من أين لك أن تعلم أنه إمام؟ ما دليلك وكيف تتحقق من هويته؟ ليكن الصعود علي المنبر هو الأمر الفاصل بينك وبينه، لن أتحقق أيضاً، فمن الآن من لا يمكنه الصعود علي المنبر والفوز بذلك الفضل العظيم الذي لا يمنحه الله إلا لقليلين ممن حباهم بموهبة الإلقاء وصقلهم بفنون الخطابة وأرشدهم لطريقهم بالعلم والمعرفة، يمكن لأي شخص الآن لديه من العلم ما يجعله »يفك الخط« أن يصبح إماماً ويخطب في مئات المُصلين. الأمر ليس مستحدثاً في المنطقة العربية لكنه غريب بالطبع علي مصر والمصريين، فلم يعتد المسلمون علي ذلك المشهد إلا قليلاً جداً وفي حالات فردية شاهدنا شيخ الأزهر الإمام جاد الحق رحمة الله عليه يقرأ من الورقة خطبة الجمعة أكثر من مرة ولكنها كانت بسبب التقدم في العمر فضلاً عن أنه كان يكتبها بنفسه، وكذلك الشيخ محمد متولي الشعراوي وكانت حالة مماثلة، أما ما شاهدناه الجمعة الماضية وسنعتاد مشاهدته طيلة الأيام القادمة بعد قرار وزير الأوقاف مختار جمعة بتوحيد خطب الجمعة علي الأئمة وتوزيعها عليهم أمر لا يمكن للجميع تقبله حتي وإن كان في صالح الأمة كما تبرر الأوقاف. قرار الأوقاف مختار جمعة وزير الأوقاف أكد أن توحيد الخطبة المكتوبة ليس عملاً سياسيًا علي الإطلاق، وإنما هدفه صياغة الفكر المستنير بصورة علمية ومنهجية، موضحًا أنه سيعقد لقاءات متتابعة مع القيادات الدعوية وجموع الأئمة، لشرح الفكرة وبيان أهميتها، وأنه سيكون أول من يبدأ بتنفيذها. ولفت إلي أن الخطبة المكتوبة أحد أكثر عومل ضبط الخطبة، للحفاظ علي قيم ثابتة ومحددة، يتم بثها لجميع المساجد في آن واحد، مؤكداً أن الهدف من النص المكتوب هو ضبط إيقاع الخطبة، وهي خطوة مهمة لتطوير الخطاب الديني، وفقاً لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، كما تساهم في توصيل المعاني المهمة التي يحتاجها كل أطياف المجتمع. وأعلنت الأوقاف عن تشكيل لجنة علمية لإعداد وصياغة موضوعات خطب الجمعة، بما يتوافق مع روح العصر من قضايا إيمانية وأخلاقية وإنسانية وحياتية وواقعية، مع الاستمرار في توحيدها وتعميمها مكتوبة. وأوضحت الوزارة أنه يمكن لمديرياتها أن تقدم كشفًا بأسماء الخطباء المتميزين الذين يمكن السماح لهم بأداء الخطبة الموحدة ارتجالًا، بعد موافقة القطاع الديني في الوزارة. تنازع الخطباء الاختلاف الذي حدث بين الفقهاء وعلماء الدين يمكن القبول به ووارد في شتي أمور الدين، ولكن الفتنة والأزمة الذي خلفها القرار بين الخطباء أمر لا يجب الاستهانة به، فخطباء المسجد الواحد اختلفوا فيما بينهم علي توحيد الخطب، وبات الأمر بينهم في سجالاً، فبدلا من مناقشة أمور الدعوة ظلوا يتبارون فيما بينهم حول هذا القرار إن كان صائباً أم لا. الشيخ محمود الإسناوي أحد أئمة منطقة السواح أكد أن القرار لا يناسب جميع مناطق مصر من قري ومدن وصعيد ووجه بحري وقبلي، فكل خطيب يعرف احتياجات منطقته ومن يخطب فيهم مشيراً إلي أن كل منطقة ولها آفة فعلي سبيل المثال هناك بعض المناطق أصابتها المخدرات وتداول بيعها وتناولها بين الشباب، فيجب علي الخطيب حينئذ الحديث عن تلك المشكلة. وهناك بعض المناطق سيطر عليها البلطجة والعنف، فيجب عليه الحديث في هذا الشأن، وفي الصعيد تغلب علي الخطب الحديث عن الأخذ بالثأر وعن حرمة قتل النفس بغير حق، وبذلك تكون الخطبة المكتوبة تقييداً لفكر الخطيب ولن تحدث أي نتائج إيجابية. واختلف معه الخطيب بمنطقة الأنفوشي؛ حسنين شوقي، الذي أكد أن القرار صائب ولا جدال عليه، كونه يحجم ما يتم الحديث عنه للعامة، لأن الأمر بات استعراضاً للقوي وليس هناك رادع لمن يعتلي المنبر، فكل يقول كما شاء دون حساب. ولفت إلي أن الأزمات التي شهدتها مصر مؤخراً كان سببها؛ بشكل أو بآخر، ما يقال في أروقة المساجد، فبعض المتطرفين يتخذون من المساجد مكاناً لهم لبث الفتن واستقطاب المغيبين في أعمال الإرهاب والعنف. لكل مقام مقال لا تجوز المقارنة بين أيام الرسول؛ عليه الصلاة والسلام؛ وأيامنا هذه، فلكل مقام مقال والذي كان يتم فعله حينها لا يشترط أن يناسبنا الآن، وتوحيد الخطب أمر لابد أن ننظر له بمنظور إيجابي؛ ويتمثل في القضاء علي التشدد والتطرف والمغالاة والإرهاب الفكري بشتي صوره، هذا ما قاله الشيخ محمود عاشور؛ وكيل الأزهر الشريف وعضو مجمع البحوث الإسلامية. وأعرب عاشور عن استيائه من معالجة الأمر بين الأوساط الثقافية المختلفة ووسائل الإعلام أيضاً، مشيراً إلي أنهم يبحثون في الأمر وفقاً لآرائهم الشخصية دون النظر للصالح العام للوطن، مشيراً إلي أن أي أمر في مصر لابد أن يثار حوله الجدل حتي وإن كان تافهاً فلا يمر مرور الكرام. ولفت عاشور إلي أن إمام الحرمين يقرأ الخطبة مكتوبة وفي العديد من البلدان تم توحيد الخطبة ولكن الأمر لايزال غير مألوف للمصريين لأنهم لم يعتادوا عليه، لافتاً إلي أن توحيد الخطبة يد شكلاً من أشكال تصويب الخطاب الديني بحيث لا يحث علي العنف ولا التطرف. إلغاء المعاهد الدينية «هذا القرار مهين لبلد الأزهر الشريف؛ لأن المأثور عن سيدنا النبي صلي الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين والعلماء والدعاة في كل زمان ومكان ارتجال الخطبة وعدم كتابتها ونقل هذا العمل الرائد عبر الأجيال إلي أن ابتدع الساسة في منطقة الخليج كتابة الخطب لأمور سياسية معينة»، هذا ما قاله الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه والشريعة الإسلامية بالأزهر الشريف. وتابع كريمة: «القرار يعد وأدًا لفن الخطابة، وهذا يؤدي إلي عدم الحاجة إلي كلية وأقسام الدعوة الإسلامية ولا إلي مهارات الخطابة، ويمكن إسنادها إلي أي حامل أي شهادة ولو أصحاب الدبلومات، فلا حاجة إذن للشهادات الرسمية مادامت الخطبة مكتوبة ويلقيها الإمام كأي شخص». وأكد كريمة أن هذه البدعة المزعومة أدت إلي قتل الابتكار وجمود الفكر ووأد الارتجال، فصار الخطباء مجرد قارئي لنشرات إخبارية، فلا تواصل ولا تفاعل مع الجمهور وسار الأداء رتيبا مملاً، مشيرًا إلي أن هذا إن صلح في بلاد فيها سياسات استبدادية لنظم الحكم السياسية لا تليق بمصر الأزهر والتاريخ الإسلامي. مراكز للأبحاث والدراسات عبدالغني هندي عضو المجلس الأعلي الشئون الإسلامية وخبير الشئون الدينية بالأوقاف أكد أن الأمر لابد أن يتم تناوله بقدر من المرونة، ففي حال كانت الخطبة مكتوبة وموزعة علي الأئمة في المساجد دون تغيير من الخطاب نفسه سيكون بالتأكيد ضد القرار. ولكي يكون توحيد الخطبة أمراً مثمراً، أكد ضرورة الاستناد في كتابة الخطب لمركز خاص بالأبحاث والدراسات الدينية، ويضم عدداً لا بأس به من علماء القرآن والفقه والحديث وكذلك خبراء القانون وعلماء النفس والاجتماع، ويقدم ذلك المركز المتخصص علي سبيل المثال إحصائيات مفصلة بعدد الذين تم استقطابهم للتورط في أعمال العنف والإرهاب، ويقدم فيه علماء النفس الطرق الشهيرة التي يستخدمها المتطرفون في جذب صغار السن من الشباب، ويتم صياغة الخطبة وفق تلك المعلومات الحقيقية التي تفيد المتلقي بشكل كبير، وتختلف الخطبة كل أسبوع بالطبع عما قبلها. وأكد هندي أن القرار سيلحق الضرر بمن هم بارعون في الإمامة، من كبار المشايخ فمن الممكن أن يكون أسلوبه وطريقته أفضل بكثير مما تحويه الورقة المكتوبة، فما المانع لو يتم توحيد موضوع الخطب وكل منهم يقوم بصياغتها بالشكل المناسب له. ولفت إلي أن الخطبة الموزعة سيكون لها أثر طيب علي الأئمة الذين لديهم صعوبة في الحصول علي المعلومة والمبتدئين أيضاً, وقال: «فضيلة الشيخ جاد الحق إمام الأزهر رحمة الله عليه كان يقرأ من الورقة ولم يجرؤ أحد أن يقول إنه أقل علماً لأنه يمسك بخطبة ورقية لأنه كان يكتبها لنفسه بنفسه». التأهيل أولاً من جانبها أعربت الدكتورة آمنة نصير، عضو اللجنة الدينية بمجلس الشعب عن استيائها قرار توحيد خطب الجمعة، مشيرةً إلي أن هذا القرار لا يمت بصلة لتجديد الخطاب الديني؛ مؤكدة أنها تعمدت عدم سماع الخطبة التي تلاها وزير الأوقاف الجمعة الماضية. ولفتت نصير إلي أن تجديد الخطاب يتم بعد دراسات فقهية ومجتمعية من متخصصين في الأمر؛ ولا يتم بعدد من السطور التي يتم توزيعها علي الأئمة، وقالت: «خطبة الجمعة ليست سطوراً تكتب إنما هي دراسة حقيقية لأحوال الناس وقضاياهم، والرد علي ما يشغل الناس من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية، ويجب علي الأوقاف تأهيل الأئمة قبل إعطائهم فضل الخطابة في الأمة خيراً لهم من قراءة محتوي لا يعي معظمهم فائدته».