بالرغم من الأزمات العديدة التي شهدتها امتحانات الثانوية العامة العام الماضي، إلا أن وزارة التربية والتعليم مصرة علي ارتكاب نفس الأخطاء دون أن تكون هناك حلول جذرية للمشكلة، فرغم تعهد الوزارة بحلها قبل بداية العام الحالي، إلا أن أزمات الثانوية العامة طفت علي السطح مبكراً، بعدما اتخذ وزير التربية والتعليم الدكتور الهلالي الشربيني، قراراً بمنع تعريب امتحانات اللغات بالمدارس التجريبية، ليضاعف من أزمات الوزارة ومعاناة الطلاب وأولياء الأمور، في وقت بدا أن الوزارة تتراجع عن تطوير ورقة الامتحان، لتتزايد المؤشرات حول أزمة تتجمع أطرافها في الأفق ستنفجر مع بدء موسم امتحانات الثانوية العامة الذي ينطلق في يونيو المقبل. وزارة التربية والتعليم فجرت أزمة بعدما أرسلت تعليمات رسمية لجميع المديريات التعليمية في 5 ديسمبر الماضي، أكدت خلالها علي ضرورة تأدية طلاب الثانوية العامة بالمدارس الرسمية لغات والمدارس الرسمية المتميزة للغات الامتحانات بذات اللغة التي درسوا بها المواد المقررة ويجوز ترجمة أسئلتها للاسترشاد، وأشارت الوزارة إلي أن هذا يأتي تنفيذا لما جاء بالمادة رقم 15 من القرار الوزاري 285 لسنة 2014، ليسود الارتباك جميع المدارس التجريبية. ورغم أن الوزارة لم تطبق القرار علي مدار ثلاث سنوات ماضية صدر فيها القرار، إلا أنها اختارت أن تطبقه في منتصف العام الدراسي بدلاً من التأكيد علي تطبيقه منذ بداية العام الدراسي، وأمام اعتراضات أولياء الأمور والذين نظموا عدة وقفات احتجاجية أمام ديوان عام الوزارة الأسبوع الماضي. ومما زاد من التخبط قرار اللجنة العامة بمجلس النواب الأحد الماضي إرجاء تطبيق القرار إلي العام المقبل، إذ سبقه بساعات إصدار وزارة التربية والتعليم قرارا أكدت فيه تطبيق القرار العام الحالي، بعد أن سمحت للطلاب الذين يرغبون في أداء الامتحان باللغة العربية، بالتحويل لأقرب مدرسة ثانوية عادية، لأداء الامتحان فيها باللغة العربية، وذلك في موعد أقصاه يوم الأحد الموافق 15 يناير المقبل. كما أصدر الوزير أيضاً قراراً بالسماح لطلاب الثانوية العامة الذين يدرسون بالمدارس اللغات هذا العام بأداء امتحان مادة الجيولوجيا باللغة العربية لمن يريد ذلك، فيما تمسك بأداء مواد العلوم والرياضيات المقررة علي طلاب الثانوية العامة بالمدارس اللغات باللغة الأجنبية الخاصة بمدرستهم، فيما أصدر الشربيني، تعليمات عاجلة إلي مديري عموم تنمية مادتي (العلوم والرياضيات)، بتكليف موجهي عموم المادتين بالمديريات التعليمية، باختيار أعضاء من المُعلمين المتميزين من ذوي الخبرة، والمشهود لهم بالكفاءة في تدريس هاتين المادتين بفروعهما باللغات الأجنبية؛ لتنظيم قوافل تعليمية لطلاب الصف الثالث الثانوي بالمدارس الثانوية الرسمية والمتميزة للغات علي مستوي الجمهورية. إلا أن تلك الإجراءات لم ترض أولياء الأمور والطلاب، وأصدرت حملة ثورة أمهات مصر علي المناهج التعليمية، بيانا إعلاميا شددت فيه علي رفضها التام لقرار الوزارة المفاجئ الذي جاء في منتصف العام الدراسي، بالإضافة إلي عدم توفر المدرسين المؤهلين لتدريس هذه المواد باللغة الأجنبية في عدة محافظات بالجمهورية، بالإضافة إلي عدم توفر الكتب المدرسية الخاصة بمواد العلوم والرياضيات »اللغات»، وطالبت الحملة بتدخل رئيس الجمهورية من أجل إيقاف تنفيذ القرار هذا العام، علي أن يطبق من العام القادم رأفةً بالطلاب وأولياء أمورهم، بعد أن فشلت محاولات إقناع الوزارة بذلك، كما طالبت بمحاسبة المسئولين عن هذا القرار وتخبطهم وعدم تحملهم مسئولية إيقاف العمل بالقرار منذ 2014 حتي الآن، بما يمثل تقصيرا واضحا في أداء عملهم المنوطين به، بالإضافة إلي وقوعهم في خطأ اختيار الوقت الخاطئ لتطبيق القرار. ومن جانبها قالت عضو لجنة التعليم بالبرلمان، النائبة شرين فراج، ل »آخر ساعة»: »إنه بالرغم من أهمية تطبيق القانون إلا أن اختيار التوقيت لم يكن مناسباً ما أدي إلي إثارة البلبلة والتأثير السلبي علي الطلاب الذين أصبحوا في موقف صعب للغاية، مشيرة إلي أن البرلمان عقد عدة جلسات لمناقشة الأمر وكان آخرها مع الدكتور رضا حجازي رئيس قطاع التعليم بالوزارة وتم التوصل إلي مجموعة من القرارات، وأول هذه القرارات محاسبة المتسبب في تأخير تطبيق القرار منذ بداية العام الدراسي، حتي الآن وهو ما وعدت الوزارة به، بالإضافة إلي تطبيق القرار العام الحالي مع السماح للطلاب الراغبين في تأدية الامتحان باللغة العربية بالتحويل إلي المدارس الحكومية، علي أن يتم إرسال تعليمات مشددة بتطبيق القرار بدءاً العام الحالي وما يليه من أعوام تالية، إلا أن تلك القرارات جري الالتفاف عليها فلم تعلن الوزارة عن المتسبب في التأخير حتي الآن بالإضافة إلي تدخل بعض الجهات لتأجيل تطبيق القرار العام الحالي، موضحة أن موقف وزارة التربية والتعليم يتسم بالتخبط الشديد. أزمات وزارة التعليم لم تتوقف عند ملف التعريب، فعملية تطوير الثانوية العامة، شبه متوقفة، فرغم إصدار الرئيس عبدالفتاح السيسي قراراً جمهورياً في يوليو الماضي بتشكيل لجنة لتطوير الثانوية العامة قبل بدء العام الدراسي، إلا أن تلك اللجنة التي تشكلت من مجموعة من قيادات الوزارة بالإضافة إلي عدد من الجهات القضائية والأمنية الأخري، لم تصل إلي أي حلول للتطوير حتي هذه اللحظة، كما أن الخطوات التي كانت قد اتخذتها لتطوير شكل الورقة الامتحانية لوقف عملية تسريب الامتحانات لن تنفذ العام الحالي. وكانت اللجنة اتخذت قراراً بدمج أوراق الأسئلة والإجابات داخل ورقة واحدة مع تصميم أكثر من نموذج للورقة بترتيبات مختلفة، لكن تم التراجع عن هذا القرار بعد ارتفاع أسعار الورق وزيادة تكلفته، فاتخذت اللجنة ذاتها قراراً بالتشويش علي الامتحانات، وهو المقترح الذي حاز علي موافقة البرلمان، إلا أن جهات قضائية رفضت تطبيقه لعدم قانونيته، وانتهي الأمر بمطالبة وزير التعليم لموجهي المواد بإعداد أربعة أشكال لكل نموذج امتحان، يراعي فيها اختلاف ترتيب الأسئلة. لكن التغيير الذي طرأ العام الحالي كان من خلال إسناد طباعة الامتحانات إلي جهات سيادية بدلاً من المطبعة السرية التي شهدت العديد من المخالفات العام الماضي بعد أن تسربت امتحانات من خلالها، وكذلك تشديد الرقابة علي الغش من خلال تعديل بعض أحكام القانون رقم 101 لسنة 2015 لمواجهة تلك الظاهرة، وكذلك تخصيص مبلغ100 ألف جنيه لشراء عينة من الأجهزة المطلوبة لعمل الاختبارات الخاصة بتأمين الامتحانات ومنع الغش علي أن يتم خلال فترة سريعة تنفيذ تجارب عملية علي مجموعة من المدارس تحددها وزارة التربية والتعليم، وأن تتم التجربة بالتنسيق مع ممثلي الجهات المعنية. وقالت مصادر بوزارة التربية والتعليم إن تعديلات قانون الغش علي مادتين إحداها مد نطاق التجريم بحيث لا يقتصر علي ارتكاب أي من الأفعال المنصوص عليها في القائم أثناء انعقاد لجان الامتحانات وإنما يمتد ليشمل ارتكاب أي من هذه الأفعال قبل انعقاد لجان الامتحانات، ما دام كان ذلك بقصد الغش أو الإخلال بالنظام العام للامتحانات، وأضافت المصادر أن المادة تتضمن تشديد العقوبة المنصوص عليها في القانون الحالي. من جانبه قال حسين إبراهيم، الأمين العام لنقابة المعلمين المستقلة: »الفشل الذي قد يلاحق امتحانات الثانوية العامة هذا العام سببه الرئيسي عدم تطوير منظومة الثانوية العامة منذ كارثة العام الماضي، إذ إن لجنة تطويرها اهتمت فقط بتطوير الورقة الامتحانية لإيقاف عملية التسريب دون تطوير المنهج الدراسي وطرق تدريسه وعدم تدريب المعلمين عليه»، وأضاف: »الوزارة تجيد لعبة الكراسي الموسيقية فكل ما تفعله هو تبديل الأماكن دون أن يكون هناك تطوير حقيقي في المنظومة التعليمية، ما ظهر من خلال تطوير عدد من المناهج أو من خلال قرار الوزير بإعادة ترتيب الأسئلة داخل ورقة الامتحان لمنع تسريبها»، مشدداً علي استحالة تطوير الورقة الامتحانية دون أن يصاحب ذلك تغيير في المنهج الدراسي والذي يساعد علي الإقبال علي الدروس الخصوصية ويشجع علي الغش في آن واحد.