لا يذكر الأزهر إلا ويذكر معه الدور السياسي، وهو حديث تعاظم بعد الثورة، فبينما يري البعض أن علي الأزهر الاهتمام بدوره الديني الوسطي يري الآخرون الأزهر بما يمثله من تراكمية سياسية بمقدوره أن يلعب دورا وطنيا ينحاز للشعب المصري كما كان في العصر العثماني. فقد ورث الأزهر الدور الذي كان يلعبه علماء الإسلام الذين اشتركوا في الحياة العامة يصطدمون حينا بالسلطة وأحيانا يدعمونها، وتحول أصحاب العمائم (أي رجال الدين) إلي واسطة بين فئات الشعب المظلوم وسادة الحكم من أرباب السيوف في عصر دولتي الأيوبيين والمماليك، وانحاز علماء الدين في الغالب إلي الشعب لأنهم منه وأبناء رجاله ونسائه في مواجهة سادة الحكم الغرباء. وفي عصر سلاطين المماليك الجراكسة (2831 7151م) زاد ظلم السلاطين والامراء والجنود علي الرعية فتصدي لهم العلماء، وفي العصر العثماني ظهرت الشخصية السياسة لشيخ الأزهر الذي ورث دور علماء الإسلام وتركزت فيه رمزية العالم المسلم المهيب الركن حامي الضعفاء، ساعده علي ذلك الأوقاف الكثيرة التي أوقفت علي هذا الجامع باعتباره أقدم جوامع القاهرة وأكثرها شهرة، فورث شيخ الأزهر في العصر العثماني مكانة الخليفة العباسي الذي نقله السلطان العثماني سليم الأول من مصر إلي اسطانبول وجرده من منصبه ومكانته، فكان من الطبيعي أن يرث شيخ الأزهر تلك المكانة في وقت تقلص النشاط الديني وأغلقت الكثير من المدارس في مصر، فكان شيخ الأزهر واجهة النشاط الديني في مصر وقمة الترقي الإجتماعي للمصريين المحرومين من تولي السلطة وقد تبلور دور الأزهر السياسي علي يد علماء كبار أمثال الشيخ محمد الحنفي والشيخ أحمد العروسي والشيخ عبد الله الشرقاوي والشيخ حسن العطار والشيخ عمر مكرم (نقيب الأشراف) وغيرهم كثير حتي العصر الحديث. فأين الدور السياسي للأزهر الآن؟!. يري الدكتور عاصم الدسوقي -المفكر وأستاذ التاريخ الحديث المعاصر بجامعة حلوان- أن الأزهر الشريف مؤسسة دينية بحتة في الأساس تقتصر علي حفظ علوم الدين والشريعة، ولا يتدخل في السياسة بمعناها العام، لأنه عندما يدخل مجال السياسة فإنه يدخلها من باب الدين ولن يكون الأزهر في جانب المعارضة بل سيكون دائما في صف السلطة كما رأينا علي مدار نصف قرن، لذلك فالأفضل للأزهر أن يكون بعيدا عن السياسة، ويجب التفرقة بين الدور السياسي والدور الوطني للأزهر، فالدور الوطني مهم ومطلوب من الأزهر وهو الدور الأبقي للأزهر فعندما شارك الأزهر في ثورات مصر بل وقادها ضد الاحتلال الفرنسي والبريطاني، ثم موقفه المدافع عن استقلال مصر أثناء العدوان الثلاثي 6591م كلها أدوار وطنية تحسب للأزهر وشيوخه إلا أن هذا لا يخول تحويل هذا الرصيد إلي نشاط سياسي. اتفق معه حلمي النمنم - رئيس مجلس إدارة دار الهلال- الذي أكد علي ضرورة عدم لعب الأزهر لدور واضح علي مسرح السياسة المصرية لأنه مؤسسة يمتد دورها إلي العالم الخارجي فدوره بالأساس خارج مصر لا داخلها، فلذلك علي الأزهر أن يبتعد قدر المستطاع عن السياسة في الداخل وعن الارتباط بالنظام من أجل المحافظة علي دوره العالمي. "لا بد أن يتغير هذا القانون أولا" هكذا بدأ الدكتور عمار علي حسن الخبير في الإسلام السياسي حديثه مؤكدا أن قانون 1691م ألحق الأزهر بالسلطة التنفيذية وقلل من مكانة المنصب وبالتالي أفقده دوره منذ أن أصبح رئيس الجمهورية هو المخول بتعيينه. والأزهر لن يسترد المساحات الروحية والدينية التي سحبت منه إلا بعد استعادة استقلاله الكامل عن السلطة التنفيذية. ويري الكاتب يوسف القعيد أن السياسة جزء أساسي من دور الأزهر، لكن لابد أن يكون هناك مسافة بين موقف الأزهر وتحرك الدولة المصرية، فمشكلة الأزهر أنه كان جزءا من النظام السابق ومنظومتها، وهو وضع يجب أن يتغير خصوصا مع تولي د.أحمد الطيب مهام المشيخة فهو رجل يمكن أن يولد علي يده أزهر جديد وتطوير دوره الدعوي والتعليمي بشكل يرضي آمالنا وطموحنا لهذه المؤسسة العريقة.