تناقش اللجنة التشريعية بمجلس النواب حاليا تعديلات قانون الإجراءات الجنائية والمعاملات المدنية، بهدف تحقيق العدالة الناجزة، التي تعد حقاً للمواطنين جميعاً، حيث إن هناك أسبابا عدة تعوق تحقيق هذا الهدف، يرتبط بعضها بنصوص قانونية، بينما يرتبط البعض الآخر ببطء التقاضي نظراً لكثرة عدد القضايا المنظورة أمام المحاكم وطول الإجراءات وقلة عدد القضاة ونقص عدد الخبراء وطول أمد تنفيذ الأحكام.. »آخرساعة» تناقش هذه القضية مع مجموعة من المتخصصين في سياق التحقيق التالي. اللافت للنظر وجود بعض القضايا تستمر سنوات طويلة دون البت فيها، ومن بينها قضية ميراث استمرت نحو 33 عاما ووصل عدد الخصوم وورثتهم إلي 67 شخصاً بعدما بدأت بأربعة متخاصمين فقط، وبحسب فقهاء قانونيين ثمة نصوص قانونية هي السبب في جزء كبير من الأزمة ومن هنا نجد بعض التشريعات لا يتم تطبيقها بينما البعض الآخر صدر سريعا كرد فعل، أو أنه قديم وفي حاجة لتعديلات لذك نجد علي سبيل المثال قانون المرافعات ينص علي أنه »لا تؤجل القضية أكثر من مرة لسبب واحد» ونص آخر يقول »لا يجوز مد أجل الحكم لأكثر من مرةب لكن ما نلاحظه علي أرض الواقع أن التأجيل يتم لعدة مرات، وهناك نص آخر في قانون الإجراءات يؤكد أنه »علي القاضي في حالة طلب الشهود أن يأخذ ما يشاء ويكتفي بما تراه المحكمة» ومع ذلك نجد أن قضاة محكمة الجنايات يلتزمون بسماع جميع الشهود، وإلا يطالب الشهود بنقض الحكم. المستشار مجدي العجاتي وزير الشئون القانونية وشئون مجلس النواب يؤكد أن تعديلات قانون الإجراءات الجنائية في البرلمان تستهدف تحقيق العدالة الناجزة المنصفة، خاصة أن هناك معاناة طوال الفترة الماضية من بطء إجراءات التقاضي، مشيرا إلي أن القضاة كانوا معذورين ومقيدين في نظر القضايا بنصوص حاكمة لا يستطيعون الخروج عنها، رغم إلقاء اللوم عليهم، ومن هنا سنراعي في تعديلات القانون إزالة هذه القيود بما لا يخل بحقوق المتهمين المقررة دستوريا، موضحاً أن مصر وقعت الكثير من الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان وستراعي التعديلات المقترحة هذه الاتفاقيات. فيما يقول الفقيه الدستوري الدكتور شوقي السيد: هناك بطء تشهده ساحات المحاكم، وهذا مجرد عرض لأمراض مزمنة، تحتاج لحلول ولعلاج جذري وفعال، فمنذ سنوات ومنذ مؤتمر العدالة الأول في الثمانينيات من القرن الماضي ونحن نبحث عن حلول لهذه المشكلة، لافتا إلي أن العدالة الناجزة هي قضية متشعبة تحتوي علي جوانب اجتماعية واقتصادية بالإضافة إلي تشريعية، وتحقيقها يتطلب دراسة كل هذه الجوانب بشكل متعمق. يتابع: التقاضي حق دستوري للجميع ولكن محاولة التصالح في الكثير من القضايا قبل اللجوء للمحاكم سوف تغير الكثير من الواقع. ويتوفر الكثير من الوقت والجهد، مشيرا إلي أن هذه القضية الخطيرة تعود إلي نصف قرن من الزمن، وتسبب آثارا متعاقبة تقف في طريق الإصلاح وتحقيق الديمقراطية وحقوق المواطنة وأن سرعة تنفيذ الأحكام تعد من أحد المحاور المهمة، مطالبا الجهات التنفيذية بتحقيق الحكم علي أرض الواقع حتي لا يتحول الناس إلي المحاكم مرة أخري ليحصلوا علي حقوقهم فتتحول القضية الواحدة لعدة قضايا مابين استئناف واستشكال وعدم اعتداد واسترداد وغيرها من أنواع وأشكال التقاضي، لذلك فالقضايا قد تستمر لسنوات طويلة في المحاكم بدرجات مختلفة ومن هنا نجد أن المتقاضين ينتظرون حقوقهم بشكل فوري، وما يمكن أن نطلق عليه »العدالة البطيئة» تمثل أقسي أنواع الظلم لأصحاب الحقوق. يوضح د.السيد أن الحكومة نفسها قد تكون أحد أسباب بطء الإجراءات حيث توجد مئات القضايا التي يقوم برفعها بعض المواطنين علي الحكومة تكون بسبب تأخر الحكومة في سداد وإعطاء حقوقهم أو أنها تخطئ في تطبيق القانون، لافتا إلي أن حقوق الأفراد وسيادة القانون قد تراجعت، وتفوقت عليه حقوق السلطات سواء بسبب الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية أو بسبب المبادرة إلي تنفيذ قرارات إدارية بطرق مباشرة والتي قد تمس حقوق الأفراد وحريتهم، ما قد يترتب عليه ايضا دفع تلك الاجراءات او الادارة للتعويضات. بينما يري المستشار رفعت السيد رئيس محكمة جنايات القاهرة الأسبق بأن العدالة الناجزة يقصد بها سرعة الفصل في القضايا من خلال إعادة الحقوق إلي أصحابها في وقت قريب وبأقل تكاليف خاصة في القضايا المدنية التجارية التي يستغرق الوصول إلي حكم بات فيها عدة سنوات، بالإضافة إلي الأحكام الجنائية التي الحكم فيها يتراخي لسنوات مما يمثل ضعف الردع العام لكل المواطنين هذا فضلا عن الزجر الخاص بالمتهم ذاته المحكوم عليه ومن هنا فتحقيق العدالة الناجزة يتطلب زيادة في عدد القضاة بما يتناسب مع الأعداد الكبيرة للقضايا المتراكمة في المحاكم و لن يتم ذلك إلا بقبول من تتوافر فيهم شروط العمل من قضاة أو مستشارين وليس أعضاء نيابة والذين يمكن تأهيلهم من خلال أكاديمية القضاء واختيار الأصلح والأكفأ والأجدر الذي يتبوأ هذا المنصب، إضافة إلي ضرورة إخضاع كل أعضاء الهيئات القضائية لدورات مكثفة في فترة الإجازة الصيفية وذلك لتحديث معلوماتهم وإطلاعهم علي ما هو جديد وثقلهم بالمعلومات القانونية والإدارية حتي يتم تلافي أي أخطاء من شأنها أن تؤدي إلي إطالة أمد التقاضي، وهناك أمر يتمثل في المطالبة بضرورة تعديل القوانين المتعلقة بإعلان الخصوم بالقضايا المتداولة وهذا يتم من خلال استخدام التقنيات الحديثة التي واكبها العالم أجمع، ويتم تطبيقها سواء كان من إعلان الخصوم بالدعاوي وتأجيلاتها والأحكام الصادرة وهذا يتم بأسلوب علمي وإداري يتم وضعه عن طريق الخبراء والمتخصصين ومن هنا تلغي الأحكام الغيابية و جميع الأحكام تكون حضورية طالما تم إعلام الخصم بالدعوي تحدد معرفة موعدها ولم يحضر أو يبعث بمحام عنه الذي يبدي دفاعه للمحكمة. أما المستشار عبدالعاطي الطحاوي نائب رئيس قضايا الدولة فيطالب بالاكتفاء في مجال الطعن أمام محكمة النقض بأن يكون هذاالطعن لمرة واحدة دون إعادة كما هو الحاصل حاليا، فإذا ما نقضت الحكم المطعون عليه لأي سبب من الأسباب مما يتطلب التصدي بنفسها لموضوع الطعن بحكم حاسم وبات، بحيث إن يستتبع ذلك ويقترن به إلغاء فكرة دوائر فحص الطعون سواء بمحكمة النقض أو المحكمة الإدارية العليا، مع الوضع في الاعتبار إلغاء المعارضة في الأحكام الغيابية في الجنح، والتي ترتب عليها التقاضي علي أربع مراحل، وهذا النظام لامثيل له في العالم أجمع، إذ يكفي في هذا الشأن أن يكون الحكم حضورياً بموجب إعلام المتهم، وله الحق في الطعن عليه بالاستئناف كما هو متبع في دول العالم، موضحا من المفارقات أن هناك بأحكام قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية اهتماما ومراعاة أكثر لحقوق المتهمين علي حساب حقوق الضحايا في مجال القصاص وتعويض المجني عليهم من الأضرار التي لحقت بهم، ما يتطلب العدول عن هذا الوضع لتحقيق التوازن العادل بين الطرفين، مع التأكيد علي ضرورة إلغاء العمل بنظام تحضير الدعاوي لدي كل من مفوضي الدولة بمجلس الدولة ومفوضي المحكمة الدستورية ونيابة النقض المدني، لكون رأيهم غير ملزم للمحكمة، كما يجب عدم إغفال مواجهة إحدي حلقات ظاهرة بطء التقاضي ومعوقات العدالة وتوابعها، وهي الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية، الأمر الموجب لجعل الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية جريمة عامة في حق الجميع وليس الموظف العام فقط دون غيره كما هو مقرر الآن بأحكام قانون العقوبات، وأن تحقيق إقرار هذا الاقتراح يحول نهائيا دون وقوع جريمة الامتناع عن تنفيذ أحكام القضاء، بل وينهي أيضاً وفي الوقت ذاته متاعب المتقاضين في اتخاذ إجراءات الحجز البطيئة والمعقدة المعمول بها حالياً والتي بلغت ما يقرب من أربعة ملايين قضية أمام المحاكم المختلفة. يضيف: يجب استحداث فكرة نظام قاضي المظالم اليومية للمواطنين، للقضاء علي شكاوي الناس ومن هنا لا يستقيم أبداً أن يتم الاحتكام بالشكوي أو التظلم إلي الجهة ذاتها التي أفرزت المشكلة وجنح تابعيها إلي السوء من الفعل والباطل عن العمل. ونظراً لأن خبراء وزارة العدل يمثلون حلقة أساسية في عمليات التقاضي وأحيانا يأتي بطء العدالة من خلال تلك الحلقة، استطلعنا رأي المهندس محمد ضاهر رئيس نادي خبراء وزارة العدل، حيث قال إن هناك قلة في عدد الخبراء إذ لا يتعدي عددهم 2300 خبير يعملون في القضايا المحالة إليهم والتي يصل عددها سنويا إلي 600 ألف قضية، وهذا يعد أحد أسباب بطء التقاضي.