بعمارته الفاطميون والأيوبيون حيث أنشأوا بجوار الضريح مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم وعندما أحاط صلاح الدين الأيوبي القاهرة والعسكر والقطائع والفسطاط بسور فصل بين قبة السيدة عائشة وبين القرافة ثم فتح باباً في السور إلي القرافة يسمي بباب عائشة وألحق بالضريح مسجداً يعرف باسمها، وأعاد عبد الرحمن كتخدا بناء المسجد في العصر العثماني العام 1176ه/ 1762م. ثم هدم المسجد وأعيد بناؤه 1971 م علي ماهو عليه الآن، وإن كان بعض الباحثين الشيعة يفجرون مفاجآت عن عدم وجود جثمانها في القاهرة قائلين بأنه تم نقله إلي العراق بعد أن ظلت مدفونة في مصر عامين وتم نقله لتدفن مع باقي أجدادها، ولكن لشدة حب المصريين لآل البيت رفضوا فكرة نقل جثمانها، وأن المسجد الذي هناك منذ عام 206 ه وهو بدون رفات السيدة عائشة .. وساعد في ذلك أيضا قلة المعلومات عن حياتها في القاهرة ولأنها ماتت صغيرة في العشرينيات من عمرها ولكنها مع ذلك كانت فقيهة جليلة عالمة وزاهدة مع جمالها ورقتها .. وكان علمها سراجا وهاجا لكل سائل ومريد وكان في بيتها لقاءات علمية فقهية تدار في بيتها تعلم فيها قاصديها مما أفاض الله عليها من مختلف العلوم القرآنية والأحاديث والزهد والتعبد وذلك لأنها من بيت النبوة.. فهي بنت العالم الجليل جعفر الصادق وجدها محمد الباقر غزير العلم وابن سيدنا زين العابدين بن الحسين وكان أبوها مستجاب الدعوة وأخت موسي الكاظم .. كما اشتهر عنها الإخلاص الشديد في العبادة.. وسميت بعروس آل البيت. يقول الدكتور أسامة إسماعيل من علماء وزارة الأوقاف ل "دين ودنيا": أجمع المؤرخون علي قدوم السيدة عائشة إلي مصر وهو بالطبع تشريف لنا ، وكذلك أكدوا وجود جثمانها بالضريح الموجود في القاهرة حيث أكد السخاوي أنه شاهد القبر وفيه لوحة مكتوب عليها أنه قبر السيدة عائشة بنت جعفر الصادق وهذا مدفنها .. كما أنها ماتت صغيرة حيث ولدت سنة 122ه وتوفيت 145 ه وأقامت في مصر فترة قليلة جدا وكان سبب مجيئها الهرب من بطش الخليفة العباسي ولكن اجتمع حولها المريدون .. لأنها كانت عالمة وفقيهة ومجاهدة وقانتة وكان لها مجالس علم يجتمع حولها الناس لينالوا من علمها وفقهها فهي من بيت علم من بيت النبوة وأبوها الأمام جعفر الصادق مشهود له بالعلم والفقه والتبحر فقد أثني عليه الإمام مالك حيث كان يقول : ما رأت عيني ولا سمعت أذني مثل الإمام جعفر الصادق .. ولذلك ليس غريبا عليها أن تكون بمثل هذا العلم الواسع. ويضيف قائلا: إن الناس جميعا في مصر يعرفون مسجدها الذي كان في البداية صغيرا وقد أنشاه عبد الرحمن كتخدا ثم هدم وأعيد بناؤه 1971 علي شكله الحالي ويعد من مقامات إجابة الدعاء حيث يقصده المصريون من كل مكان.