يحل موسم الفيضان ومعه مؤشرات إيجابية عن حجم الكميات الواردة من مياه نهر النيل إلي مصر هذا العام، فبعد زيادة كمية الأمطار علي الهضبة الإثيوبية، وما تبعها من زيادة معدلات كميات المياه في منطقة السد العالي التي وصلت إلي حوالي ثمانية مليارات متر مكعب من المياه، يرجح خبراء مياه اعتبار الفيضان فوق المستوي المتوسط، وذلك من خلال القياسات الهيدرولوجية لمياه نهر النيل التي تتم علي مناطق متعددة حول روافده الأصلية، ما يعني أن الفيضان يدق أبواب مصر بالخير. منذ أن شهدت الهضبة الإثيوبية خلال الأيام الماضية، زيادة في معدلات هطول الأمطار، فإن ذلك كان بمثابة بشري خير لمصر، التي ستظل بكل تأكيد "هبة النيل"، بما يقلل المخاوف من تأثيرات سد النهضة الإثيوبي الذي يجري تشييده حالياً، علي حصة مصر المائية. ويأمل المسئولون في استغلال كميات المياه الواردة إلي مصر في زيادة المخزون الاحتياطي ببحيرة ناصر كونها تمثل تعويضا للفاقد المائي الذي واجهته البلاد نتيجة انخفاض حجم مياه فيضان النيل علي مدي الأعوام السابقة التي يعتبرها خبراء المياه من سنوات الشح المائي وهو الأمر الذي دفع إلي السحب من احتياطي المخزون المائي المصري لتعويض الزيادة في معدلات الاستهلاك. وتشكل المياه التي تأتي من الهضبة الإثيوبية مصدراً مهما لتغذية نهر النيل، التي تتم عبر فرعين رئيسيين حتي وصوله إلي مصر وهما فرع النيل الأبيض، وفرع النيل الأزرق الذي يقع في إثيوبيا، حيث تشكل مياه النيل الأزرق نسبة 85% من المياه المغذية لنهر النيل ولكن هذه النسبة يصل الجزء الأكبر منها إليه صيفاً فقط أثناء سقوط الأمطار الموسمية علي المرتفعات الإثيوبية، وبعد اتحاد فرعي النيل الأبيض والأزرق في السودان يتبقي لنهر النيل فرع واحد لتغذيته بالمياه قبل دخوله إلي مصر وهو نهر عطبرة الذي ينبع أيضا من الأراضي الإثيوبية ويقع شمال بحيرة تانا ليستمر النهر في مساره حتي يمتزج بخط النيل الرئيسي ويصل إلي مدينة أسوان. الدكتور ماهر صالح رئيس قسم الأراضي والمياه بكلية الزراعة بجامعة الإسكندرية قال إن مستويات المياه الواردة لنهر النيل تشهد اختلافا كل 20 عاما، بحيث تنقسم إلي ثلاثة مستويات (مرتفع، ومتوسط، ومنخفض)، ومع وصول الكميات المخزنة من المياه في بحيرة ناصر إلي 8 مليارات متر مكعب يمكن اعتبارها مؤشرا جيدا علي حجم المياه الواردة من إثيوبيا في بداية الفيضان، ومن المتوقع زيادة هذه الكمية بخمسة مليارات متر مكعب إضافية وخلال فترة قصيرة سيتم استيعابها في بحيرة ناصر أو خزان السد العالي لتصل بنهاية السنة المائية الحالية إلي كمية مناسبة تؤمِّن إمدادات الري الزراعية المصرية لعدة سنوات قادمة. وتابع صالح في تصريحات ل "آخرساعة": حجم كميات المياه الواردة إلي مصر في العام الماضي وصل إلي 20 مليار متر مكعب فقط من المياه أي أقل من المتوسط السنوي لحصتها البالغة 55 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، لذلك تم سحب أكثر من 50% من احتياجات مصر المائية من المخزون الاستراتيجي في بحيرة ناصر لتعويض الكمية الناقصة، وذلك في الوقت الذي تصل فيه احتياجات مصر الفعلية من المياه إلي 80 مليار متر مكعب في العام الواحد، لذلك نجد أن مصر تلجأ إلي البدائل لسد الفجوة في احتياجاتها المائية مثل إعادة معالجة مياه الصرف الزراعي، علاوة علي معالجة مياه الصرف الصناعي في بعض المناطق الشمالية والمناطق الساحلية التي يوجد بها مشروعات مستقبلية للزراعة. ويري صالح ضرورة تأمين احتياجات مصر المائية من موارد ومصادر بديلة يمكنها سد العجز في كميات المياه الواردة إلي مصر، وعلي رأسها تحلية مياه البحر، بالتوازي مع اعتماد نظم غير تقليدية للزراعة مثل اللجوء إلي الزراعة الملحية أي الاعتماد علي المياه الملحية كإحدي الوسائل لزيادة الرقعة الزراعية وإدخال نوع من النباتات يتم إنتاجها في مناطق لا تحتوي علي أي موارد مائية سوي هذا النوع من المياه، تنبع من الآبار الجوفية المتراكمة في بعض المناطق مثل واحة سيوة وكل هذه بدائل التفكير بها أصبح أمرا حتميا وليس عملية اختيارية. فيما يري الدكتور أحمد سعد الحناوي رئيس قسم الأراضي والمياه بكلية الزراعة بكفر الشيخ، أن هناك إشارات أولية مبشِّرة فيما يتعلق بإيراد نهر النيل هذا العام، مقارنة بالعام الماضي الذي يعتبر من أعوام الشح المائي، لافتاً إلي أن محطة قياس النيل التي تقع علي الحدود السودانية الإثيوبية سجلت أعلي منسوب للنهر منذ 70 عاماً، حيث يتم قياس الفيضان من بداية السنة المائية في شهر أغسطس حتي نهايتها في شهر يوليو، مضيفاً ل "آخرساعة": "في بداية السنة المائية يكون الإيراد المائي مرتفعا، ومع ذلك من الصعب التنبؤ بكميات المياه الواردة إلا بعد انتهاء ذروة الفيضان في شهر أكتوبر وهي الفترة التي تمثل النسبة الأكبر من إيراد السنة المائية لمصر". كما لفت إلي أن السعة التخزينية للسد العالي بإمكانها تحمل ارتفاع منسوب مياه بحيرة ناصر حتي ارتفاع 187,5 متر، فإذا تجاوز منسوب المياه هذه النسبة تقوم وزارة الري بإعلان الخطط البديلة للتعامل مع الفيضان ومن بينها فتح مفيض توشكي لتصريف الحمل المائي الزائد الموجود أمام السد العالي. ويشير الحناوي إلي أن فترة امتلاء السد وفقا لتوقعات الجانب الإثيوبي هي 4 سنوات، وخلال هذه الفترة سوف يتم حجز 40 مليار متر مكعب من المياه، بمعدل عشرة مليارات متر مكعب من المياه في العام الواحد، ولكن سيتم السماح بعبور كميات محددة من المياه لتشغيل التوربينات المقامة بسد النهضة والحصول علي الطاقة الكهربائية، وهو ما يعني عدم وصول مياه نهر النيل إلي مصر في توقيتها الطبيعي، وحتي إذا وصلت ستصل بكميات قليلة. وطالب بانتهاج سياسة الترشيد الزراعي من أجل تعظيم الاستفادة من الموارد المائية المتاحة في مصر، وكذلك تقليل الاعتماد علي الزراعات كثيفة الاستهلاك للمياه فهناك حوالي 2 مليون و100 ألف فدان يتم زراعتها بالأرز بالمخالفة لإرشادات وزارة الزراعة التي تنص علي زراعته في أماكن محددة، فإذا تم تخفيض مساحات زراعة الأرز إلي 700 ألف فدان فقط سيتم توفير كميات ضخمة من المياه تصل إلي مليار و100 ألف متر مكعب سنويا. في السياق يري المهندس عماد ميخائيل رئيس مصلحة الري أن البيانات الموجودة حتي الآن حول مياه الفيضان قد لا تدل علي حجم مياهه بصورة محددة ولكنها قد تعطي إشارات أولية عنه فقط، مضيفاً ل"آخرساعة": لا يمكن قياس حجم مياه الفيضان من خلال منسوب المياه أمام السد فقط لأنه يعتبر مجرد مقياس علي النيل، ولكن قياس حجم مياه الفيضان يتم من خلال احتساب حجم المياه الواردة من الخارج ككل، فمن الممكن أن يكون منسوب المياه مرتفعا أمام السد، ومع ذلك تكون كمية المياه الواردة له قليلة. وتابع: هناك طرق متعددة للتعامل مع كميات المياه الزائدة لنهر النيل في حال تجاوزت مياه الفيضان سعة تخزين السد بنهاية السنة المائية الحالية، حيث أوضح أن هناك منافذ لتصريف المياه عبر مفيض احتياطي بالسد العالي وكذلك تصريفها عبر خزان أسوان.