تمضي ثورات العرب كشرارة امتدت من الغرب إلي الشرق من تونس إلي مصر وليبيا انطلاقا إلي اليمن وسوريا تشتعل نار الغضب في شوارع المدن العربية تحرق مافي طريقها من أنظمة لاتعرف للإنسانية وجودا ولا مفهوما ولا اصطلاحا لديها ، مضي زين العابدين ومن بعده مبارك وعلي الطريق معمر وصالح وبشار وللمصادفة الغريبة أن أحدا من الأسماء السابقة لم يكن له من اسمه نصيب خلال تاريخه مع شعبه ، عاشوا في قصور الحكم ملوكا بلاعروش ومعهم أسرهم المتخمة بالثراء لكنهم لم يبصروا الآخر وهو هنا الشعب الذي يحكمونه ويديرون شئونه لأنهم كانوا مشغولين بإدارة شئونهم وصفقاتهم الخاصة وترتيباتهم لوراثة ذويهم الحكم ، فعلها الراحل حافظ الأسد وورث ابنه بشار ومبارك وصالح والقذافي كانوا يعدون أبناءهم لنفس الدور وكأن الشعوب غيرموجودة علي خريطة اهتماماتهم أو حتي علي أرض الواقع ، أمضي هؤلاء عقودا طويلة في الحكم هم أو آباؤهم لم تكفهم ورفضوا أن يحملوا لقبا كريها لهم وهو أن يكونوا رؤساء سابقين وأن يروا حكاما آخرين غيرهم يقودون البلاد !! والسمات العامة لهؤلاء الحكام واحدة فهم جاءوا للسلطة بغير إرادة شعوبهم إما بانقلاب عسكري أو بالتزوير أو التوريث ويشترك معظمهم في الخلفية العسكرية وظلوا بالحكم عبر انتخابات أو استفتاءات مزورة إضافة لسيطرة الحزب الواحد وإن تعددت المسميات كالحزب الوطني في مصر أو حزب المؤتمرالشعبي اليمني أو البعث العربي الاشتراكي السوري أو مؤتمر الشعب العام في ليبيا أو التجمع الدستوري التونسي ، كما أنهم في مرحلة لاحقة وبعد أن طال مكوثهم في السلطة بدأوا في تهيئة الساحة لتوريث الحكم لأبنائهم. وفي ظل هذه الأنظمة الاستبدادية تسخر القوانين والدستور وقوي الأمن والجيش والأجهزة التنفيذية والإعلام والحزب الواحد لخدمة وجودهم واستمرارهم علي حساب الشعب فالحاكم هو ظل الله في الأرض ولاراد لكلمته التي تفيض وتقطر حكمة لاتدركها أفهام جماهير الشعب !! صار الحكم في بلاد العرب مشكلة الشعوب بدلا من أن يكون وسيلة لحل مشاكلهم ، صار كالدين هم بالليل ومذلة بالنهار ، تحول الحكم إلي وسيلة لاسترقاق الشعوب ، الحكام صاروا سادة والشعوب عبيدا مثل عصور اختفت من الوجود وتجاوزها الزمن. النماذج للحكم العربي تتشابه كثيرا في ظروفها وفي قهر الشعوب واستباحة دمائها لايختلف مبارك عن بن علي والقذافي وعبد الله صالح عن الأسد كلهم من نفس الحظيرة والفصيلة طغاة مستبدون وصلوا للحكم في غفلة من الزمن حكموا بلادهم في مرحلة مابعد التخلص من الاستعمار فصاروا استنساخا منه ولكن من الداخل ! لكن صرخة الألم التي أطلقها الشاب التونسي محمد بوعزيزي وهو يحرق نفسه أطلقت مارد الثورة من القمقم ثم أطلق شباب مصر صرخة أخري علي صفحات الفيس بوك انتقل صداها إلي الشوارع والميادين فخرج ملايين المصريين عن صمتهم وانتفضوا لأنفسهم إلي ثوار ليبيا الذين حمل معظمهم السلاح لأول مرة في حياتهم ولكنهم أصبحوا يضيقون الخناق علي طاغية ليبيا الذي أغرق البلاد في حمامات من الدم لكنه اقترب كثيرا من نهايته المحتومة ، إلي اليمن الذي لم يعد سعيدا بفضل حاكمه الذي يحكم قبضته الحديدية علي البلاد منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن ، خرج الشعب شبابا وشيوخا ونساء وأطفالا يريدون إسقاط النظام الذي يحتمي ببعض القبائل وبالحرس الجمهوري والبلاطجة لكن مصيره لن يختلف عن سابقيه من الطغاة ، أما سوريا فهي نموذج مأساوي ودموي لنظام تعامل بالرصاص الحي من الوهلة الأولي عندما خرجت أول أصوات التمرد علي النظام صاحب التاريخ الدموي في عهد الزعيم الأب وورثه لابنه ، سالت دماء الأحرار في شوارع المدن السورية وصارت أجسادهم أهدافا للرماية من الشبيحة لقوي الأمن والجيش ، نظام يطلق النار ويدعو للحوار ، كوميديا سوداء لم نر مثلها في البلاد لاقديما ولاحديثا لكن عندما تسيل الدماء فهذا هو الباب الذي يطرقه الشعب السوري لتدخله شمس الحرية الشعب العربي يتحرر من قبضة الظلم والاستبداد رغم ضريبة الدم وصرخات الألم وعذابات السنين ، والحكام الطغاة سيرحلون فهذا هو حكم التاريخ وسنة الكون التي لن تتبدل فدولة الظلم ساعة ودولة الحق إلي قيام الساعة